الكتاب: "المصحف وقراءاته، تحت إشراف عبد المجيد الشرفي: قراءة نقديّة"
المؤلف: محمّد الأمين عوني
الناشر: دار الماوردي للنشر والتوزيع
الطبعة الأولى: 2021
عدد الصفحات: 178
على أهميّة الاستئناس بالفلسفة البنيوية والمقولات اللسانية والتفكيكية والتاريخية ـ الاجتماعية، في تعميق قراءة النص القرآني، فإنّ معظم المباحث التاريخية، التي اشتغلت على ما أسمته بـ"مساعي تخليص الإسلام من مأزق الميتافيزيقا بقراءته وفهمه في سياق نشأته التاريخية ومن ثم التعامل معه على أساس كونه منتجا ثقافيّا اختصّ به زمن النزول"، ظلّت مشوبة بعيبين مركزيين على حدّ تأكيد أ.د إلياس قويسم، المتخصص في الدّراسات القرآنيّة: العيب الأوّل هو التناقض بشكل صارخ مع خصائص النّص القرآني وتصادمها مع المصدرية الإلهية الذي يشرّع لإطلاقيّة الأحكام. والعيب الثاني هو تعامل أصحاب هذه المدرسة مع الأدوات والمناهج وكأنّها حقائق ثابتة وليس كنظريّات لم تستقر".
العيبان المذكوران جعلا المباحث التاريخية، على وجه الخصوص كتابات محمد أركون ونصر حامد أبو زيد والطيب تيزيني وحسن حنفي ومحمد شحرور وعبد المجيد الشرفي خصوصا مشروعه الأخير "المصحف وقراءاته"، تنساب من دعوات تنسيب دلالات الفهم ونزعة القداسة عن النّص القرآني، نحو مربّع قداسة جديدة ألا وهي قداسة المناهج بدل النّص. وبدل تركيز النقد على أدوات الفهم وتطويرها فإنّها غرقت في تعييب النص. "خطاب يناهض الأصولية ولكنّه يقف على أرضها، نظرا لبعده عن الروح العلمية وتوظيفه البعد الإيديولوجي الموجّه للأدوات"، يؤكّد أ.د. إلياس قويسم.
كشف إجرائي للإخلالات المنهجية لفريق عبد المجيد الشرفي
ضمن هذا الإطار يتنزّل كتاب "المصحف وقراءاته، تحت إشراف عبد المجيد الشرفي: قراءة نقديّة"، للكاتب محمّد الأمين عوني، الباحث في قسم ماجيستير القراءات بالمعهد العالي للحضارة الإسلاميّة بجامعة الزيتونة التونسية، والذي يأتي استكمالا لمنجز سابق قام به الكاتب والباحث محمد شندول من نفس معهد الحضارة، من خلال تناوله للمرجعيّات النظرية الموجّهة لفريق عبد المجيد الشرفي تحت مظلّة مؤسسة "مؤمنون بلا حدود". ويمثّل الكتاب الذي بين أيدينا "كشفا إجرائيّا للخلل المنهجي الذي وقع فيه الفريق نتيجة فقدانهم لملكات التعامل مع فنّ قمين بالاهتمام وهو القراءات القرآنية ولا صلة له بالقراءات بالمفهوم الحداثي".
ونتيجة لهذا القصور المنهجي وضعف المهارات في مثل هذا المجال رصد محمد الأمين العوني ما يقرب عن 800 خلل وخطأ، حيث سعى إلى تبويبها وفق نوع الخطأ. ولم يتوقف عند حدود الرّصد والمتابعة بقدر ما سعى إلى تصحيح الأخطاء وتصويبها من خلال ذات المصادر. ويهدف الكتاب الذي بين أيدينا، كما يقدّمه مؤلفه، إلى الردّ العلمي حول الشبهات المثارة حول موضوع القراءات وإيضاح مدى نسبية القراءة "الحداثيّة" على التعامل مع التراث الإسلامي والحضارة الإسلاميّة.
بنية الكتاب
بني كتاب "المصحف وقراءاته، تحت إشراف عبد المجيد الشرفي: قراءة نقديّة"، للكاتب محمّد الأمين عوني، على مقدّمة وبحث تمهيدي وفصلين وخاتمة وملحقات ثمّ خُتم بذكر الفهارس. وقد بيّن خلال المقدّمة إشكالية البحث ودواعي اختياره ومنهج العمل فيه وأهم الصّعوبات المعترضة. وقد جعل المدخل التمهيدي للتعريف بمصطلحات كتاب "المصحف وقراءاته" والترجمة للمشرف العام على هذا المشروع أ.د عبد المجيد الشرفي.
