يترقب سكان مدينة إسطنبول هذه الأيام بشغف حدثا تاريخيا طال انتظاره، وهو افتتاح مسجد تقسيم قبل نهاية رمضان المبارك. وكانت أعمال البناء للمسجد بدأت في 17 شباط/ فبراير 2017 بعد أن وضع الرئيس السابق لبلدية إسطنبول الكبرى، قدير طوبَّاش، حجر أساسه.
افتتاح
مسجد تقسيم يحمل رمزية تشبه رمزية إعادة آيا صوفيا إلى مسجد؛ لأن القوى
العلمانية المتطرفة رفضت بناءه لمدة طويلة وعرقلته بحجة الحفاظ على "هوية
ميدان تقسيم"، على الرغم من أن المنطقة بحاجة ماسة إليه. ولذلك يشير افتتاحه إلى تراجع نفوذ تلك القوى في البلاد.
مسجد تقسيم كان حلم رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان ومعظم الإسلاميين في
تركيا منذ سبعينيات القرن الماضي. وكان أردوغان أعلن قبل الانتخابات المحلية التي أجريت في 1994 أنه سيبني مسجدا في ميدان تقسيم في حال فوزه في الانتخابات؛ التي خاضها كمرشح حزب الرفاه لرئسة بلدية إسطنبول الكبرى.
افتتاح مسجد تقسيم يحمل رمزية تشبه رمزية إعادة آيا صوفيا إلى مسجد؛ لأن القوى العلمانية المتطرفة رفضت بناءه لمدة طويلة وعرقلته بحجة الحفاظ على "هوية ميدان تقسيم"
هناك مقطع فيديو تم تسجيله آنذاك خلال الحملات الانتخابية، يظهر فيه أردوغان مع عدد من الصحفيين على مبنى مرتفع يطل على الميدان، وهو يشير بإصبعه إلى المكان الذي بني فيه المسجد، ويقول "سنبني المسجد ها هنا". وكان أردوغان فاز في تلك الانتخابات وأصبح رئيسا لبلدية إسطنبول الكبرى، إلا أنه لم يتمكن من الإيفاء بوعده آنذاك، لأن القوى العلمانية المتطرفة أبعدته عن منصبه، بل وسجنته لقراءته في تجمع انتخابي أبياتا من قصيدة شاعر تركي. وها هو اليوم يحقق حلمه بافتتاح مسجد تقسيم في المكان الذي أشار إليه قبل حوالي 27 سنة.
منطقة تقسيم جزء من أراضي تركيا المسلمة، ومن الطبيعي بناء مسجد فيها، تلبية لحاجة سكان المنطقة وزوارها. كما أنه من غير المقبول أن تكون في البلاد "مناطق محررة" خاصة بالعلمانيين المتطرفين أو غيرهم، لا يدخلها آخرون. وبعد افتتاح المسجد، سيرتفع في ميدان تقسيم صوت الأذان خمس مرات كل يوم، كما هو الحال في أي مكان في تركيا.
مسجد تقسيم ذو المنارتين تحفة معمارية تحاكي بتصاميمها وجمالها
المساجد المبنية في العهد العثماني. وتبلغ مساحته 2482 مترا مربعا، وتتسع لحوالي 2500 مصلٍ. ومن المؤكد أنه سيزيد المنطقة جمالا ورونقا، وسيكون معلما من معالم إسطنبول التي تزين المدينة التاريخية، وتعكس حضارتها، وترسخ هويتها الإسلامية.
القوى العلمانية المتطرفة التي سيطرت على البلاد لعقود حوَّلته إلى معركة وجود، وقاومت بناء مسجد في منطقة تقسيم، كما منعت المحجبات من دخول المدارس والجامعات والتوظيف في الدوائر الحكومية لسنين
افتتاح مسجد في بلد مسلم يعد في الحقيقة حدثا عاديا، كما أن وجود محجبات في مدارسه وجامعاته ودوائره الحكومية أمر لا يستغرب، إلا أن القوى العلمانية المتطرفة التي سيطرت على البلاد لعقود حوَّلته إلى معركة وجود، وقاومت بناء مسجد في منطقة تقسيم، كما منعت المحجبات من دخول المدارس والجامعات والتوظيف في الدوائر الحكومية لسنين. ولذلك، يعتبر افتتاح مسجد تقسيم من انتصارات الشعب التركي المسلم على تلك القوى التي فرضت عليه وصايتها كي لا تتجلى إرادته الحرة.
حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يبذل منذ مدة جهودا حثيثة لتطبيع العلاقات بين الدولة والمجتمع التركي المسلم وقيمه وعاداته، بعد أن كانت تلك العلاقات متدهورة وتشوبها مشاكل عديدة بسبب تسلط الأقلية العلمانية المتطرفة على حكم البلاد بدعم العسكر. ويمكن القول اليوم إن عملية المصالحة بين الدولة والمجتمع قطعت شوطا كبيرا بفضل الإصلاحات الديمقراطية، ولو لم يكن كذلك لما نجح اليوم في إتمام بناء مسجد تقسيم وافتتاحه.
مركز "أتاتورك" الثقافي تحفة معمارية أخرى ستزيِّن ميدان تقسيم، ولكن المعارضة اليسارية لن تبدي أي ندم أو اعتذار عن الضجة الكبيرة التي أثارتها حين قررت الحكومة هدم ذاك المبنى القديم
هناك مشروع آخر في ميدان تقسيم شارف على الانتهاء، وهو مشروع إعادة بناء مركز "أتاتورك" الثقافي. وكان حجر أساسه وضع في 10 شباط/ فبراير 2019، ومن المتوقع أن يتم افتتاحه في حزيران/ يونيو القادم. وكان في ذات المكان مبنى متهالك قبيح المنظر للمركز. ولما أرادت الحكومة التركية هدمه لإعادة بنائه أقامت المعارضة اليسارية الدنيا، بدعوى أن الحكومة ستزيل مركز "أتاتورك" الثقافي من ميدان تقسيم.
مركز "أتاتورك" الثقافي تحفة معمارية أخرى ستزيِّن ميدان تقسيم، ولكن المعارضة اليسارية لن تبدي أي ندم أو اعتذار عن الضجة الكبيرة التي أثارتها حين قررت الحكومة هدم ذاك المبنى القديم، كما لن تشكر الحكومة على بناء مبنى للمركز غاية في الجمال؛ لأنها - للأسف الشديد - معارضة أيديولوجية عمياء غير منصفة، وليس في قاموسها الاعتراف بالخطأ وفضل الآخرين.
twitter.com/ismail_yasa