عبّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه المتزايد لارتفاع وتيرة جرائم القتل والعنف الداخلي في الوسط
العربي الفلسطيني داخل إسرائيل، مؤكدًا أن الزيادة مترتبة في ما يبدو عن سياسات إسرائيلية قد تكون عمدية وتعبر عن ازدواجية المعايير ونظام الأبارتهايد الذي تنتهجه السلطات الإسرائيلية.
وقال المرصد في بيانٍ له أرسل نسخة منه اليوم لـ
"عربي21" إن "أحدث جرائم القتل وقعت يوم أمس الثلاثاء الموافق 26 يوليو/ تموز، وأسفرت عن مقتل شخصين؛ منهما امرأة في جريمتي إطلاق نار ضمن الوسط العربي في بلدة عسفيا شمال إسرائيل ومدينة اللد وسط إسرائيل".
وبيّن الأورومتوسطي أن ضحية جريمة إطلاق النار في اللد كانت السيدة "رباب أبو صيام" (30 عامًا)، وهي أم لثلاثة أبناء ومنفصلة عن زوجها، وجاء قتلها رغم إبلاغها الشرطة الإسرائيلية عن تعرضها لتهديدات قتل متكررة، لكنها بقيت ـ رغم ذلك ـ بلا حماية.
ووفق عائلة الضحية، فإن السيدة، وهي مدرّسة في إحدى المدارس بمدينة اللد، اضطرت لترك عملها وانتقلت للسكن في منطقة النقب جنوب إسرائيل بسبب التهديدات بقتلها، لكنها عادت منذ أيام إلى اللد لتُقتل في جريمة إطلاق نار عليها في ساحة منزلها الواقع في شارع "بن يهودا" باللد.
وبحسب رواية عائلتها، فإن شخصا مسلحا مقنعا اقتحم ساحة منزلها، وأطلق النار باتجاهها وأصابها بـ 6 رصاصات منها 3 في رأسها، فيما كانت طفلتها ذات العامين معها، وحاولت والدتها الدفاع عنها، إلا أن المعتدي دفعها بقوة وطرحها أرضًا.
ووثّقت كاميرات المراقبة جريمة القتل، حيث وصلت سيارة بيضاء إلى الشارع أمام منزل "أبو صيام" في اللد، وترجّل منها شخص وأطلق النار على الضحية، ثم عاد إلى السيارة وفرّ هاربًا من المكان.
وتؤكد المعطيات التي أدلت بها العائلة أن الشرطة الإسرائيلية تعاملت دون اكتراث مع التهديدات التي تعرضت لها الضحية، حيث لم توفر لها الحماية رغم علم الشرطة بارتفاع خطورة التهديدات إلى الحد الذي دفعها إلى تحذير والدها حول تلك المخاطر، دون أن تتخذ خطوات ملموسة لحمايتها أو للوصول إلى من هددها حتى اقتراف جريمته.
وسبق مقتل السيدة "أبو صيام"، مقتل السيد "جوزيف روحانا" (45 عامًا)، متأثرًا بإصابته بجروح خطيرة بعد تعرضه لإطلاق نار في بلدة عسفيا شمال إسرائيل بينما كان يستقل مركبته في حي البدو في البلدة، دون اتضاح خلفية الجريمة.
واكتفت الشرطة الإسرائيلية بتصريح مقتضب حول بدئها "البحث عن مشتبهين، إلى جانب جمع النتائج في مكان الحادث من محققي الشرطة العسكرية".
وأكد المرصد الأورومتوسطي أن حالتي القتل هاتين غير معزولتين عن سياق تصاعد جرائم القتل والعنف الداخلي في الوسط الفلسطيني العربي داخل إسرائيل؛ إذ شهد شهر يوليو/ تموز حتى تاريخ هذا البيان مقتل 15 شخصًا، فيما شهد شهر يونيو/ حزيران الماضي مقتل 14 شخصًا.
