قالت
صحيفة "الغارديان" إن انتصار طالبان هو نتاج
فساد النخب والمحسوبية، خاصة
من قبل كبار العسكريين الأمريكيين والسياسيين الأفغان.
وأضافت
الصحيفة في مقال للمحقق زاك كوبلين، من مشروع مساءلة الحكومة، وهي منظمة غير ربحية
وغير حزبية مقرها واشنطن، أنه عندما اجتاحت طالبان العاصمة الأفغانية، كابول، فإنها لم تواجه
الجماعة المسلحة أي مقاومة تقريبا. فر الرئيس السابق، أشرف غني، إلى الإمارات، متهما
من قبل أحد سفرائه بسرقة 169 مليون دولار وهو في طريقه للخروج، واختفى الجيش الأفغاني
دون قتال. ألقى الرئيس جو بايدن باللوم على الشعب الأفغاني، فقال: "منحناهم كل
فرصة.. لم نتمكن من تزويدهم بالإرادة للقتال من أجل مستقبلهم".
لكن
لوم المواطنين الأفغان على انهيار بلادهم هو أمر خاطئ وغير أخلاقي. إن انتصار طالبان
هو نتاج فساد النخب والمحسوبية، خاصة كبار العسكريين الأمريكيين والسياسيين الأفغان،
كما يؤكد كوبلين.
ويضيف:
"لطالما كان الفساد في أفغانستان سرا مكشوفا بين المراقبين الدوليين ومواطنيها. في عام
2020، صنفت منظمة الشفافية الدولية أفغانستان من بين أكثر 20 دولة فسادا في العالم.
كانت التقارير عن تدفق أموال الحكومة الأمريكية إلى جيوب أمراء الحرب والعصابات الإجرامية
شائعة، بينما شوهت المحسوبية ثقة الجمهور في الإدارات المتعاقبة. إذا رفض الشعب الأفغاني
وجيشه القتال من أجل الدولة، فقد كان ذلك جزئيا لأنهم لا يؤمنون بها".
كان
أحد أسباب انهيار الجيش الأفغاني بهذه السرعة هو أنه، جزئيا، لم يكن موجودا في الواقع.
في تموز/ يوليو، ادعى الرئيس بايدن أن الجيش الأفغاني لديه 300 ألف جندي، لكن البنتاغون
كان يعلم أن هذه الأعداد مبالغ فيها. كان القادة العسكريون الأفغان يجنون أموالا إضافية
مخصصة للجنود الأشباح. قال جون سوبكو، المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان،
في خطاب ألقاه عام 2017: "قد يصل عدد الأفراد الأشباح إلى عشرات الآلاف".
قدر تقرير ويست بوينت، الذي صدر في كانون الثاني/ يناير، أن الحكومة الأفغانية لديها
قوة قتالية حقيقية تبلغ 96 ألفا فقط. وبحلول الوقت الذي سقطت فيه كابول، ورد أن هؤلاء
الجنود لم يعودوا يتلقون رواتبهم أو حتى طعامهم.
لم يكن
الجيش الأفغاني موجودا إلى حد كبير على الورق فحسب، ولكن من خلال المتعاقدين العسكريين
الأمريكيين، وكان البنتاغون يمول طالبان عن غير قصد.
استشهد
تقرير صدر عام 2009 في صحيفة "ذي نيشن" بأقوال مسؤولين عسكريين أمريكيين
قدروا أن ما بين 10% و20% من أموال عقود البنتاغون اللوجستية في أفغانستان، تقدر بمئات
الملايين من الدولارات، ذهبت إلى طالبان. وذكرت صحيفة "نيشن" أن "جهاز
المخابرات الأفغاني، المديرية الوطنية للأمن، نبه الجيش الأمريكي إلى المشكلة".
لكن بعد مرور 10 سنوات، زُعم أن المدفوعات كانت لا تزال جارية.
