لو كان لجملة واحدة أن تلخص مشاعر الشعوب العربية يوم الثلاثاء
الماضي، فهي ما قاله حارس مرمى منتخب
السعودية محمد العويس في إحدى القنوات
القطرية بعد
فوز منتخب بلاده على الأرجنتين بأن منتخبه لعب "على أرضه وبين
جمهوره".
لو قال هذه الجملة فنان أو مطرب ممن اشتهر عنهم حديث
المجاملات لقلنا إنها مجاملة من الحارس السعودي
لجارة بلاده قطر، ولكن ما قاله
العويس لم يكن سوى تعبير موفق ودقيق عن المشاعر العربية التي ملأت مدرجات الملعب
الذي شهد المباراة، وشوارع قطر، ووسائل التواصل الاجتماعي في كل البلاد العربية من
المحيط للخليج، وأمام شاشات التلفزة في كل بيت عربي.
لم يقتصر الوصف هذا على مباراة السعودية والأرجنتين،
بل امتد أيضا لمباراتي تونس والمغرب الناجحتين مع الدانمارك وكرواتيا، وسبقه كذلك
تفاعل العرب يوم افتتاح المونديال مع استضافة دولة عربية لأول مرة لأهم بطولة
رياضية في العالم.
ما تفعله مثل هذه المشاعر في مناسبات مختلفة، حتى لو كانت مناسبات بسيطة أو "تافهة" مثل الرياضة كما يراها البعض، هي أنها تؤكد المؤكد، وهو أننا أمة واحدة، نحزن لنفس الأحزان ونفرح لنفس الأفراح، وننتشي بنفس الانتصارات حتى لو كانت انتصارات صغيرة
ما تفعله مثل هذه المشاعر في مناسبات مختلفة، حتى لو
كانت مناسبات بسيطة أو "تافهة" مثل الرياضة كما يراها البعض، هي أنها
تؤكد المؤكد، وهو أننا أمة واحدة، نحزن لنفس الأحزان ونفرح لنفس الأفراح، وننتشي
بنفس الانتصارات حتى لو كانت انتصارات صغيرة في ملعب كروي.
امتلأ الفضاء الإلكتروني
بالفرح لفوز السعودية وتعادل
تونس والمغرب كما لو أن من فاز أو تعادل هو منتخب كل بلد عربي، لأن ما يجمع بيننا
روابط لا تموت: دين مشترك بالانتماء الفعلي أحيانا أو الحضاري أحياء أخرى، وعروبة
مشتركة لا شعوبية فيها ولا تناقض مع أبناء الوطن من القوميات الأخرى، ولغة مشتركة،
وجغرافيا وتاريخ مشترك، ورموز حقيقية ومتخيلة يتفق عليها غالبية أبناء هذه البقعة
الجغرافية من المحيط إلى الخليج.
لا توجد مجموعة من الدول أو الشعوب تجمع بينها مثل هذه
المشاعر أو الانتماء. لا اللغة الإنجليزية أو الفرنكفونية أو الإسبانية استطاعت أن
تصنع انتماء مشتركا يشبه انتماء شعوب المنطقة العربية لأمتهم، ولا الاشتراك في نفس
القارة خلق مثل هذه الروابط، بل كانت الحروب والتناقضات في كثير من الأحيان هي
الغالبة عند أبناء القارة الواحدة أو اللغة المشتركة في المناطق الأخرى من العالم.
لم تفز السعودية فقط على الأرجنتين بل فاز العرب بهمة وأقدام وإقدام لاعبي السعودية، ولم يتعادل التوانسة أو المغاربة فقط، بل العرب لعبوا معهم في المدرجات وخلف شاشات التلفاز ومواقع الإنترنت المقرصنة، ولم تنجح قطر فقط بتنظيم البطولة بل العرب جميعا
ثمة حقيقة أخرى أعاد التفاعل الشعبي العربي مع يوم
الانتصار الكروي السعودي على الأرجنتين التأكيد عليها، وهي أن نبض الناس ومشاعرهم
هو من يصنع البوصلة في العلاقة بين الشعوب في نهاية الأمر. لا الخلافات المصطنعة
بين أنظمة الحكم العربية، ولا تاريخ الصراعات الشائكة عديمة المعنى بينها يستطيع
أن يغير نبض الشعوب. قد تنجح الأنظمة في تأجيج المشاعر الوطنية بمعناها الانعزالي
أحيانا ولفترة محدودة، ولكنها لا يمكن أن تصل إلى تلك النقطة العميقة في قلوب
الغالبية العظمى من الشعوب العربية حيث تكمن مشاعر الأخوة والضمير المشترك والوحدة
بين أبناء هذه الشعوب.
يلوم البعض من فرحوا لانتصار هذا الفريق أو ذاك لأن
الأنظمة تستخدم الانتصارات الكروية لزيادة شعبيتها أو غسل أخطائها. وعلى الرغم من
الموقف من سياسات أي نظام عربي تجاه حقوق الإنسان أو سياسته الخارجية، إلا أن من
يفوز في الملعب هم الناس، ومن يفرح لهم هم الناس الذين يشبهونهم ولا يشبهون أصحاب
السياسة في شيء.
لم تفز السعودية فقط على الأرجنتين بل فاز العرب بهمة
وأقدام وإقدام لاعبي السعودية، ولم يتعادل التوانسة أو المغاربة فقط، بل العرب
لعبوا معهم في المدرجات وخلف شاشات التلفاز ومواقع الإنترنت المقرصنة، ولم تنجح
قطر فقط بتنظيم البطولة بل العرب جميعا. هذه حقائق دامغة لا تموت، ما دامت الروابط
التي تجمعنا قائمة، مهما حاول الانعزاليون إماتتها أو دفعت بعض الأنظمة لقتلها
لحساب شوفينية وطنية تستفيد منها النخب دون غيرها.
twitter.com/ferasabuhelal