سيشارك الإخوان في الحوار الوطني، أم لن يشاركوا؟
بين تصريحين للسيسي، أحدهما فُهم منه أنهم سيُدعون للحوار، وآخر استبعدهم منه، بدا الأمر كما لو كان قنبلة دخان أطلقت بهدف حجب الرؤية، ومنع النظر إلى المشاركين والمستبعدين من غير الإخوان بعين فاحصة!
قال ضياء رشوان "منسق الليلة" إن المدعوين للحوار هم تكتل 30 يونيو. ولا بأس من ذلك، فهؤلاء هم من يعترفون بشرعية السيسي، وإن كان قبول الدعوة في حد ذاته وتلبيتها، هو اعتراف بالسلطة القائمة. ولا يناقش أحد من المدعوين مسألة شرعية السيسي، لكن، هل صحيح أن من يشاركون في الحوار هم تكتل 30 يونيو؟!
هذا الجمع الكريم الذي شاهدناه في الحوار الوطني، لم يكن من زعمائه أي من قادة 30 يونيو، إلا حمدين صباحي. وإن كان بينهم حاضر، فقد كان في الصفوف الخلفية، ومثّل الواجهة فيه جبهة الإنقاذ، التي تلاشت وتبخرت وانتهت، ولم يعد لها وجود، أما معظم رموزها فهم مستبعدون كالإخوان تماماً، ومن غياب أبرزهم الدكتور محمد البرادعي، إلى وحيد عبد المجيد، المتحدث باسم الجبهة، حدث ولا حرج!
فليس الإخوان وحدهم هم المستبعدون من الحوار، فالدكتور البرادعي لم يدع له، والهجرة القسرية لم تفرض فقط على الذين رفضوا الانقلاب العسكري، لكن جزءاً أصيلاً من تكتل 30 يونيو يشاركنا الأحزان، ومن علاء الأسواني إلى بلال فضل مروراً بكبير المهرجين باسم يوسف.
ليس الإخوان وحدهم هم المستبعدون من الحوار، فالدكتور البرادعي لم يدع له، والهجرة القسرية لم تفرض فقط على الذين رفضوا الانقلاب العسكري، لكن جزءاً أصيلاً من تكتل 30 يونيو يشاركنا الأحزان، ومن علاء الأسواني إلى بلال فضل مروراً بكبير المهرجين باسم يوسف
مع أنهم إذا دعوا ولبوا، فلن يقولوا كلاماً ذا قيمة يمكن أن يمثل معارضة جذرية، ولو في مستوى النائب السابق أحمد طنطاوي، لكن لا أحد يمكنه أن يفكر في الطلب من كاتب النص أن يدعو هؤلاء، لأنه "فرح على الضيق"، ولأن الحاصل هو ما سنصل إليه لاحقاً.
غياب الحزب الوطني:
في ليلة 30 يونيو، دعا حمدين صباحي التابعين من غير أولي الإربة، ألا يسألوا من بجوارهم إن كان ينتمي للحزب الوطني، لأن معركتهم الآن ليست مع الحزب الوطني، ولكن مع الإخوان، وهو بيان مثّل اعترافاً بالحزب الوطني المنحل كحليف. ولا نستطيع أن ننكر حضورهم على الأرض وهم مثلوا زخماً مضافاً، بجانب الزخم الذي مثلته الكنيسة بحضورها الذي لا تخطئه عين، ودعوتها كانت صريحة للمشاركة، ولهذا تم اختيار يوم الأحد لمظاهرات 30 يونيو، على غير الحاصل في ثورة يناير، التي كانت الدعوة للحضور الكثيف في يوم الجمعة، والتجمعات خرجت من المساجد!
