في ضوء انسحاب الدولة
المصرية عن تقديم خدمات النقل والمواصلات الداخلية في المدن المصرية، تنفيذا للاتفاق مع صندوق النقد الدولي عام 1991 بخفض أعداد الجهاز الحكومي، ومعاناة المناطق الريفية والعشوائية من صعوبات انتقال الأفراد بها، ظهرت عربات
التوكتوك ذات الثلاث عجلات والتي تحمل شخصين بخلاف السائق، والمنتشرة بالدول الآسيوية والدول النامية كثيفة السكان، كحل ذاتي لمشكلة مزمنة وبديلا لعربات الحنطور التي يجرها حصان ارتفعت تكاليف إطعامه مع غلاء الأعلاف، أو الدراجات النارية التي تحمل راكبا واحدا وتتعرض للعوامل الجوية من حر أو برودة.
كما يتناسب حجم عربات التوكتوك الصغير مع ضيق الشوارع والأزقة بالريف والمناطق العشوائية، والتي لا تستطيع سيارات الميكروباص دخولها، إضافة لتوقف الأوتوبيسات عند الطرق الرئيسية، مما يتطلب وسيلة
مواصلات أخرى للوصول إلى المنازل.
وكانت البداية من خلال استيراد عربات توكتوك من الهند لمدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية الواقعة شمال البلاد، عام 1996، كوسيلة للنقل الداخلي بديلا عن الحنطور، ومع نجاحها في المهمة انتشرت تلك العربات في باقي مدن المحافظة وقراها، لتتحول السنبلاوين إلى مركز لتجارة عربات التوكتوك، وصيانها من خلال الورش الفنية المتخصصة، كما قام بعض الفنيين بصناعة بعض قطع غيارها محليا.
انتشار عربات التوكتوك فرص عمل لمئات الآلاف من الشباب، الذين يحصلون على دخول جيدة منها يعاونون بها أسرهم البسيطة، مما ساهم نشاط من الحركة التجارية في تلك المناطق
وسرعان ما انتشرت تلك العربات في باقي محافظات الوجه البحري ثم إلى الوجه القبلى، حيث تشتد الحاجة إليها لغياب البديل لها كوسيلة نقل آدمية، حيث كان على السيدة المريضة في القرى والتي تحتاج للانتقال إلى مستشفى المدينة؛ ركوب دراجة نارية مما يعرضها للخطر، بينما توفر عربة التوكتوك لها وسيلة أكثر آدمية، تستوعب مرافقا معها لاصطحابها إلى المستشفى.
وعلى الجانب الآخر وفر انتشار عربات التوكتوك فرص عمل لمئات الآلاف من
الشباب، الذين يحصلون على دخول جيدة منها يعاونون بها أسرهم البسيطة، مما ساهم نشاط من الحركة التجارية في تلك المناطق، ما دفع الكثير من الأمهات لبيع ما لديهن من ذهب لشراء عربة توكتوك لابنها للعمل عليها، ومن خلال الربح تشترى عربة أخرى بالتقسيط لابن آخر لها.
ولم تقتصر الإفادة على السائقين للعربات، بل تخطتها إلى الفنيين المتخصصين في إصلاح العربات والتجار البائعين لها.
حل أهلي لمشكلة المواصلات بالريف
وهكذا حلت عربات التوكتوك مشكلة غياب وسائل المواصلات في المناطق الريفية والعشوائية، ووفرت فرص عمل دون أن تكلف الدولة شيئا. وكان المتصور أن تقوم الدولة بتنظيم عربات التوكتوك كما فعلت الهند والبرازيل وتايلاند وجنوب أفريقيا، حتى لا تعوق حركة المرور ولمنع صغار السن من قيادتها، وللاستفادة من الرسوم التي ستقررها نظير ترخيصها، بعد استفادتها من الرسوم الجمركية خلال عملية استيرادها خاصة من الهند.
ورغم أن مطلب تنظيم التوكتوك أصبح مطلبا شعبيا في ضوء انتشارها المتسع حتى تخطى عددها المليوني عربة حينذاك، تعمل بعضها لثلاث ورديات مما يعني تشغيلها لعدد كبير من الشباب، لكن الدولة تباطأت في الاستجابة لمطلب الترخيص بحجة أنها وسيلة مواصلات غير آمنة يمكن أن تنقلب عند أي اصطدام بها.
