خلال فترة ركود
العقارات بمصر في التسعينيات من القرن الماضي، تعثرت الشركات العقارية في سداد ما عليها من أقساط قروض للمصارف، وعرضت وحدات سكنية على المصارف كبديل للنقد، مما أتاح للمصارف كمّا كبيرا من العقارات وجدت صعوبة في تصريفها، الأمر الذي دفع المصرف المركزي لخفض نسبة
التمويل العقاري في المصارف من مجمل قروضها.
وخروجا من ذلك المأزق نادى اقتصاديون بوجود شركات متخصصة للتمويل العقاري، في ظل استحواذ المصارف على الإقراض العقاري منذ تأسس المصرف العقاري
المصري عام 1880، إلى جانب حاجة العقار إلى تمويل طويل الأجل، بينما غالبية المصارف المصرية ذات طابع تجاري، تركز على التمويل قصير الأجل مما يزيد من الأعباء على الراغبين في شراء العقارات.
واستجابت الحكومة ليصدر قانون التمويل العقاري عام 2001، والذي أتاح للمرة الأولى إمكانية تأسيس شركات متخصصة للتمويل العقاري، تستطيع منح المقترض العقاري نسبة أعلى من قيمة العقار الذي سيشتريه، مقارنة بما يستطيع المصرف منحه له حسب تعليمات المصرف المركزي، كما نشأت هيئة عامة للإشراف على تلك الشركات.
تعددت المشاكل التي تسببت في ضعف الإقبال، وأبرزها سعر الفائدة المرتفع والذي لم يقل منذ عام 2012 وحتى الآن عن 12 في المائة، والذي يظهر أثره مع طول فترة القرض والتي قد تصل إلى 15 عاما. وكذلك مشاكل تسجيل العقارات، حيث أن حوالي 90 في المائة من العقارات بمصر غير مسجلة في الشهر العقاري،
وسمح المصرف المركزي للمصارف بإقراض تلك الشركات المتخصصة بالتمويل العقاري في العام التالي، قبل أن تظهر باكورة تلك الشركات في شباط/ فبراير 2004، وظل عدد الشركات يتزايد حتى وصل إلى 14 شركة، لكن بعض الشركات التي حصلت على تراخيص بالعمل، توقفت عن ممارسة النشاط لقلة إقبال الجمهور على الاقتراض منها.
90 في المائة من العقارات غير مسجلة
وتعددت المشاكل التي تسببت في ضعف الإقبال، وأبرزها سعر الفائدة المرتفع والذي لم يقل منذ عام 2012 وحتى الآن عن 12 في المائة، والذي يظهر أثره مع طول فترة القرض والتي قد تصل إلى 15 عاما. وكذلك مشاكل تسجيل العقارات، حيث أن حوالي 90 في المائة من العقارات بمصر غير مسجلة في الشهر العقاري، وعملية التسجيل تحتاج إلى إجراءات معقدة وطويلة.
أيضا صعوبة تحديد دخول العملاء خاصة من أصحاب المهن الحرة والعاملين خارج القطاع الحكومي، حيث يتم تحديد قيمة القسط الشهري بنسبة 40 في المائة من الدخل الشهري، مع منافسة بعض شركات التطوير العقاري لشركات التمويل العقاري، حين تقسط ثمن الوحدات
السكنية على فترات طويلة، مع سهولة إجراءاتها بالمقارنة بتعدد إجراءات شركات التمويل العقاري، التي تتطلب التأكد من الوضع القانوني للوحدة السكنية، وتسلسل الملكية والاستعلام عن العميل والتأكد أنه غير متعثر في تعاملاته المصرفية.
ولكن من أبرز المعوقات ضعف القدرة الشرائية لغالبية المصريين، وعدم القدرة على ادخار قيمة مقدم الوحدة السكنية والأقساط الشهرية أو الربع سنوية لها، والتي تزيد كثيرا عن مستويات الأجور الشهرية سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص، نتيجة الارتفاعات المتتالية في أسعار العقارات، والتي ترتبط بارتفاع أسعار مواد البناء والعمالة، ودخول العرب كمشترين وكذلك المصريين في الخارج بما لديهم من سيولة.
من أبرز المعوقات ضعف القدرة الشرائية لغالبية المصريين، وعدم القدرة على ادخار قيمة مقدم الوحدة السكنية والأقساط الشهرية أو الربع سنوية لها، والتي تزيد كثيرا عن مستويات الأجور الشهرية سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص، نتيجة الارتفاعات المتتالية في أسعار العقارات
وكانت النتيجة قلة عدد المتعاملين مع شركات التمويل العقاري، والذين بلغ عددهم ألف عميل في العام الثالث لظهور تلك الشركات، ليزيد العدد إلى حوالي سبعة آلاف عميل خلال العام السادس، ورغم الوصول إلى ثمانية آلف عميل خلال العام التاسع، إلا أن عدد العملاء اتجه للانخفاض إلى حوالي ألف عميل عام 2014، ودار العدد حول ثلاثة آلاف عميل لمدة ثلاث سنوات تالية، ثم زاد لعشرة آلاف عام 2018 ليعاود الانخفاض حتى بلغ حوالي أربعة آلاف عميل عام 2020.
