كتاب عربي 21

الخليج يرفض الابتزاز.. تمزيق الرسالة والهجوم على المرسل!

1300x600
هل كان ما كتبه "عماد أديب" وروّج له شقيقه "عمرو"، قدحاً من رأس الكاتب والمروج على حد سواء؟!

طرح هذا السؤال نفسه، بعد مقال "عماد أديب": "من يعوض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسية الأوكرانية؟"، وكان يمكن ألا ينتبه له كثيرون لولا أن شقيقه الأوسط خصص له فقرة في برنامجه التلفزيوني، قرأ خلالها المقال، وشرحه للعامة، ودق أجراس الخطر، محذراً من الكارثة القادمة.

وخلاصة المقال أن مصر مع بداية العام المقبل (2023)، ستكون في أزمة، وإذا لم تجد من ينقذها من دول الخليج، فستحدث الفوضى كالتي حدثت في كانون الثاني/ يناير 2011، ويخرج المصريون في مظاهرات لإسقاط النظام، وما وصفه بـ"الاحتمال الكارثي"، بعد الاحتمال الأول وهو توفير المبلغ المطلوب الزائد على الموازنة المصرية العامة وهو 25 مليار دولار!

وكان كاتب المقال واضحاً بأن الاحتمال الثاني سوف يفتح "أبواب جهنم" ليس على مصر فقط، ولكن على المنطقة بما يصب في صالح إيران، وتركيا، وإسرائيل، وحرص على أن يؤكد في وصف هذه الدول بأنها شرق أوسطية وغير عربية. وستحدث "فوضى"، حيث "لا أحد يتوقع ردود فعل القوى الشعبية الداخلية"، ليبدأ "كابوس النزوح البري الكبير عبر الحدود مع ليبيا وفلسطين وإسرائيل"، ليبدأ "كابوس الهجرة بالملايين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا وعبر البحر الأحمر إلى الخليج"!

عنوان المقال يبدو عاماً عن فاتورة الحرب الروسية الأوكرانية، لكن المتن كله يتحدث عن فاتورتها على مصر، وهو موجه بشكل عام إلى دول الخليج، حيث الإشارة إلى ثورة يناير، فقد بذلت هذه الدول الغالي والنفيس من أجل إفشالها، ولم يهدأ لها بال حتى وقع الانقلاب العسكري واستولى السيسي على الحكم. كما أنه هدد هذه الدول، ليس فقط بسقوط النظام، ولكن أيضاً بهجرات بالملايين إليها عبر البحر الأحمر، وإن كانت رسالة موجهة بشكل عام إلى "إسرائيل" التي ستكون من الدول التي سيجتاحها المصريون عبر الحدود، كما هدد أوروبا بملايين اللاجئين المصريين عبر البحر المتوسط، لتبدو الرسالة كلها موجهة لدول الخليج، فإن لم تتحرك لإنقاذ النظام المصري، فعلى إسرائيل والأوروبيين الضغط على الخليج لإنقاذ نظام السيسي من السقوط!

إنقاذ السيسي:

هذا المقال الرسالة ذكرني بسلسلة مقالات كتبها الكاتب "موسى صبري" في بداية عهد مبارك، كل مقال كان رسالة موجهة إلى زعيم عربي، ونشرت في جريدة الحزب الوطني الحاكم "مايو"، ولم يستثن من ذلك "الحبيب بورقيبة"، لأنه لم يكن يطلب للنظام الجديد دعماً مالياً فقط، ولكنه كان يطلب دعماً سياسياً أيضاً، بعد المقاطعة العربية التي تعرض لها نظام السادات بسبب كامب ديفيد وكان أحد تجلياتها انتقال جامعة الدول العربية إلى تونس!

مقال عماد أديب هو نداء لدول الخليج أن أنقذوا نظام عبد الفتاح السيسي وإلا فأبواب جهنم ستفتح عليكم، واستخدم من الأوصاف أتعسها مثل "الكابوس" و"الفوضى"، فهل كان يقدح من رأسه؟!

