تظل الحيرة تتملك المواطن العربي حول عدم انعكاس
الثروات العربية على المستوى المعيشي للغالبية من المواطنين، فكيف لمنطقة تمتلك أكثر من 28 في المائة من إنتاج النفط الخام في العالم، و15 في المائة من إنتاج الغاز الطبيعي، وترفع شعارات التنمية وتنويع مصادر الدخل منذ سنوات طويلة، وتزخر بالخطط الاقتصادية الخمسية والسنوية، ورغم ذلك ترتفع بها نسب الفقر والأمية والبطالة؟
ولماذا لم تنعكس إيرادات التصدير التي تخطت تريليون دولار عام 2019، واحتياطيات النقد الأجنبي التي تخطت هي الأخرى تريليون دولار، على نسب الاكتفاء الذاتي من الغذاء والمصنوعات، في ظل العجز الضخم في موازين التجارة الخارجية غير النفطية بكل البلدان العربية؟
أسباب عديدة لتلك المشكلة المزمنة نذكر منها الهيمنة الغربية، التي تضع سقفا للطموحات العربية بل ولكل البلدان الإسلامية وبلدان العالم الثالث، فهناك مهام أساسية لتلك البلدان خاصة التي تزخر بموارد طبيعية، أولها شراء السلع التي تنتجها الدول الكبرى، وكذلك السلاح الذي تنتجه تلك الدول.
أسباب عديدة لتلك المشكلة المزمنة نذكر منها الهيمنة الغربية، التي تضع سقفا للطموحات العربية بل ولكل البلدان الإسلامية وبلدان العالم الثالث، فهناك مهام أساسية لتلك البلدان خاصة التي تزخر بموارد طبيعية، أولها شراء السلع التي تنتجها الدول الكبرى، وكذلك السلاح الذي تنتجه تلك الدول
فإذا تبقى لديها فائض نقدي فعليها أن يكون غالب هذا الاحتياطي بالدولار الأمريكي، مثلما عليها أن تبيع بترولها بالدولار، وهي لا تنسى أن من أسباب إبعاد صدام حسن أنه أراد بيع بترول بلاده باليورو، وعليها أن تودع جانبا من هذا الاحتياطي في بنوك الدول الكبرى، أو تشتري به أدوات الدين لتلك الدول الكبرى لتسد عجز موازناتها.
ومن هنا فإن من أهم شروط احتفاظ الحاكم بمنصبه أن ينفذ تلك الروشتة، فلا يهتم بعملية التنمية والتصنيع والاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية، وإنما يتجه بتلك الموارد إلى مشروعات غير أساسية، تزيد من حجم الاستيراد الخارجي ولا تقلله.
التوريط في حروب بالوكالة
والنتيجة السماح للقذافي بإهدار موارد ليبيا على مغامراته وزعامته بدول أفريقيا، مثلما فعل الرئيس عبد الناصر بالموارد المصرية خلال فترة حكمه، ولتهتم الإمارات العربية ببناء برج خليفه لتتباهى بوجود برج من أعلى الأبراج في العالم، إلى جانب هدم العمارات الشاهقة الجديدة وبناء العديد من الأبراج السكنية والإدارية الأخرى بدلا منها، رغم اتساع النطاق الصحراوي في البلاد.. ولتقوم السعودية بإنشاء جسر بري يصل للبحرين؛ يسهل رحلة الشباب السعودي بشكل أسبوعي إلى فنادق البحرين.. ولتهتم مصر بإنشاء عاصمة إدارية جديدة فيها أطول برج في أفريقيا وأكبر مسجد وأكبر كاتدرائية وأطول صاري علم، وإنشاء العديد من الكباري في غالب التقاطعات في شوارع القاهرة المؤدية إلى العاصمة الإدارية الجديدة.. ولتهتم قطر بإنشاء أكبر الملاعب لبطولة كأس العالم لكرة القدم.
من أهم شروط احتفاظ الحاكم بمنصبه أن ينفذ تلك الروشتة، فلا يهتم بعملية التنمية والتصنيع والاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية، وإنما يتجه بتلك الموارد إلى مشروعات غير أساسية، تزيد من حجم الاستيراد الخارجي ولا تقلله
أما توجيه الموارد للتنمية مثلما فعل صدام حسين فسيكون ذلك سببا في إقصائه بل وإعدامه، وتدمير كل تلك المنشآت الصناعية، لتظل البلاد لسنوات طويلة تعاني من نقص الكهرباء رغم ثروتها النفطية، ولتتجه تلك الطاقة الكهربائية للاستخدام المنزلي والتجاري على حساب الاستخدامات الصناعية، لتظل البلاد مستوردة لغالبية احتياجاتها السلعية المصنوعة.