70 في المائة من القروض بخمس شركات
وانعكس عدد العملاء على قيمة التمويل الممنوح من شركات التمويل العقاري، ليصل إلى 600 مليون جنيه في العام الخامس لظهور الشركات، وظل حول ذلك المستوى حتى عام 2014، ليبدأ تخطى حاجز المليار جنيه سنويا من عام 2017 حتى بلغ 3.4 مليار جنيه خلال عام 2020.
وفي الشهور العشرة الأولى من العام الماضي اقترب الرقم من ستة مليارات جنيه، وهكذا بلغت قيمة القروض الممنوحة منذ عام 2004 وحتى تشرين الأول/ أكتوبر الماضي 22.6 مليار جنيه خلال 17 عاما من عملها.
لكن قيمة القروض لا تتوزع على شركات التمويل العقاري بنفس القدر، حيث تستحوذ بعض الشركات على نصيب أكبر نسبيا، حيث استحوذت خمس شركات على 70 في المائة، من مجمل القروض في الشهور العشرة الأولى من العام الماضي كآخر بيانات معلنة.
ومع قلة العملاء اضطرت الشركات للاتفاق مع شركات التطوير العقاري لشراء محفظة قروضهم لدى عملائهم، وبلغ النصيب النسبي لشراء تلك المحافظ 43 في المائة من مجمل التمويل الممنوح عام 2020، بينما كان نصيب العملاء الذين ذهبوا للشركات 52 في المائة، وتتبقى نسبة خمسة في المائة لعملاء صندوق التمويل العقاري التابع لوزارة الإسكان.
رغم سماح القانون لشركات التمويل العقاري بتمويل النشاط السكني والتجاري والإداري والخدمي، إلا أن النشاط السكني يستحوذ على أكثر من 90 في المائة من القروض، كما يبدو تركز تعامل الشركات مع الشرائح الغنية
ويبدو أن سمة تركز النشاط مهيمنة على شركات التمويل العقاري، ففي مجال الانتشار الجغرافي في المحافظات، استحوذت محافظتا القاهرة والجيزة على نسبة 70 في المائة من عدد العملاء، وبإضافة ثلاث محافظات أخرى هي الإسكندرية ومرسى مطروح والبحر الأحمر، تصل النسبة إلى 82 في المائة من عدد العملاء، لتتبقى نسبة 18 في المائة لعدد 22 محافظة.
ورغم سماح القانون لشركات التمويل العقاري بتمويل النشاط السكني والتجاري والإداري والخدمي، إلا أن النشاط السكني يستحوذ على أكثر من 90 في المائة من القروض، كما يبدو تركز تعامل الشركات مع الشرائح الغنية، وهو ما يكشفه بلوغ متوسط قيمة القسط الشهري عام 2020 أكثر من 13 ألف جنيه، في مجتمع عجزت فيه آلاف الشركات في القطاع الخاص عن الالتزام بدفع 2400 جنيه شهريا كحد أدنى للأجور، وطالبت الحكومة باستثنائها من ذلك.
صيغ التمويل الإسلامي ليست العائق
وقد يذكر البعض من أسباب ضعف التعامل مع شركات التمويل العقاري، تحرّز البعض من حرمة الفوائد الربوية التي تتبعها الشركات، وعدم قناعتهم بما تعلنه الشركات من إقرار شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطناوى بأنها حلال، لكنه مع تعديل قانون التمويل العقاري عام 2014 تم السماح بالتمويل من خلال صيغ تمويل إسلامية هي الإجارة والمرابحة والمشاركة.
الصيغ لم تساهم بفاعلية في تنشيط التعامل بشركات التمويل العقاري، خاصة وأن إحداها تتبع أسلوب التمويل الإسلامي منذ بداية نشاطها، وبما يؤكد أن ضعف الدخول هو العامل الحاسم لقلة الإقبال على التمويل العقاري
لكن تلك الصيغ لم تساهم بفاعلية في تنشيط التعامل بشركات التمويل العقاري، خاصة وأن إحداها تتبع أسلوب التمويل الإسلامي منذ بداية نشاطها، وبما يؤكد أن ضعف الدخول هو العامل الحاسم لقلة الإقبال على التمويل العقاري.
ووصل مجمل عدد المتعاملين منذ عام 2004 وحتى تشرين الأول/ أكتوبر الماضي 72 ألف عميل خلال 17 عاما، في مجتمع يصل فيه العدد السنوى لعقود الزواج لحوالي مليون عقد بخلاف حالات الطلاق، رغم وجود مئات الآلاف من الوحدات السكنية المغلقة والتي يسعى أصحابها لبيعها، وعلى الجانب الآخر وجود مئات الآلاف من الشباب الراغبين في الزواج ويحتاجون إلى السكن، وهو ما تصور الاقتصاديون أن وجود شركات التمويل العقاري سيجمع بينهما، ويحل تلك الفجوة المزمنة.
لكن العجز عن دفع مقدمات ثمن
الشقق والتي لا تقل عن 20 في المائة من قيمتها، ثم العجز عن دفع قيمة القسط الشهري المرتفع والذي يفوق دخلهم الشهري غالبا، ظل حاجزا لديهم يمنعهم من التعامل مع شركات التمويل العقاري.
twitter.com/mamdouh_alwaly