أمّا الفصل الأوّل فتناول المنهج والمصادر المعتمدة لفريق الشرفي، وفيه مبحثان: خصّص الأوّل منهما لبيان منهج الفريق في الكتاب والثاني للمصادر المعتمدة في إيراد القراءات في هذا الكتاب. وأمّا الفصل الثاني فخُصّص لقراءة تشخيصيّة للمنجز ومتابعة الشبهات. وخُتم الكتاب بأهمّ النتائج التي اهتدى إليها المؤلف.
تعريف القراءات
عرفت القراءات القرآنية بتعاريف شتى لا يكاد يخلو تعريف من نقد أو تعقيب، ولعلّ أجمع هذه التعاريف ما ذكره القسطلاّني في "لطائف الإشارات"، حيث قال: "علم يعرف منه اتفاق الناقلين لكتاب الله عزّ وجلّ واختلافهم في اللغة والإعراب والحذف والإثبات والتحريك والإسكان والفصل والاتصال وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال من حيث السماع".
ومن قبله عرّفها ابن الجزري بقوله: "القراءات علم بكيفيّة أداء كلمات القرآن واختلافها معزوّا لناقلته"، وهذا هو الصّواب كما ذكر ذلك الدّكتور عبد الهادي الفضلي في كتابه "القراءات القرآنيّة تاريخ وتعريف" والدكتور فتحي العبيدي في كتابه "الجمع بالقراءاة المتواترة" بخلاف ما ذكر "بعزو الناقلة".
ويلاحظ الكاتب أنّ هذين التعريفين شملا علم القراءات لا القراءات نفسها. أمّا تعريف القسطلاّني فهو تعريف جيّد لم يغفل قضيّة اتفاق العلماء واختلافاتهم، ولم يغفل قضيّة السّماع والمشافهة لكنّه تعريف طويل بالمقارنة بتعريف ابن الجزري.
عرفت القراءات القرآنية بتعاريف شتى لا يكاد يخلو تعريف من نقد أو تعقيب، ولعلّ أجمع هذه التعاريف ما ذكره القسطلاّني في "لطائف الإشارات"، حيث قال: "علم يعرف منه اتفاق الناقلين لكتاب الله عزّ وجلّ واختلافهم في اللغة والإعراب والحذف والإثبات والتحريك والإسكان والفصل والاتصال وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال من حيث السماع".
وينتهي الكاتب محمد الأمين عوني، من خلال ما سبق، إلى أنّه يتبيّن أن أفضل هذه التعريفات من حيث الشمول والدقّة والاختصار هو تعريف ابن الجزري حيث إنّه جامع مانع فهو الذي تميل إليه النفس وتؤيده، وهو حاصل تعريف الدّكتور فتحي العبيدي حيث قال في مؤلفه "الجمع بالقراءات المتواترة": "وهو فنّ يعرف به كيفيّة النّطق بكلمات القرآن بواسطة التلقّي والمشافهة حسبما نقله القرّاء واتفقوا عليه أو اختلفوا فيه مع ردّ وجه لناقله".
وقد شكّل المصطلحان المتقدّم ذكرهما عنوانا وسِم أحد المصنّفات إلى القراءات الحداثية للنص القرآني وهو كتاب "المصحف وقراءاته" تحت إشراف أ.د عبد المجيد الشرفي.
كتاب "المصحف وقراءاته"
يتكون كتاب "المصحف وقراءاته" الصادر عن منشورات "مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث" من خمسة مجلّدات، المجلّد الأوّل خاص بالمقدّمة وهي في 199 صفحة، والمجلّد الثاني شمل الجزء الأوّل من متن العمل في 570 صفحة، والمجلّد الثالث في 538 صفحة، والمجلّد الرّابع في 531 صفحة، والمجلّد الخامس في 488 صفحة. وبحسب ما جاء في مقدّمة الكتاب، يقول عبد المجيد الشرفي إن "المصحف وقراءاته" يهدف إلى "وضع تصنيف في المصحف وقراءاته، جمعت مادّتها من المصادر المرئيّة المعتمدة في مثل هذه المباحث بنصّ الآيات وصفة الصّور والقراءات التي أثبتتها الأخبار ممّا عدّ مقبولا أو شاذّا أو غريبا".
باحثون اشتركوا في تأليف "المصحف وقراءاته"
أشرف الأستاذ عبد المجيد الشرفي على مشروع "المصحف وقراءاته" مع جملة من الباحثين معظمهم من تلاميذه. ومن أبرز تلاميذه: الأستاذ بسّام الجمل والأستاذ نادر الحمّامي والأستاذة نايلة السلّيني. بسّام الجمل هو المشرف على قسم الدراسات القرآنية في مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، ونشر العديد من الكتب منها: أسباب النزول، الإسلام السني، ليلة القدر في المتخيّل الإسلامي، مدخل إلى مقالات الإسلاميين في أفعال العباد إلى القرن السادس هجري. وأنجز العديد من الأبحاث في حقول الدّراسات الدّينيّة، منها: المقاربة الأنثروبولوجية للسيرة النبويّة، أهمّ مصادر الطبري بين الشفوي والمكتوب، رمزية اليد اليمنى في المتخيل الإسلامي.