بعد الانقلاب العسكري، شاهدت في إحدى القنوات
المصرية شخصيتين في أحد البرامج بها، الأولى هي "نور الهدى زكي"، وهي ناصرية تنتمي لمعسكر رفض الإخوان، وكانت الضيفة الثانية شخصية نسائية تنتمي للحزب الوطني لم أتعرف عليها، وإذ بدا أن الأولى أرادت أن تنسب 30 يونيو لثوار يناير، فقد ردت عليها الأخرى بطريقة أقرب للردح، وهي تقول لها إنهم عشرة أنفار، لكننا نحن (تقصد دولة مبارك وحزبها) من كنا بالملايين!
المعنى أن هناك حزباً اسمه الحزب الوطني تم استبعاده من الحوار الوطني وهو من شركاء 30 يونيو، وإن تعرض للحل بعد الثورة، بحكم قضائي، انتقدته وقتها لأنه مخالف للقانون من ناحية، ولأنني ضد فكرة العزل القضائي أو الثوري، فالجماهير هي من تجتبي وتختار!
لكن من الغباء تجاهل الحزب الوطني، والتعامل معه على أنه قد تبخر في الهواء، وإذا كان البعض يرى أنه من المنطق أن يحل بعد الثورة، ويعزل قياداته سياسياً، فإن تجليات ثورة يناير انتهت. وأرجو ألا نساير دعايات النشطاء من أن دولة مبارك عادت مرة أخرى، فالصحيح أن دولة أخرى للسيسي هي من تحكم الآن، وقد اختارها في حدود المعسكر، وملتزمة بآداب التعامل في المعسكرات. وليس حزب مستقبل وطن هو الحزب الوطني، فقد جيء بأناس من خارج المنظومة القبلية والعائلية، وفرضها بقوة السلطة، لكنها تظل مع هذا عملية تخليق لأطفال الأنابيب، واستخدام وسائل الاستنساخ من أجل صناعة بشر!
وإذا استبعدنا فكرة جبهة الإنقاذ أنها المعبر الوحيد عن تكتل 30 يونيو، وتعمقنا في المشهد، سنجد أن الحزب الوطني (المنحل) كان حاضراً برجاله وعتاده في 30 يونيو، ومع أن فيه قيادات لها في النفاق السياسي بحكم تراكم الخبرة، فلم تُدع للحوار، وبداخلها غضب مكتوم لهذا التجاهل، وأن يكون هؤلاء الذين تصدروا المشهد هم من يعبرون عنه!
إذا استبعدنا فكرة جبهة الإنقاذ أنها المعبر الوحيد عن تكتل 30 يونيو، وتعمقنا في المشهد، سنجد أن الحزب الوطني (المنحل) كان حاضراً برجاله وعتاده في 30 يونيو، ومع أن فيه قيادات لها في النفاق السياسي بحكم تراكم الخبرة، فلم تُدع للحوار، وبداخلها غضب مكتوم لهذا التجاهل
اليسار في الخدمة:
المعنى أن الحوار الوطني ليس وطنياً أو يحزنون، وليس الإخوان وحدهم من جرى استبعادهم، فهو يبدو اجتماعاً لليسار الوظيفي، الصالح للاستخدام أكثر من مرة، وكلما أحيط بالحاكم الديكتاتور من كل جانب، استدعاهم، ثم بعد أن يقضي منهم وطراً، يعيدهم مرة أخرى إلى المخازن!
وفي انتخابات 1990، عندما قررت المعارضة مقاطعتها لعدم توافر الضمانات، وفشلت اتصالات مبارك برئيس حزب الأحرار مصطفى كامل مراد ولقاؤه برئيس الوفد فؤاد سراج الدين؛ في إثنائهما عن ذلك، كان البديل هو اليسار الوظيفي، فكانت الاستعانة بـ"حزب التجمع الوطني الوحدوي" لاستكمال الشكل، وفي وقت لاحق، زورت انتخابات مجلس الشعب مرتين لينجح رئيس الحزب خالد محيي الدين، كما عين الأمين العام للحزب رفعت السعيد عضواً في مجلس الشورى!