وتتعدد أساليب الدول الكبرى لاستنزاف ثروات دول المنطقة، ومن ذلك توريطها في حروب بالوكالة، لتغرق - مثلا - السعودية في حرب اليمن لسنوات، وهو ما يعني المزيد من مشتريات السلاح، وتخويف دول الخليج من العدو الإيراني لدفعها لشراء المزيد من السلاح مثلما تفعل الإمارات والسعودية وغيرهما، وهو ما يتكرر في مناطق أخرى مثل افتعال مناوشات بين المغرب والجزائر.
استمرار إشعال الصراعات الداخلية
وها هو السودان الذي يعد سلة غذاء العرب بما لديه من أراض خصبة وموارد مائية؛ تم شغله بحرب الجنوب لسنوات، وبعد انفصال الجنوب تم نقل الصراع إلى مناطق داخلية أخرى مثل دارفور، والنتيجة استيراد السودان للقمح ومحاصيل أخرى منذ سنوات.
وهو ما تكرر مع الصومال لمنع الاستفادة من مواردها الزراعية والحيوانية الكبيرة، وكانت سوريا من البلدان العربية القليلة التي تكتفي ذاتيا من الغذاء، لكن شغلها بالحرب الأهلية أنهى ذلك الاكتفاء.
فإذا اتجهت بعض تلك الدول إلى التصنيع فعليها استيراد المصانع من تلك الدول الكبرى بنظام تسليم المفتاح، بحيث تظل بحاجة إلى قطع الغيار والخبراء الأجانب دائما، ولتكن تلك الصناعات معتمدة على مواد خام من الخارج ومحدودة المكون التكنولوجي، مثل صناعة الملابس الجاهرة والسجاد ونحو ذلك، وتصنيع المنتجات التي تتسبب في كم كبير من تلوث البيئة مثل الأسمنت والتي قل تواجدها في الدول الكبرى.
فإذا اتجهت لصناعة الدواء مثلا، فعليها أن تعتمد على الخامات الدوائية المستوردة، والاقتصار على تجميع الأجهزة المنزلية التي يتم استيراد مكوناتها ويتكرر ذلك بوسائل النقل، مع انتقال الدول الكبرى للتخصص في تصنيع الأجهزة عالية التكنولوجيا.
تكوين جيل جديد من خلال المدارس والجامعات الأجنبية بالداخل والخارج، والتمويل للمنظمات الأهلية، يحمل نفس الأفكار لإكمال المسار المطلوب أن تسير تلك البلدان عليه، وتسهيل إدماج إسرائيل بالمنطقة اقتصاديا وثقافيا وسياحيا بين هذا الجيل
وإلى جانب وسائل الحفاظ على استمرار الحكام الذين ينفذون روشتة تبديد الموارد، والتغاضي عن ممارساتهم
الاستبدادية الفجة، وشغل البلدان بالصراعات الخارجية والداخلية، يتم استقطاب أنصار للفكر الغربي من العاملين في الجامعات والإعلام والمناصب الوزارية والحكومية والأقطاب بالقطاع الخاص، للترويج للفكر الغربي والتصدي لأي توجه للتنمية الذاتية وتحقيق الاستقلال الوطني في المجال الثقافي والاقتصادي والعسكري، والتدخل في اختيارات القيادات المحلية، وتصعيد الأنصار وإغراقهم في
الفساد المادي والأخلاقي، للسيطرة الدائمة عليهم، وحتى يقلل ذلك الفساد من ثمار الكثير من المشروعات الحكومية، حيث تتوزع الموازنات على عدد أقل من مشروعات الخدمات بسبب ارتفاع تكلفة الفساد، كما يقل عمرها الافتراضي، لتوجيه جانب من الاستثمارات لعمليات الإحلال والتجديد، والتي تحظى كذلك بقدر من الفساد يقلل من كفاءتها.
وكذلك تكوين جيل جديد من خلال المدارس والجامعات الأجنبية بالداخل والخارج، والتمويل للمنظمات الأهلية، يحمل نفس الأفكار لإكمال المسار المطلوب أن تسير تلك البلدان عليه، وتسهيل إدماج إسرائيل بالمنطقة اقتصاديا وثقافيا وسياحيا بين هذا الجيل، بحيث لا يحمل أية مشاعر عدائية تجاهها بل يساهم في زيادة الصلات بها، وإيجاد فجوة كبيرة في توزيع الدخل حتى تكون هناك طبقة غنية تستطيع شراء المنتجات الغربية باهظة الثمن، كالأجهزة المنزلية الفخمة والسيارات الفارهه بل والطائرات الخاصة، والذين يقضون إجازاتهم في تلك الدول ويشترون منتجاتها ويودعون أموالهم ويستثمرونها فيها.
twitter.com/mamdouh_alwaly