في عام
2019، رفعت مجموعة من العائلات التي فقدت أقارب لطالبان دعوى قضائية ضد مجموعة مختلفة
من المتعاقدين العسكريين بدعوى سداد أموال لطالبان (لا تزال القضية جارية).
هناك
تيار آخر من تمويل طالبان، سهّله البنتاغون والنخب الأفغانية، وهو استغلال الثروة المعدنية
لأفغانستان.
ففي
نيسان/ أبريل، شاركت في تحقيق لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) خلص إلى تورط الرئيس الأفغاني
وعائلته في فساد التعدين، جنبا إلى جنب مع المتعاقدين العسكريين الأمريكيين ذوي العلاقات
الجيدة.
هناك
ما يقدر بنحو تريليون دولار من المعادن مدفونة تحت الأرض في أفغانستان. وقبل استيلاء
طالبان على السلطة، كان القانون الأفغاني يحظر على الشركات شراء المعادن من مناجم صغيرة
غير مسجلة. أحد أسباب ذلك هو أن العديد من هذه المناجم كانت تحت سيطرة طالبان أو جماعات
إرهابية أخرى أو أمراء الحرب المحليين. والشراء من هذه المناجم يعني تمويل العدو. لكن
تقريرنا وجد أن هناك شركة واحدة تمكنت من الحصول على استثناء من هذه القاعدة، على ما
يبدو بموافقة مكتب الرئيس غني.
فقد
وقع مكتبه على حقوق خارجة عن القانون للفرع الأفغاني لمقاول عسكري أمريكي هي شركة (SOS
International (SOSi للحصول على الكروميت، وهو مكون قيم من الفولاذ المقاوم للصدأ، من
مناجم غير مرخصة في ست مقاطعات أفغانية. وقامت الشركة ببناء مصنع خارج كابول وخططت لطحن
وتصدير الكروميت.
ترتبط
شركة "SOSi"
ارتباطا وثيقا بالجيش الأمريكي وأجهزة المخابرات. وجندت الشركة بكثافة من مكتب المدير
السابق لوكالة المخابرات المركزية والقائد الأمريكي الأعلى في أفغانستان، الجنرال ديفيد
بتريوس، لتأمين ثقل سياسي كبير في هذه العملية.
قال لنا مسؤول أفغاني رفيع المستوى: "إنه سر
مكشوف أن شركة ’SOSi‘ هي في الأساس واجهة (لوزارة الدفاع الأمريكية)".
لكن
كان لدى "SOSi"
صلة أكثر أهمية. كشف تحقيق "OCCRP" أن شقيق الرئيس، حشمت غني، يمتلك 20% من
شركة "SOSi"
الفرعية، وفقا لوثائق سرية تم تسريبها من ملاذ إماراتي سري.
بخلاف
أي أموال تعدين تتدفق إلى طالبان، تعكس هذه الصفقة الأسباب الأوسع لانهيار أفغانستان.
أفرغ الفساد مؤسسات الدولة وترك المواطنين الأفغان غير مستعدين للقتال من أجل حكومة
أساءت إلى شعبها من خلال السرقة والابتزاز والمحسوبية بدلا من العنف والقمع الصريحين.
لكن
صفقة "SOSi" لا تشير فقط إلى أعلى مستويات الحكومة في البلاد، بل تورط فيها أيضا
أمريكيون متنفذون وشركات أمريكية أيضا.
وكانت
الدولة والجيش الأفغاني في جزء كبير منه واجهة بقيت متماسكة فقط من خلال الاحتلال الأمريكي،
وليس من المستغرب أن الأفغان لم يعودوا مستعدين للقتال والموت من أجل ذلك. لكن فشلها
ليس عليهم. سقطت أفغانستان لأنه بعد نهب كل ما في استطاعتها من البلاد، فقد استسلمت النخب
الأمريكية والأفغانية وهربت، تاركة وراءها الشعب الأفغاني. من سيقاتل من أجل نظام معطل؟