نشرت صحيفة "فزغلياد" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن الاتهامات التي وجهتها واشنطن لموسكو منذ انطلاقها في تنفيذ العملية العسكرية داخل الأراضي الأوكرانية وتحميلها مسؤولية المجاعة التي تهدد البلدان الإفريقية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن اليابان من بين جميع الدول الآسيوية انحازت بشكل مطلق إلى جانب الولايات المتحدة بينما نأت معظم دول أمريكا اللاتينية بنفسها عن الصراع أو اختارت الوقوف إلى جانب روسيا.
وذكرت الصحيفة أن الدول الإفريقية رفضت بدورها الانضمام إلى العقوبات الأمريكية المفروضة ضد روسيا أو إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. وبعد أن فشلت الولايات المتحدة في بسط نفوذها داخل بلدان آسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية والاستفادة من مواردها، باتت لا تدخر جهدا من أجل توسيع الجبهة المناهضة لروسيا على حساب الدول الإفريقية.
إفريقيا رهينة
بسبب التطورات الجيوسياسية الحالية، تقف الدول الإفريقية على شفا أزمة غذائية حقيقية.
وحسب مايكل دانفورد، المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لشرق إفريقيا، يهدد نقص الغذاء والجوع اليوم أكثر من 80 مليون شخص في إفريقيا، مقابل 50 مليون في العام الماضي، وذلك يعزى إلى نقص الغذاء وارتفاع الأسعار الذي تلى العقوبات المفروضة على روسيا. فعلى سبيل المثال، يتضور ثلث سكان التشاد جوعا، مما اضطر السلطات المحلية إلى إعلان حالة الطوارئ.
توفّر روسيا وأوكرانيا معا أكثر من 40 بالمئة من حاجيات البلدان الإفريقية من الحبوب. ومنذ تصاعد الأزمة حاول الغرب تزييف بعض الحقائق والترويج لفكرة أن أزمة الغذاء ناجمة عن العملية العسكرية ولا علاقة لها بحرب العقوبات التي يشنها الغرب ضد روسيا، والتي شلت حركة الصادرات الروسية.
ورد في تقرير صادر عن جهاز المخابرات السويسرية أن واردات الحبوب الروسية لا تخضع للعقوبات الغربية، غير أن المستوردين يواجهون صعوبة في شراء الحبوب الروسية بعد أن أضحت المعاملات المالية مع الشركات الروسية معقدة، ونتيجة لذلك أوقفت العديد من شركات الشحن تعاملها مع روسيا.
وعلى عكس ما سعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الأفارقة لا يحملون روسيا مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في بلدانهم، وتجلى ذلك في اتخاذهم موقفا متوازنا إزاء الأحداث ورفض اتهام موسكو بالوقوف وراء المجاعة التي تعيشها القارة، وتلميحهم بدلا من ذلك إلى التداعيات السلبية للعقوبات الغربية.
ونقلت الصحيفة عن الرئيس السنغالي ماكي سال، الذي يتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي حاليا، قوله إن: "نحن أمام معضلتين رئيسيتين هما الأزمة والعقوبات. وهناك حاجة إلى تكاثف الجهود لحل هاتين المشكلتين من أجل إزالة المواد الغذائية والأسمدة من العقوبات". ومن جهته، قال وزير خارجية مالي عبد الله ديوب: "وفقا للإحصائيات الواردة من طرف المنظمات الدولية، فإن مشاكل الأمن الغذائي تخلف الكثير من الضحايا مقارنة بالهجمات الإرهابية. لن أحمّل أي جانب وزر ما يحدث لكن يمكنني القول إن العقوبات لم تزد الوضع إلا تعقيدًا".
المال والحماية والاحترام
يعزى الموقف الذي اتخذته أفريقيا بشأن العملية العسكرية الروسية إلى العديد من العوامل، من بينها تفضيل دول العالم الثالث عدم التدخل في الصراعات البعيدة عن حدودها واعتمادها على الشراكة العسكرية والاقتصادية والسياسية التي تجمعها مع روسيا. وخلال المنتدى الاقتصادي الروسي الأفريقي الثاني الذي سيعقد هذا العام، من المتوقع مناقشة بعض المشاريع الاقتصادية أهمها إمكانية بناء مؤسسات مختلفة في إفريقيا واستخراج الموارد الباطنية وكذلك إعادة توجيه الصادرات الروسية.
وحسب وكالة "رويترز"، فإن اقتراب موعد دخول الحظر الأوروبي على شراء المنتجات النفطية الروسية حيز التنفيذ يزيد من اعتماد موسكو على أسواق إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تورد روسيا المنتجات البترولية إلى نيجيريا والمغرب والسودان وساحل العاج وتوغو. ومن المقرر خلال المنتدى مناقشة سبل التعاون في المجال العسكري والسياسي بعد النجاح الذي حققته شركة "فاغنر" الروسية في إنقاذ جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي من الإرهاب وإثبات كفاءتها في الحرب التي يدور رحاها داخل أوكرانيا.
ورغم عدم امتلاك روسيا ثقلا موازيا للولايات المتحدة وأوروبا وللموارد المالية التي تمتلكها الصين، فإن المظلة العسكرية والسياسية والاقتصادية الروسية لها العديد من الخصال التي تميزها عن نظرائها الأجانب. وعلى عكس الولايات المتحدة وفرنسا، لا تتدخل روسيا في الشؤون الداخلية للدول المحمية وتبدي احتراما للخصائص القومية والدينية والثقافية والاقتصادية لشركائها، وهو ما ساعدها في العثور على أرضية مشتركة للتواصل مع القادة الأفارقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن واشنطن رغم التغييرات التي أحدثتها حركة "حياة السود مهمة" إلا أنها لا تزال تعامل الأفارقة باحتقار وتجلى ذلك في الضغط عليهم من أجل إدانة العملية الروسية، ما دفعهم للامتناع عن التصويت.