رغم أن مطلب تنظيم التوكتوك أصبح مطلبا شعبيا في ضوء انتشارها المتسع حتى تخطى عددها المليوني عربة حينذاك، تعمل بعضها لثلاث ورديات مما يعني تشغيلها لعدد كبير من الشباب، لكن الدولة تباطأت في الاستجابة لمطلب الترخيص بحجة أنها وسيلة مواصلات غير آمنة
واستثمر الرئيس مبارك الموقف فوعد في برنامجه الانتخابي للرئاسة عام 2005 بترخيص عربات التوكتوك، لكنه أبطا في التنفيذ حتى تم تعديل قانون المرور عام 2008 ليسمح بترخيص عربات التوكتوك بعد 12 عاما من دخولها البلاد، خلال فترة وزارة الدكتور أحمد نظيف الذي سعى مع وزير الداخلية صاحب النفوذ حبيب العادلي حتى تم التعديل.
لكن إجراءات الترخيص رغم إجراء تعديل آخر بقانون المرور عام 2014 كانت معقدة، وتتطلب حضور أصحاب العربات من الأقاليم إلى مقر مركزي بمدينة الجيزة للحصول على اعتماد لفاتورة الشراء، وهو ما يستغرق ثلاثة أيام إضافة إلى رسوم أخرى محلية، وكأن الدولة تعاقب الشخص الملتزم، الأمر الذي قلل من عدد حالات الترخيص.
وفي ضوء حدوث بعض حالات إطلاق النيران على رجال أمن في بدايات عام 2014، قررت الدولة من خلال وزارة الصناعة والتجارة منع استيراد الموتوسيكلات وعربات التوكتوك في شباط/ فبراير 2014، سواء للاتجار أو للاستخدام الخاص أو للاستعمال الشخصي لمدة عام، ووقف استيراد مكونات إنتاج تلك المركبات لمدة ثلاثة أشهر.
وما زال حظر استيراد التوكتوك قائما حتى الآن، بينما تم السماح بنفس العام باستيراد مكونات إنتاجه، وهو ما شجع عدة شركات أبرزها غبور على التصنيع المحلي لعربات التوكتوك، بالتعاون مع شركات عالمية متخصصة، مع إيجاد نسبة مكون محلي به واستمرار استيراد المحرك.
ما زال حظر استيراد التوكتوك قائما حتى الآن، بينما تم السماح بنفس العام باستيراد مكونات إنتاجه، وهو ما شجع عدة شركات أبرزها غبور على التصنيع المحلي لعربات التوكتوك، بالتعاون مع شركات عالمية متخصصة، مع إيجاد نسبة مكون محلي به واستمرار استيراد المحرك
حصر العربات بالمحافظات لم يتم
وفي أيار/ مايو 2017 أعلن قطاع المرور بوزارة الداخلية الترخيص لجميع مركبات التوكتوك بجميع المحافظات عدا مدينة القاهرة، وجعل قيمة الترخيص 200 جنيه وهي نفس قيمة ترخيص الدراجات الناري، وأن الذي لا يقوم بالترخيص خلال المهلة التي تحددها كل محافظة ستتم مصادرة عربته، لكن باقي اشتراطات الترخيص والمغالاة في قيمة المخالفات زادت من تكلفة الترخيص، بالإضافة إلى المعاملة السيئة من قبل رجال المرور مما قلل من التراخيص.
وفي أيلول/ سبتمبر 2018 تبنت وزارة التنمية المحلية تذليل معوقات ترخيص التوكتوك، لكنها حددت خطوط سيرها على المناطق غير المخططة وبين القرى فقط، وحظر سيرها بالطرق الرئيسية والسريعة بين المدن، وخاطبت الوزارة المحافظين للقيام بحصر عربات التوكتوك بكل محافظة والقيام بترخيصها، وتحديد خطوط سيرها خلال مهلة مدتها ستة أشهر.
وبالفعل انتهزت مصلحة الضرائب الفرصة لتعلن عن أسس المحاسبة الضريبية لمركبات التوكتوك، والتي تختلف حسب سنة صنع المركبة وحسب أيام العمل الفعلية خلال العام وحسب نسبة صافي الربح للعربة.
لكن الأمور سارت بعدها عكس ذلك، حيث قررت هيئة التنمية الصناعية في نيسان/ أبريل 2019 وقف منح تراخيص مصانع تجميع وتصنيع التوكتوك، كما قرر مجلس الوزراء في أيلول/ سبتمبر من نفس العام استبدال وإحلال عربات التوكتوك بسيارات آمنة، مثل "الميني فان" التي تعمل بالغاز الطبيعي.