وأشار إلى أنه وفق المعطيات المحلية؛ فإن عدد ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي ارتفع منذ مطلع العام الجاري، إلى 62 قتيلًا، وهو عدد كبير ويعكس ارتفاع معدلات جرائم القتل في الوسط العربي التي بلغ عدد ضحاياها في العام الماضي (2021)؛ 126 ضحية، منهم 16 امرأة، علمًا بأن هذه الإحصائية لا تشمل ضحايا الجرائم التي وقعت في مدينة القدس وهضبة الجولان.
وبيّن الأورومتوسطي أن تحليل وقائع جرائم القتل وارتفاعها المضطرد في السنوات الأخيرة يؤشر إلى وجود سياسة إسرائيلية تكرس الإفلات من العقاب، وتشجع على اقتراف هذه الجرائم؛ كونها في الغالب تمر دون محاسبة.
وأشار إلى أن المعطيات المتكررة عقب كل جريمة تدلل على تقاعس الشرطة الإسرائيلية في حل جرائم القتل أو تفكيك الجريمة المنظمة في الوسط العربي، ففي حين تقول الشرطة رسميًا إنها تحقق في جميع حوادث القتل، إلا أنها غالبًا لا تصل إلى أي نتائج، وتقيد أغلب الجرائم ضد مجهولين.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أن أسباب القتل وخلفياته متنوعة، وبعضها يجري على قضايا وإشكالات اجتماعية وخلافات شخصية ومالية، وجزء كبير منها يأتي نتيجة صراع أو اعتداءات تنفذها عصابات إجرامية منظمة يتوفر لها السلاح بسهولة عبر جهات إسرائيلية.
وأكد أنه في إطار بحثه في أبعاد هذه الجرائم فإنه توصل لوجود ازدواجية إسرائيلية في التعامل مع انتشار السلاح في الوسط العربي؛ ففي الوقت الذي تغض فيه السلطات الإسرائيلية النظر عن وصول السلاح لمجموعات إجرامية، وفي بعض الأوساط بالمجتمع العربي، فإنها تشن حملات اعتقال ومصادرة لمجرد تقديرها أن هذا السلاح يمكن أن يستخدم في إطار النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
وبيّن أن هذه الازدواجية تمتد أيضًا إلى منهجية التعامل مع تحقيقات الشرطة في هذه الجرائم، ففي حين يجري فك غموض أغلب جرائم القتل في الوسط اليهودي بنسبة لا تقل عن 70% منها، فإن نسبة 80% من جرائم القتل في الوسط العربي تبقى دون حل، ما يدلل على أن إسرائيل تتعامل مع الفلسطينيين العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية كمواطنين من الدرجة الثانية.
وعبر المرصد الأورومتوسطي عن قلقه من مؤشرات جدية على احتمالية وجود سياسة إسرائيلية رسمية وممنهجة تعمل على تغذية وشيوع
العنف الداخلي في المجتمع العربي في إسرائيل بهدف إضعافه وتفكيكه.
وأشار إلى أن تفشي البطالة في أوساط الشباب، وانتشار المخدرات تمثل عوامل إضافية تعمل على تغذية العنف الداخلي وزيادة جرائم القتل، مع غياب برامج التوعية والقيادة الموحدة للمجتمع العربي.
وطالب الأورومتوسطي الجهات الفاعلة في المجتمع العربي بأنشطة فعالة لتكريس الوعي المجتمعي بمخاطر جرائم القتل والعنف الداخلي وجميع مظاهر انتهاك الحق في الحياة.
كما أنه طالب السلطات الإسرائيلية بتحمل مسؤولياتها القانونية بحكم الواقع، وإجراء تحقيقات جدية في جرائم القتل، والتوقف عن تغذية العنف الداخلي وحماية العصابات الإجرامية.
وحث المجتمع الدولي على الضغط على إسرائيل لوقف سياسة المعايير المزدوجة ونظام الأبارتهايد الذي تمارسه ضد المجتمع العربي في إسرائيل.
وشدد على أن هناك حاجة لتحقيق مستقل تشرف عليه الأمم المتحدة، للتحقق من الدور الإسرائيلي في شيوع جرائم القتل في الوسط العربي، والتي بلغت حصيلة ضحاياها منذ عام 2000 نحو 1800 ضحية.