الكتاب: "رسالة القرن: أي مصير ينتظر القدس؟"
المؤلف: عامر طهبوب
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2019
في الخامس والعشرين من أيلول (سبتمبر) 1996 اندلعت في فلسطين هبة شعبية احتجاجا على حفر وافتتاح سلطات الاحتلال الإسرائيلية للنفق الغربي أسفل المسجد الأقصى، الذي بلغ طوله نحو 330 مترا سميت في ما بعد بـ"هبة النفق" أو "هبة الأقصى". يمر النفق أسفل عدد من المدارس الإسلامية الأثرية الواقعة في الرواق الغربي للمسجد الأقصى، كالمدرسة التنكزية والمدرسة الأشرفية والمدرسة البلدية والمدرسة الجوهرية والمدرسة المنجكية، كما أنه يمر أسفل باب السلسلة وباب السكينة، وأسفل باب المطهرة ورباط الكرد، وأسفل سبيل قايتباي الذي يقع إلى الشرق من الرواق الغربي.
وأدى حفر هذا النفق إلى ثقب عدد من آبار المياه أسفل الرواق الغربي للمسجد الأقصى، كما أنه أحدث تصدعات كبيرة في أبنية الرواق الغربي، حيث تفسخت جدران المدارس بعضها عن بعض، كما انهار درج دائرة الأوقاف الإسلامية، بالإضافة إلى انهيار في منطقة سبيل قايتباي، كما تخلخلت أساسات 16 معلما إسلاميا. هذا الكتاب هو تجميع لحوارات مع شخصيات سياسية وفكرية ودينية وإعلامية، فلسطينية وأردنية، أعقبت هذا الحدث، الذي كان بمثابة ناقوس أيقظ الكثير من الهواجس ولفت الانتباه من جديد للمخططات الإسرائيلية الدؤوبة لتهويد القدس، ودارت هذه الحوارات حول سؤال محوري هو"أي مصير ينتظر القدس؟". الكاتب والصحفي عامر طهبوب كان قد أجرى هذه الحوارات مع 49 شخصية، ونشرها في صحف عربية، ومؤخرا قام بجمع هذه الشهادات المتميزة بين دفتي كتابه هذا تحت عنوان "رسالة القرن.. أي مصير ينتظر القدس؟".
يقول طهبوب إنه في ذلك الوقت من عام 1996 استشعر "الخطر الذي بدأت شراسته تظهر جليا للعيان بشأن القدس ومستقبلها أكثر من أي وقت مضى" فكان ذلك حافزه لإجراء تلك الحوارات.
مستقبل المدينة تفاوضيا وسياسيا يتصل بالاستعدادات التفاوضية العربية والإسلامية والفلسطينية للضغط على إسرائيل وإجبارها على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، والتوصل إلى تسوية دائمة لن تكون أبعد من عودة المدينة إلى السيادة الفلسطينية العربية
وفي عام 2017 عندما ظهر الرئيس الرئيس الأميركي دونالد ترامب على شاشات التلفزيون ليوقع قرار الكونغرس بإعلان القدس عاصمة أبدية وموحدة لدولة إسرائيل، وما تلى ذلك من حديث حول صفقة القرن، عاد من جديد لقراءة تلك الحوارات وقرر جمعها وإصدارها في كتاب.
وضع طهبوب مقدمة طويلة لكتابه استعرض فيها أبرز جوانب الصراع على القدس وعلى فلسطين كلها، وأهم الاستراتيجيات التي تتبعها إسرائيل لتهويد القدس، متوقفا عند أبرز محطات هذا الصراع بكثير من النقد لجملة من القرارات التاريخية التي أقدمت عليها القيادة الفلسطينية، وأبرزها اتفاقيات أوسلو، والتي تؤشر، كما يقول، إلى غياب استراتيجية نضالية واضحة، والدور الضعيف والمتردد، بشكل عام، الذي لعبته الدول العربية والإسلامية على مدى عقود في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية، مؤكدا في الوقت نفسه على أن الشعب الفلسطيني لم يفقد بوصلته النضالية بعد بدليل استمراره في تقديم الشهداء يوما بعد يوم، واستعداده الدائم للتصدي والصمود أمام مخططات الاحتلال سواء في القدس أو في غيرها من المدن الفلسطينية.