لقد سخّر النظام عدداً من إعلامييه للهجوم على "عماد" وشقيقه "عمرو"، بسبب هذه الرسالة الخطيرة، على نحو جعل منها كما لو أنها اجتهاد شخصي، مع أن السيسي نفسه بدا في اليوم التالي كما لو كان يؤمن عليها، من أن الأسعار لم ترتفع بعد بشكل طبيعي، ويطلب من دول الخليج ألا تكتفي بضخ الودائع ولكن بتحويل ودائعها لدى البنك المركزي إلى استثمارات، على نحو كاشف أنه لن يسددها وعمليا يعني أنه صادرها ووضع يده عليها!

لا أحد في الإعلام المصري يقدح من رأسه، لا سيما في هذا التناول الذي يتجاوز حدود الجرأة، وإذا كانت السلطة لا تمل من دعوة الاستثمارات الأجنبية، فكيف يتسنى لاستثمارات خارجية أن تأتي إلى مصر، بل كيف للأموال الساخنة التي رفعت الفائدة من أجل إعادتها أن تعود، وهناك تهديد بسيناريو الفوضى، لم ينتجه إعلام المعارضة، ولو فعل لتم اتهامه بالخيانة العظمى، وتهديد الأمن القومي المصري؟ فماذا يمكن للمعارضة أن تقول بعد هذا القول، من حيث التأكيد على أن نظام السيسي على جرف هار، وأن الانقلاب يترنح؟!

إن اختيار "عمرو" وشقيقه الأكبر لهذه المهمة ليس من فراغ، ففضلا عن قربهما من أهل الحكم، فإنهما الأكثر جدارة من بين إعلاميي النظام على تأدية المهمة، إذا ما تمت المقارنة بنشأت الديهي وأحمد موسى، فضلا عن أنه عندما يتم الحديث عن الحزب السعودي المصري، فإن القائمة التي لا تبدأ بعماد أديب، وبالتبعية أشقائه، هي قائمة مزورة. والعلاقة قديمة منذ أن كان السادات يتهم جريدة "الشرق الأوسط" بأنها من الصحف التي تهاجم مصر في الخارج، وإذ تم تعيين مدير مكتبها في القاهرة، إبراهيم سعدة، رئيسا لتحرير أخبار اليوم، لأنه فضّل ترك العمل في هذه الصحيفة التي تهاجم مصر، فإن صحفيا شاباً قام بموقف شجاع، عندما جلس على مكتب مدير المكتب، واتصل بإدارة الشركة المالكة للإصدار يفيدهم بأنه سيدير المكتب إلى حين تعيين مدير جديد، فأعجبوا بخطوته هذه، وبعد فترة لم يجدوا هناك أفضل من هذا الصحفي الشاب ليكون مديراً مع أن سنه وخبرته المهنية لا تؤهله لذلك، وبعد هذا أصبح ضمن الحسابات السعودية، وتنقّل بين المؤسسات الإعلامية للمملكة، وانتقلت هذه العلاقة للورثة!

وكان محظوظاً بطبيعة الحال، لأن السادات لم يعش كثيراً فقد تم اغتياله، فلم يحاسَب على هذه المغامرة، وجاء مبارك الذي كان حريصاً على أن تربطه بالسعودية علاقة متميزة، ومن ثم لم يجد من عملوا في مؤسسات ودول كان السادات يتهمها بالعداء لمصر أنفسهم في مخاطرة، حتى مع النظام الليبي نفسه، الذي كان يمول سياسيين وإعلاميين بعلم مبارك ذاته!

مصر العالة:

واللافت أن عماد قرر أن تكون رسالته بهذا الوضوح للخليج، مع أن نظرة الأبناء فيه مختلفة عن نظرة الآباء، فالأجيال الجديدة لديها حساسية مفرطة من فكرة الابتزاز، وهو ما رأيناه من رد فعلهم على هذا المقال والشرح الوافي له، وإن تعامل الخليج بذكاء، فهذا كاتب يكون الرد عليه من كاتب أيضاً، وكم كان الكاتب السعودي تركي الحمد قاسياً وهو يرد على رسالة عماد أديب، بمنشور قليل الكلمات لكنه محدد الهدف واضح المعالم!

إنه يصور مصر بأنها أصبحت عالة، ويطلب من الكاتب (الذي هو عماد أديب) أن يسأل نفسه: "لماذا لا تستطيع بلاده مصر، حل أزماتها المزمنة بنفسها بدل أن تصبح عالة على هذا أو ذاك؟!"، قبل أن يتهمه بأنه يهين مصر حين يصورها بأنها تبحث عن راع؛ خليجي أو إيراني أو تركي، بدل أن تكون هي الراعية كما كانت في زمن مضى، إذ لا ينقصها شيء مما لدى تركيا وإيران والخليج!