وتولت وزارة التنمية المحلية الملف والتي أعلنت أنه سيتم دفع فرق السعر ما بين الميني فان والتوكتوك من خلال قروض ميسرة، لكن شيئا من ذلك لم يحدث على الصعيد العملي حتى الآن.
وتزامن ذلك وقتها مع حملة مرورية لمنع سير العربات بالمدن والشوارع الرئيسية، كما قامت مدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة بمنع سير عربات التوكتوك وإحلال سيارات الميني فان محلها، لكن التحول إلى شراء سيارة مينى فان بدلا من التوكتوك لم يكن متاحا للغالبية، حيث يصل ثمن أقل سيارة منها إلى 140 ألف جنيه بينما سعر التوكتوك حوالي 45 ألف جنيه، كما غالب سيارات الميني فان الموجودة ليست مجهزة للعمل بالغاز الطبيعي.
عدد العربات غير معروف
وفي حزيران/ يونيو من العام الحالي أعلن رئيس مجلس الوزراء عن تكليف وزارة التنمية المحلية بتيسير إجراءات ترخيص سيارات الميني فان، لتحل محل عربات التوكتوك ودخول عربات التوكتوك المستبدلة بالمينى فان ضمن مبادرة إحلال السيارات للعمل بالغاز الطبيعي، لكنه حتى الآن لم يتم فتح باب التسجيل لتنفيذ ذلك، كما لم تعلن أي جهة حكومية عن خطوات تنفيذية، مثلما حدث مع برنامج السيارات الملاكي القديمة بسيارات جديدة تعمل بالغاز الطبيعي.
حتى الآن لم يتم فتح باب التسجيل لتنفيذ ذلك، كما لم تعلن أي جهة حكومية عن خطوات تنفيذية، مثلما حدث مع برنامج السيارات الملاكي القديمة بسيارات جديدة تعمل بالغاز الطبيعي
ولا توجد جهة رسمية لديها حصر بعدد عربات التوكتوك العاملة بمصر، حيث أن عدد العربات المرخصة حتى نهاية عام 2019 كآخر بيانات مُعلنة 227 ألف عربة، وتشير تقديرات غير رسمية إلى زيادة العدد عن ثلاثة ملايين عربة، وترفعها تقديرات أخرى إلى أربعة ملايين، كما صرح أكثر من مسؤل أمني وحكومي أن العدد المُرخص يعادل حوالي نسبة 10 في المائة من العدد الموجود بالفعل، وبما يشير إلى الأهمية المجتمعية لترخيصه بعد أن أصبحت العربات الوسيلة الرئيسية للانتقال سواء للموظفين والعمال والطلاب، كما أنه من الاستحالة الاستغناء عنه لعدم وجود بديل في مناطق انتشاره، وحتى لو نجح برنامج إحلال العربات بسيارات "ميني فان" فإن الأمر سيستغرق فترة لا تقل عن عشر سنوات.
وهكذا ما زال تيسير إجراءات ترخيص عربات التوكتوك متعسرا، لتستمر حالة عدم الاستقرار والكر والفر بين السائقين ورجال الشرطة، مع استمرار حملة إعلامية للتهام التوكتوك بالإسهام في انتشار الجريمة، مستندين إلى بعض الجرائم التي تقع من قبل السائقين مثل تعاطي المخدرات وخطف حقائب فتيات والاغتصاب والتحرش، متناسين أن عدد السائقين يزيد عن أربعة ملايين شخص، ومن الطبيعي أن تكون هناك نسبة للجريمة بين هذا العدد الكبير، خاصة مع صغر سن العديد من السائقين، وأن الحل لا يكون بالمنع للجميع، ولكن بعقاب المخطئين، وهو ما يسهله ترخيص العربات وتسهيل معرفة العربات المخالفة من بلاغات المجني عليهم.
كما تقع العديد من حوادث قتل سائقي العربات للاستيلاء على حصيلة الإيرادات والاستيلاء على العربات لبيعها، مع الصعوبات التي تجدها الشرطة للعثور على الجناة، ولو كانت تلك العربات مرتبطة بمنظومة الجي بى إس لسهلت مهمة تتبع العربات المُستولى عليها. ولم نسمع في مرة أنه تمت أية مساعدة حكومية لأسر السائقين المقتولين، والتي خسرت ابنها ومصدر دخل رئيس لها، قد يكون المصدر الوحيد لدخلها.
twitter.com/mamdouh_alwaly