تفريغ واستيطان
يضم الكتاب شهادات لأشخاص رحلوا عن عالمنا وآخرون ما زالوا بيننا، ومن هؤلاء الشيخ عكرمة صبري، وحنان عشراوي، وعبدالسلام المجالي، وطلب الصانع، الشيخ رائد صلاح، وليلى خالد، وتوجان فيصل، ومحمود الزهار، ولبيب قمحاوي، وعدنان أبوعودة، وحيدر عبدالشافي، وناصر الدين النشاشيبي، وعلي محافظة، ورائف نجم، وناصر الدين الأسد، وعيدة المطلق، وعز الدين المناصرة، وآخرين غيرهم، نستعرض هنا بعض من الأفكار والتعليقات والآراء التي تضمنتها في حينه هذه الشهادات.
يقول أنيس قاسم، (1925 ـ 2021) المستشار القانوني السابق للوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن، أنه من غير اللائق الادعاء بأننا اكتشفنا مخطط إسرائيل تجاه القدس مع افتتاح النفق. فالجميع، قيادة ونخبة وجماهير، يعلم ما يخطط للمدينة منذ عام 1967، وهو لا يختلف كثيرا عما يخطط له في كافة المناطق الفلسطينية الأخرى. إنه "تآكل متواصل، وتقطيع مستمر لكل ما تبقى من فلسطين أرضا وشعبا، لافارق الوحيد الذي طرأ هو أن التآكل والتقطيع كان يتم بقوة الاحتلال والآن يتم بموجب شرعية أوسلو".
ويرى أن أبرز ما يؤكد نجاح إسرائيل في تغيير معالم المدينة يتمثل في انخفاض عدد السكان العرب في القدس الشرقية من 160 ألف نسمة إلى 37 ألف نسمة، دون أن نتساءل من الذي كان وراء هذه الهجرة، وما هي الخطط التي اتخذت لعكس هذا التيار. يؤكد على ذلك الصحفي نواف الزرو، رئيس الملف السياسي في جريدة الدستور الأردنية، مضيفا أن إسرائيل تسيطر على 74% من مجموع الأراضي العربية في القدس (في ذلك الوقت)، في حين يقطن المواطنون العرب مساحة لا تتجاوز نسبتها 10% من مساحة المدينة.
ويوضح أن الهدف الرئيسي للحكومات الإسرائيلية هو ضمان السيطرة الكاملة على القدس من خلال السيطرة الجغرافية على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي المحيطة بالقدس، وبالتالي تفريغها واستيطانها وعزلها عن بقية المناطق العربية الأخرى. وعزل التجمع السكاني العربي في المدينة عن التجمعات العربية في الضفة الغربية. وتطويق المدينة بأحزمة استيطانية، وضمان الأكثرية اليهودية وتثبيت الأقلية العربية في المدينة بحيث لا تتجاوز نسبتها 28%، تعزيزا لادعاءات إسرائيل بحقها في السيادة على المدينة. يقول الزرو أن مستقبل القدس عبر المفاوضات يبدو غامضا، فمعظم مشاريع الحلول المتعلقة بالمدينة هي مشاريع إسرائيلية، وكلها تتضمن في الجوهر السيطرة والسيادة.
ويضيف : "مستقبل المدينة تفاوضيا وسياسيا يتصل بالاستعدادات التفاوضية العربية والإسلامية والفلسطينية للضغط على إسرائيل وإجبارها على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، والتوصل إلى تسوية دائمة لن تكون أبعد من عودة المدينة إلى السيادة الفلسطينية العربية".
ليس هناك أي احتمال لعودة المدينة ضمن حلول وسطى، فالسيطرة الإسرائيلية عدّت القدس جزءا من إسرائيل. وأية حلول وسطى ستكون على حساب حقوق الشعب الفلسطيني و مقدساته وتاريخه، وستعمق التناقضات، ولن تكون أكثر من قبول بالتبعية والاحتواء.
