شارك رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام، في القمة الثانية والعشرين لرؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة سمرقند بأوزبكستان،
بصفة "ضيف شرف"، كما أجرى مع نظرائه المشاركين في القمة مباحثات ثنائية.
وعكست المقاطع واللقطات من لقاءات أردوغان مع قادة دول المنظمة؛ مدى الاهتمام الذي
حظي به الرئيس التركي في قمة سمرقند.
أردوغان في حديثه للصحفيين الأتراك ذكر أن علاقات تركيا مع منظمة شنغهاي
للتعاون ستتطور في السنوات القادمة، مضيفا أن الهدف النهائي من تلك الخطوات هو
الانضمام إلى هذه المنظمة التي تضم حاليا تحت مظلتها كلا من روسيا والصين والهند
وباكستان وإيران وقرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان وأوزبكستان. وأثارت هذه
التصريحات علامات استفهام حول مستقبل علاقات تركيا مع حلف شمالي الأطلسي
"الناتو" والدول الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، كما أعادت النقاش
القديم حول مدى ابتعاد أنقرة عن محور الغرب.
لا توجد حاليا بين أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون أي دولة عضو في الناتو، وإن
انضمت تركيا إلى المنظمة فسيكون ذلك سابقة مثيرة، إلا أن هناك من يرى في كلا
الطرفين أن تركيا يجب أن تخرج من الناتو كي تتمكن من الحصول على عضوية الثانية، في
ظل صراع الولايات المتحدة مع روسيا والصين. ولكن أنقرة ترى أنه لا تعارض بين
عضويتها في الناتو ورغبتها في الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، كما لا تنوي
الخروج من الناتو على الإطلاق، ولا ترى إحداهما بديلا للأخرى.
تركيا لم تعد منذ فترة تلك الدولة التي تدور في فلك واشنطن، بل تسعى إلى تعزيز قوتها، وترسيخ استقلالية قرارها لحماية أمنها القومي ومصالحها العليا. وهو ما يعتبره محللون ابتعادا عن الغرب، كما يحاول بعضهم أن يصوِّره كانزلاق نحو محور روسيا
تركيا لم تعد منذ فترة تلك الدولة التي تدور في فلك واشنطن، بل تسعى إلى
تعزيز قوتها، وترسيخ استقلالية قرارها لحماية أمنها القومي ومصالحها العليا. وهو
ما يعتبره محللون ابتعادا عن الغرب، كما يحاول بعضهم أن يصوِّره كانزلاق نحو محور
روسيا، إلا أن الحقيقة هي أن أنقرة ترسم لنفسها طريقا مستقلا بين جميع المحاور.
الولايات المتحدة، أكبر قوة في الناتو، لم تعد تعتبر تركيا حليفا، بل
تحاصرها من خلال قواعدها العسكرية المنتشرة في الأراضي اليونانية، ودعمها السخي
لأثينا، بالإضافة إلى تسليح القبارصة الروم، وتقديم كافة أنواع الدعم إلى حزب
العمال الكردستاني في سوريا. وكانت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، في
العاصمة الأرمينية يريفان قبل أيام، لتذرف دموع التماسيح وتهاجم تركيا وأذربيجان،
وتعلن وقوف واشنطن إلى جانب أرمينيا، على الرغم من أن الأخيرة هي المعتدية وأن
أذربيجان تدافع عن أراضيها وسيادتها ووحدة ترابها. ولذلك، لن نخطئ إن قلنا إن معظم
المشاكل التي تعاني منها تركيا الآن وكثيرا من المخاطر والتحديات التي تواجهها؛
مصدرها الولايات المتحدة.
المستشار الألماني أولاف شولتس عقب محادثة أجراها مع أردوغان على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، أعرب عن انزعاجه حيال تقرب تركيا من منظمة شنغهاي للتعاون. ومن المؤكد أن هناك آخرين في العواصم الغربية
يشتركون مع شولتس في الانزعاج من تصريحات الرئيس التركي حول رغبة بلاده في
الانضمام إلى المنظمة، التي يرى الغربيون أن روسيا والصين تهيمنان عليها. ولكن
السؤال الذي يطرح نفسه هو: "هل من حق هؤلاء الانزعاج من تقارب تركيا مع تلك
المنظمة؟".
الدول الأوروبية بما فيها ألمانيا هي الأخرى تمارس الازدواجية في تعاملها مع تركيا، وما زال الاتحاد الأوروبي يماطل في قبول انضمام تركيا إليه. وإضافة إلى ذلك، تدعم بعض الدول الأوروبية تنظيمات إرهابية تهدد أمن تركيا واستقرارها، وتقف إلى جانب اليونان ضد حقوق تركيا المشروعة في بحر إيجة
الدول الأوروبية بما فيها ألمانيا هي الأخرى تمارس الازدواجية في تعاملها
مع تركيا، وما زال الاتحاد الأوروبي يماطل في قبول انضمام تركيا إليه. وإضافة إلى
ذلك، تدعم بعض الدول الأوروبية تنظيمات إرهابية تهدد أمن تركيا واستقرارها، وتقف
إلى جانب اليونان ضد حقوق تركيا المشروعة في بحر إيجة. وبالتالي، ليس من حق الدول
الأوروبية، ولا من حق الولايات المتحدة، الاعتراض على توسيع تركيا علاقاتها مع دول
أخرى، مثل روسيا والصين.
انضمام تركيا إلى التكتل الدولي الذي يضم كبرى دول آسيا،
مثل روسيا والصين والهند، وأخرى صديقة لأنقرة، مثل باكستان، وثلاث جمهوريات تركية
من أعضاء منظمة الدول التركية، وهي قرغيزستان
وكازاخستان وأوزبكستان، سيكون بالتأكيد لصالحها، وإن قُبلت عضويتها في منظمة
شنغهاي فستكون تركيا من الدول الوازنة المؤثرة فيها بفضل علاقاتها الوثيقة مع كثير
من أعضائها.
تركيا بقيادة
أردوغان تبدي منذ فترة استياءها من النظام العالمي الحالي الذي يراعي فقط مصالح
الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، على حساب بقية أعضاء الأمم
المتحدة، وتطالب بنظام عالمي عادل ينصف كافة دول العالم وشعوبها. وجدَّد الرئيس
التركي هذه المطالبة في كلمته الثلاثاء، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وللإسهام في وصول العالم
إلى هذا الهدف النبيل، تخوض تركيا معارك في جبهات مختلفة، بما فيها حلف الناتو
ومنظمة شنغهاي.
twitter.com/ismail_yasa