ولا يمكن تصور أن "تركي الحمد" يقدح من رأسه، إلا إذا تصورنا أن "عماد" وشقيقه يقدحان من رأسيهما. والمعنى أن الرسالة وصلت للخليج وللدولة الكبرى فيه فتم تمزيقها، لأنها اعتمدت كرسالة ابتزاز، تجاوزت المرسل الافتراضي إلى المرسل الحقيقي. فليست هذه رسالة يمكن أن يخاطب بها كاتب سعودي "عماد أديب"، لكنها رسالة للمرسل الذي يقف وراء حجاب، وليس الكاتبان (عماد وتركي) في الحالتين بأكثر من "وسائط إلكترونية" أو بريد إلكتروني!

والمرسل في الحالة الخليجية لا يرد بالطريقة التقليدية على السائل والمحروم بالإعراض، ولكنه يحاكم المعنى بالرسالة. فمصر لا ينقصها شيء مما لدى الخليج وإيران وتركيا، ويوشك أن يسأل: وماذا فعلت القيادة المصرية في مقدرات البلاد، وما وصلها من قروض ومساعدات وودائع؟!

لقد هوجم "عمرو أديب" وشقيقه من قبل أبواق إعلامية للسلطة في مصر، على نحو يوحي بأن المقال وشرحه هو "اجتهاد شخصي" من الأخ وأخيه، ومن يقول هذا لا يعرف خطورة ما كُتب وما قيل، في بلد تدار أجهزة الإعلام فيه بـ"رسائل السامسونج"، وأنها جميعها قبضة أهل الحكم بما فيها قناة "تن" الإماراتية، وقناة "إم بي سي مصر" السعودية. لكن كل ما حدث أن رد الفعل الخليجي عبر "الوسائط"، على ما اعتُبر رسالة ابتزاز، دفع السلطة في مصر بهذا الهجوم للتأكيد على أنها لا تقف وراء ما كُتب وما قيل، فقد ألقت ما فيها وتخلت، فهل يوجد من يصدق ذلك؟!

وهل يعقل أن تكون رسالة ابتزاز للخليج تصدر من محطة تلفزيونية سعودية، إن لم يكن عمرو أديب مسيّرا لا مخيّرا؟! وقد قامت مواقع خليجية مثل "موقع قناة الشرق" بنشر المقال كاملاً، ليس من باب الدعاية، ولكن استنكاراً لما جاء فيه ولعموم الفائدة لوضع القارئ الخليجي في الصورة، ولا يمكن فهم إعادة النشر أنها من باب التضامن مع الرسالة الحادة لتركي الحمد، كما أن عماد لم يتراجع بعد ردة الفعل، ولكنه واصل الدفاع عن فقرته وهاجم معارضيه من الإعلاميين المصريين!

إن النظر إلى ما قاله عمرو أديب على أنه إساءة لمصر ولاقتصادها من قبل إخوانه من "أبواق النظام المصري"، يحتم موقفاً ضد القائل والقناة السعودية، وهو ما لم يحدث، ولو قاله معارض لوجد نفسه متهماً في اليوم التالي بزعزعة الاستقرار في المنطقة، وتهديد الأمن والسلم فيها، والإساءة إلى مصر واقتصادها، ونشر أخبار كاذبة، والتعاون مع جماعة إرهابية في سبيل تحقيق أهدافها. فمن منا يجرؤ على أن يكتب ما كتبه عماد أديب، ويقول ما قاله عمرو أخوه؟ إنه إن سلم من النظام وإعلامه وقضائه -ولن يسلم- فلن يسلم من حدثاء الأسنان الذين لا يزالون إلى الآن يسخرون من مقولة أن الانقلاب يترنح مع أنهم محسوبون على معسكر رفض الانقلاب، ولست أنا من قال هذه العبارة!

ألا وقد وصلت الرسالة للخليج ومزقها، فيكون سؤال الوقت هو: على ماذا يراهن الخليج في مصر؟!

هذا ما سنجيب عنه في مقال الاثنين المقبل، إن شاء الله.