يذهب لبيب قمحاوي، سياسي ونائب رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأردن، أبعد من ذلك عندما يشير إلى أن المخطط الإسرائيلي "يتجاوز مفهوم السيادة المتمثل بتحويل القدس إلى مدينة يهودية، وينطلق إلى ما هو أخطر بهدف تحويلها مدينة لليهود، ولا مكان للإقامة الدائمة فيها إلا لليهود، وكل ما عدا ذلك بما فيه الوجود الفلسطيني العربي يعتبر من وجهة النظر تلك أمرا طارئا ومؤقتا وسائرا إلى زوال إن عاجلا أم آجلا". ويقول إن القدس بالنسبة لليهود أصبحت في الممارسة خارج أي مفاوضات وأي ترتيبات لوضع نهائي.
وعليه فإن الموقف الأساسي الذي يتطلب تأكيدا عربيا وإسلاميا مستمرا واضحا لا لبس فيه، وملزما لا اجتهاد فيه، هو أن القدس مدينة فلسطينية عربية، السيادة عليها سيادة سياسية ملك للشعب العربي الفلسطيني فقط، وأي نوع أو نمط آخر من السيادة غير مقبول، لأن إسرائيل واليهودية العالمية قد تستعمله لتنفيذ مخططاتها المتعلقة بالمدينة. لذلك فإنه إذا كانت السيادة السياسية للفلسطينيين على القدس في صلب قضية فلسطين، فإن منع تحويلها إلى مدينة لليهود يجب أن يكون في صلب قضية القدس.
خطر اتفاقيات أوسلو
في شهادته يقول الراحل بهجت أبو غربية، مناضل وأحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية، إن تهويد القدس بالمعنى الكامل الذي يسعى إليه الاحتلال لم يكتمل بعد، ودونه صراع طويل مرير. لكن من جهة أخرى فإن اتفاقيات السلام التي وقعت مع اليهود ألحقت بقضية القدس ومقدساتها أبلغ الضرر وعرضتها للخطر بالقفز على موضوع القدس، وتأجيل بحثه إلى المرحلة الثانية من المفاوضات، ما ساعد اليهود على كسب الوقت والإسراع في عمليات التهويد بشكل لم يسبق له مثيل، وجعل قضية القدس لدى الرأي العام العالمي وكأنها قضية ثانوية لا تستحق التوقف عندها، وبالتالي القبول بما يفرضه اليهود من أمر واقع جديد يحول المدينة إلى مدينة يهودية، ويسقط عنها وفيها كل حقوق العرب والمسلمين ويلغي تاريخها.
بسام الشكعة، رئيس بلدية نابلس السابق والمتوفى في 2019، يؤكد أن السلام والاستقرار مرهون بعودة القدس والحقوق الوطنية الفلسطينية معا، وهو أمر مرهون بحسب ما يرى بعودة القضية الفلسطينية إلى عمقها العربي والإسلامي والإنساني، ما يقتضي "تحرير القضية من المستوى التكتيكي المحكوم بموازين القوى القائمة، والمحكومة بسقف اتفاقيات أوسلو وتوابعها". ويشير إلى أن الموقف العربي افتقد لعقود سياسة استراتيجية موحدة في مواجهة إسرائيل، وظل أسيرا للحدث وردات الفعل، ثم جاءت اتفاقيات أوسلو لتضعف هذا الموقف أكثر، ولتجعل القدس خاضعة لنتائج عمليات التفاوض التي لم تستطع إيقاف عمليات تهويد المدينة.
يقول الشكعة إنه ليس هناك أي احتمال لعودة المدينة ضمن حلول وسطى، فالسيطرة الإسرائيلية عدّت القدس جزءا من إسرائيل. وأية حلول وسطى ستكون على حساب حقوق الشعب الفلسطيني ومقدساته وتاريخه، وستعمق التناقضات، ولن تكون أكثر من قبول بالتبعية والاحتواء.
التطهير الثقافي وغسل ذاكرة الشعوب.. حروب من نوع آخر
قصة اغتيال الوسيط السويدي في فلسطين فولك برنادوت
الحزب الشيوعي الإسرائيلي.. انغماس كامل في الصهيونية