الأستاذ الجامعي نادر الحمّامي ساهم في إصدار كتاب "المصحف وقراءاته" وأشرف على إصدار كتاب "الإيمان في الفلسفة والتصوّف الإسلاميين" ومن أبرز مؤلفاته "إسلام الفقهاء وصورة الصّحابي في كتب الحديث". أمّا الأستاذة الجامعيّة نادية السلّيني فهي من أبرز تلاميذ الشرفي، كانت لها مشاركة قويّة في مشروع "المصحف وقراءاته"، من أهمّ مؤلّفاتها: تاريخيّة التفسير القرآني والعلاقات الاجتماعيّة من خلال نماذج من كتب التفسير.
فريق عبد المجيد الشرفي لا يضمّ متخصصا واحدا في القراءات القرآنيّة
يرجع أ.د إلياس قويسم كثرة الأخطاء التي وقع فيها فريق أ.د عبد المجيد الشرفي، أستاذ الحضارة العربيّة بجامعة منوبة، إلى عدم المعرفة بالقراءات وأحكامها، التي تتطلّب إسنادا وتلقّيا وتعليما، فلا يكفي النقل المسطور، بل هناك الدّربة التي تكتسب بالملازمة والمداومة والدّربة، وهي مفقودة لدى الفريق، أمّا باقي الأخطاء والتي من بينها الخلط بين القراءات الشاذّة والصحيحة المتواترة وحشر القراءات الموضوعة التي لا أصل لها، بل تعدّى الأمر إلى النقل الخاطئ من المصادر وغير ذلك كثير، مما يعني أننا أمام محاولة تجميعيّة فاقدة للقيمة العلميّة نظرا إلى تسلل هذه الأخطاء والشبهات. ويستغرب قويسم من عدم وجود ولو متخصص واحد في القراءات ضمن هذا الفريق ويراه أمرا مسترابا ومدعاة إلى التفكير.
منهج بحث مفصول عن سياق الموضوعيّة والحياد
يخلص الكاتب محمد الأمين عوني من خلال دراسته لكتاب "المصحف وقراءاته" إلى نتائج واستنتاجات يلخصها فيما يلي:
ـ المنهج الحداثي العام في دراسة تاريخ القرآن وعلومه يكاد يكون لاعلميّا ومفصولا عن سياق الموضوعيّة والحياد المطلوبين في كلّ بحث.
ـ يتبيّن من خلال كتاب "المصحف وقراءاته" أنّ مناهج عبد المجيد الشرفي و"تلاميذه" في دراسة القرآن تتمثّل في: منهج التشكيك فيما هو قطعي: والمبالغة في إثارة الشكوك حول الوقائع التاريخية، والروايات الصحيحة، واعتمدوا في ذلك على عمليّة الانتقاء بطريقة هادفة إلى ما يصبون إليه من نتائج عكسية. ثمّ الانتقاء في استعمال المصادر وذلك من خلال اعتماد عدد معيّن ومحدود من مصنّفات علوم القرآن دون غيرها، وانتقاء الروايات الضعيفة والمنقطعة من مصادر علوم القرآن، وتوليد النصوص والشواهد بتصيّدها من كتب الأدب والتاريخ وغيرها، وإهمال المصادر القرآنيّة والاحتفاء بدراسات المستشرقين السالفة. كذلك كثرة الأخطاء العلميّة في كتاب "المصحف وقراءاته" وقد أحصاها محمّد الأمين عوني في أكثر من 300 موضع أغلبها في مجال القراءات، إمّا من حيث غرابة القراءات الموجودة (التي لا أصل لها)، أو ضبط القراءات على غير مراد المؤلِّف، وكذلك عدم الدقّة في نسبة القراءات لأصحابها، وكلّ ذلك راجع لضعف الباحث في علم القراءات. الاستنتاج الرابع الذي خلص إليه الكاتب يتمثل في كثرة القراءات الموضوعة والمكذوبة في كتاب "المصحف وقراءاته"، وسببها اعتماد الباحث على مصادر مشبوهة ككتاب "القراءات" للسيّاري ومصنّف المستشرق آرثر جيفري. هذا فضلا عن أن قراءة الشرفي وتلاميذه تقول ببشريّة الوحي والنصوص القرآنيّة ولا تؤمن بمصدريّتها الإلهيّة.
الديمقراطية قضية محورية في العالم العربي.. لماذا؟
رحلة ميشولام الفولتيري إلى فلسطين.. شهادات لها معنى
لماذا أحب المصريون "أحمد بن طولون"؟ كتاب يجيب