وإذا كان السادات استعان بالتيار الإسلامي لمواجهة اليسار، فمبارك وجد في اليسار ضالته، وقد كانوا يهتفون نحن البديل الثالث، ثم تبين أن هذا البديل هو ظهير الخيار الأول، بمقابل الفتات الذي يحصل عليه. وفي هذه الفترة لم تجد يسارياً واحداً ينتقد هذا التوجه للتجمع وقياداته، حتى من شرفاء اليسار، الذين لم يفرّطوا ولم يبيعوا أو يتكسبوا!
والسيسي في حربه مع التيار الديني، لا يجد أمامه إلا هذا اليسار، فكانت الأصوات البارزة في تنسيقية الحوار، هي أصوات تنتمي إلى هذا
اليسار الوظيفي!
قضى جودة عبد الخالق حياته مستقيماً، فلما بلغ من العمر أرذله قرر أن يكون رفعت السعيد، فاختاره المجلس العسكري وزيراً للتموين، فلما ذاق حلاوة السلطة، تحول إلى سلطوي، لا يربطه بالناس إلا هندامه. وهناك من السلوكيات التي إذا لم تشب مع المرء فلن تشيب معه، فليست دليل تواضع أو تأكيداً للانحياز للطبقة العاملة!
السيسي في حربه مع التيار الديني، لا يجد أمامه إلا هذا اليسار، فكانت الأصوات البارزة في تنسيقية الحوار، هي أصوات تنتمي إلى هذا اليسار الوظيفي!
لقد ظل جودة عبد الخالق مركوناً على رف السلطة، إلى أن جاء له استدعاء عسكري فحضر، وذهب بعيداً وهو يقول بحرمان أطياف واسعة من وليمة الحوار الوطني، ليس فقط بألا تكون يداه ملوثتين بالدماء، ولكن استبعاد كل من يخلط الدين بالسياسة، مع أن مبلغ علمي أن من يفعل الآن هو شخص عبد الفتاح السيسي، لكن هو يقصد آخرين بعينهم، فما فشلوا فيه حزبياً جاءوا ليكملوه بسيف السلطة، لنكشف الوجه الاستئصالي للرجل!
سرية الجلسات:
وإذا كان المنسق المختار هو ناصري، وخاض الانتخابات البرلمانية في عهد مبارك على قوائم حزب التجمع الوطني الوحدوي، فلن يصرفنا هذا عن وجود نجاد البرعي، وهو ينتمي لفصيل ناصري قرر أن يبتعد عن السياسة بقدر لينخرط في المجال الحقوقي، وهو منهج بعيد عن فكرة الناصرية التي قامت على السجون والمعتقلات!
يظل نجاد البرعي هو الأكثر استقامة، ليس فقط من بين الناصريين، ولكن أيضاً من بين الحقوقيين، لكنه مع هذا يطالب في الجلسة الأولى للقوم بأن تكون جلسات الحوار الوطني بعيدة عن كاميرات التلفزيون وألا تنقل على الهواء، حتى لا يحاول البعض ترضية الرأي العام، وكأن ترضيته جريمة، وها هي الأدوار وتوزيعها فيأتي طلب كهذا من شخصية كهذه!
بعد الانقلاب جادل زميل صديقه الشيوعي عن الأسباب التي تجعله يقف هذا الموقف بالانحياز للعدوان على الديمقراطية وإرادة الناس، فرد عليه بأنه كشيوعي ليس مشغولا بالديمقراطية، إنه يعرف أنهم لن يحكموا أبداً بإرادة الجماهير، فلا تشغله نظرية الأغلبية!
المعنى أننا أمام يسار يرضى لحالته وظروفه من الوليمة بالفتات، ومن الغنيمة بالإياب، وهذا لن يتأتى إلا بالتقرب من السلطة المستبدة، فاستبدادها هو الضمانة الوحيدة لأن يكون لهم وجود، لكون التيارات الإسلامية تمثل هاجساً لدى هذه الأنظمة، مما يجعل من اليسار أحد معوقات التحول الديمقراطي، ليس في مصر فقط ولكن بلدان الربيع العربي، لا تنس أن الفريق الرئاسي في تونس من شيوعيين هم من يقفون خلف قيس سعيد ويحتلون قصر قرطاج!
