هناك في غياهب السجون في مقابر الأحياء أطباء، مهندسون، معلمون، مفكرون، طلاب شيبا وشبانا نساء ورجالا لم يكتف السيسي بإخفائهم قسريا وتعذيبهم، بل استكثر عليهم حياة البؤس في زنازين لا تتوفر فيها المعايير الدنيا للعيش الآدمي فأمر قضاة مأجورين بالحكم على بعضهم بالإعدام.
منذ مقولته الشهيرة بمناسبة تشييع النائب العام هشام بركات "يد الدولة مغلولة بالقوانين" ارتفعت وتيرة الإعدامات بعدما شكل دوائر خاصة من المحاكم وعين على رأسها قضاة يأتمرون بأمره فبدأت تصدر أحكام إعدام بالجملة لتحال أوراق المحكومين إلى مفتي الدم شوقي علام فيصادق عليها.
منذ زمن بعيد كانت محكمة النقض الملاذ الأخير لتمحيص مثل هذه الأحكام لكشف ما يخالطها من عوار على صعيد الأدلة والقانون لتقوم بإبطال الاحكام وإحالة القضية إلى دائرة أخرى لإعادة المحاكمة من جديد أو تضع يدها على الدعوى لتبت فيها.. في عهد السيسي غُلت يد محكمة النقض وأصبح هناك دائرة خاصة تنظر في الطعون ليصبح التصديق على هذه الأحكام أمرا مسلَّما به.
أصبح القضاء المصري ألعوبة بيد النظام يسيره كيف يشاء خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا معارضة النظام، فرغم الأدلة الدامغة على الاختفاء القسري وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب الوحشي تنزل هذه المحاكم عقوبات مشددة ومنها الإعدام على المتهمين.
حتى الآن، وصل عدد الأشخاص الذين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام إلى 848 شخصًا، بينهم 158 شخصا تمت المصادقة على أحكامهم، واكتسبت الدرجة القطعية ونفذت العقوبة بحق 93 منهم كان آخرها تنفيذ حكم الإعدام بالشاب معتز مصطفى حسن كامل عبد الله صباح الأحد 4 تموز/ يوليو 2021 داخل سجن الاستئناف في القاهرة، وينتظر باقي المتهمين البت في قضاياهم التي ما زالت منظورة أمام محكمة النقض.
المروع أن صدور هذه الأحكام وتنفيذ بعضها تباعا يمر مرور الكرام في المجتمع الدولي، فلا وجود لموقف حازم من صناع القرار ولا حتى تغطيه إعلامية تليق بمستوى الجريمة، سوى أصوات خافتة منددة من منظمات حقوقية لا تجد أي صدى في أي مكان.
نظام السيسي لا يقيم وزنا للقانون الداخلي أو الدولي وبدافع الانتقام تراه مندفعا في تنفيذ أحكام الإعدام كلما لاحت الفرصة حتى في أشد الأيام حرمة وقداسة، ففي رمضان الماضي نفذ حكم الإعدام بحق 17 معتقلا، كان منهم شيخ طاعن بالسن ثبت بالأدلة أنه لم يكن متواجدا في الأحداث موضوع الاتهام، ولا يمكن وفق حالته الصحية أو عمره أن يكون مشتركا بأي صورة في الأفعال التي وجهت له في القضية.
يحار المرء في سلوك هذا النظام الإجرامي، فبعد أن قتل أكثر من 1000 شخص في يوم واحد في الميادين والشوارع وزج بالآلاف في السجون واستتب الأمر له بالحديد والنار، فماذا يريد؟ لماذا يصر على ارتكاب مزيد من جرائم القتل؟! ما هو الخطر الذي يشكله معتقلون في سجون شديدة الحراسة محرومين من أي اتصال خارجي بالعالم؟
في جنح الليل وبدون أي إجراءات آدمية يتم تنفيذ أحكام الإعدام فلا يتاح للضحية أن يتصل بابن أو أم أو أب أو زوجة ليلقي التحية الأخيرة، أو يترك وصية، فلا يعلم الأهل أن إبنهم قد فارق الحياة الدنيا إلا باتصال هاتفي صاعق من المشرحة يطلب منهم الحضور لاستلام الجثة ثم في كثير من الحالات لا يسمح بتنظيم جنازة له أو بيت عزاء ويشترط دفنه في جنح الليل تحت حراسة مشددة.
وفي غمرة انشغال المصريين بقضية سد النهضة وما تشكله من مخاطر على حياة المصريين تمت المصادقة على إعدام 12 من القيادات التي تصدت لانقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 وكان لهم دور فاعل في ثورة 25 يناير التي أطاحت بحسني مبارك.
يحار المرء في سلوك هذا النظام الإجرامي، فبعد أن قتل أكثر من 1000 شخص في يوم واحد في الميادين والشوارع وزج بالآلاف في السجون واستتب الأمر له بالحديد والنار، فماذا يريد؟ لماذا يصر على ارتكاب مزيد من جرائم القتل؟! ما هو الخطر الذي يشكله معتقلون في سجون شديدة الحراسة محرومين من أي اتصال خارجي بالعالم؟
تتبدد الحيرة قليلا عندما نرى حلفاء هذا النظام ممن يدعون الدفاع عن حقوق الإنسان وحرمة الدم يقدمون كل أسباب الحياة لهذا النظام ليزداد وحشية، فصفقات السلاح والمعدات الأمنية التي تأتيه من الولايات المتحدة ومن دول الاتحاد الأوروبي بما فيهم بريطانيا شددت عزيمته على المضي قدما في ارتكاب المزيد والمزيد من الجرائم.
سلوك هذه الدول يتسم بالنفاق الفج كان بإمكانها وما زال اتخاذ إجراءات صارمة لردع نظام السيسي ووقف الانتهاكات وجرائم القتل المنظمة عبر المحاكم إلا أنها أعلت مصالحها المادية على مصلحة القانون فما كان من السيسي إلا أن أمن العقاب فأساء الأدب.
سيسجل التاريخ أن نظام السيسي هو الأكثر دموية في التاريخ المعاصر لم يسبقه مثيل، سخر كل الأدوات الفتاكة للنيل من خصومه فيتّم ورمّل وأدمى قلوب الملايين، لا فسح لديه لتضميد الجراح بل الوقت كل الوقت لفتح مزيد من الجراح ونكء الجراح حتى تنال منه يد جراح عادل، ولك يا سيسي فيمن سبقك من المستبدين عبرة إن كنت لا تعتبر.
لا نعلم طريقا إلا تم سلوكه لوقف إجرام السيسي، الأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان، حكومات الدول المنافقة فكيف السبيل إلى ردع هذا الطاغية إن لم تتحرك دول وازنة ومؤثرة تمنع حبلا يكاد يلتف على أعناق أبرياء جرمهم الوحيد أنهم أرادوا وطنا حرا يعيش فيه الجميع بكرامة بعيدا عن الطغيان والاستبداد؟!
حينما يخشى نظام القهر والاستبداد من الإعلام الحر!