المعنى أننا أمام يسار يرضى لحالته وظروفه من الوليمة بالفتات، ومن الغنيمة بالإياب، وهذا لن يتأتى إلا بالتقرب من السلطة المستبدة، فاستبدادها هو الضمانة الوحيدة لأن يكون لهم وجود، لكون التيارات الإسلامية تمثل هاجساً لدى هذه الأنظمة، مما يجعل من اليسار أحد معوقات التحول الديمقراطي، ليس في مصر فقط ولكن بلدان الربيع العربي
صاحب الدعوة
دعك من تونس، ففي مصر انتقل اليسار الوظيفي من كونه مدعواً للحوار الوطني إلى أن يكون "صاحب الدعوة"، فيضع حمدين صباحي شروطاً على الإخوان لقبولهم، ويتحدث خالد داود كما لو كان كمال الشاذلي في النظام البائد، وكأنه لم يسجن بيد هذا النظام، ولم يُهن، ولم تُمسح به الأرض، وخالد داود يعلن رفض اشتراك الإخوان، كما فعل ما يسمى
بالتكتل المدني، ليكون السؤال اللائق بهم هو: من أنتم؟!
إنهم من ركبوا الحوار، الذي هو ليس حواراً وطنياً، ولكنه بين السيسي وبين من هم أدنى ترتيباً من الأصوات الباطلة التي يمثلها حمدين ورفاقه، فترتيبه في الانتخابات الرئاسية الأولى التي خاضها السيسي بعد الأصوات الباطلة. ولعلها المرة الأولى في تاريخ الانتخابات التي تكون فيها الأصوات الباطلة أكثر من الأصوات التي حصل عليها المنافس الوحيد، والمفروض أن يكون لها ممثلون، بل ينبغي أن تكون لها إدارة الحوار، وهي تعترف بشرعية المسار لكنها ترفض كلا المرشحين؛ السيسي وحمدين.
وفي التاريخ المصري، عُرف الاستخدام الوظيفي لأحزاب الأقلية من قبل الملك أو الاستعمار، مثل الأحرار الدستوريين وغيره، في مواجهة حزب الأغلبية الكاسحة (الوفد).
ولا يفكر القوم أن هناك معتقلين من القوى المدنية مثل زياد العليمي، وهشام فؤاد، وأن هناك من هم في بلاد المهجر مثلنا تماماً مع أنهم منهم، مثل بهي الدين حسن، ومحمد زارع، وهما من الحقوقيين الجادين، ويمثلون الأقلية المستقيمة في اليسار المصري.
الاستبعاد إذاً لم يشمل الإخوان وحدهم، لكنه شمل مصر كلها، إلا من هذا اليسار الوظيفي، الذي يُستدعى للقيام بدور فيلبي، ثم يُركن على رف السلطة فلا تسمع له همساً، ليعود من جديد خادماً في البلاط، ثم يتصور أنه الباشا صاحب العزبة!
هذه قعدة لليسار الوظيفي، ولا يشار إلى عمرو حمزاوي أو غيره من الليبراليين، فهم يستخدمون كمسحوق للتغطية على التجاعيد، وفق قاعدة "لبس البوصة تصبح عروسة"، لكن المساحيق لا تخفي الحقائق!
فأين جبهة الإنقاذ؟ أين البرادعي؟ أين الحزب الوطني؟ أين الأصوات الباطلة الأكثر شعبية من القائمين على الزفة المنصوبة؟!
ستنتهي الجلسات ويعود القوم إلى مطابخهم وإلى أرفف النيش، فلم ينته حمدين من تجهيز الأومليت بعد!
twitter.com/selimazouz1