مقابلات

وزير أردني سابق: لن تكون هناك مصالحة قريبة في سوريا

بريزات قال إن الأزمة السورية مسارها ما زال طويلا- عربي21
قال وزير الشباب الأردني السابق ورئيس مجلس إدارة نما للاستشارات الاستراتيجية، الدكتور فارس بريزات، إنه "لن تكون هناك مصالحة قريبة في سوريا؛ فالظروف الموضوعية لم تنضج بعد لإجراء مصالحة داخل سوريا أو بين الدولة السورية وجيرانها".

ورأى في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "مسار إنهاء الأزمة السورية لا زال طويلا، لأن القرار ليس قرارا أردنيا أو عربيا فقط، وإنما هو قرار إقليمي دولي فيما يتعلق بتسوية الأوضاع هناك، لكن هذا لا يمنع الأردن من أن يستمر بالمحاولات بين الحين والآخر".

وكان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، قد أعلن مؤخرا عن مبادرة بقيادة عربية قد تشمل السعودية، إضافة إلى دول أخرى لم يسمها، لاتباع نهج تدريجي، وقيادة حل للصراع السوري.
وأشاد بريزات بموقف الأردن فيما وصفه بتمكين الشباب، قائلا: "لقد تم تقديم الكثير من الوسائل التي يمكن للشباب من خلالها المشاركة بفعالية أكثر في السياسة والمجال العام"، مُعبّرا عن قناعته بأن "خفض سن الترشح للانتخابات البرلمانية من 30 إلى 25 عاما، خطوة ممتازة بالاتجاه الصحيح نحو خفض سن الترشح إلى 18 عاما".



وبريزات هو الشريك المؤسس ورئيس مجلس إدارة "شركة نماء للاستشارات الاستراتيجية" منذ عام 2016 وحتى الآن، وهو أستاذ مشارك في العلوم السياسية، حصل عام 2003 على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة "كنت" البريطانية، وماجستير في علم الاجتماع السياسي عام 1998 من الجامعة ذاتها، ودبلوم في حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي عام 1997 من جامعة "لوند" في السويد، وبكالوريوس في التاريخ من "جامعة مؤتة" في الأردن.

وشغل بريزات العديد من المناصب منها وزير الشباب منذ 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 وحتى 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، ومستشار أول ومدير الدراسات الاستراتيجية في مكتب الملك عبد الله الثاني في "الديوان الملكي الهاشمي" بين عامي 2012 و2016، وباحث مشارك ورئيس برنامج الرأي العام في "المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة" بين 2010 و2011.

كما شغل منصب رئيس قسم الأبحاث في معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية في جامعة قطر بين عامي 2009 و2010، ونائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية بين 2007 و2009، وباحث وأستاذ مساعد في المركز ذاته بين عامي 2003 و2007.

وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

ما تقييمكم لـ "رؤية التحديث الاقتصادي" والإصلاحات الاقتصادية في الأردن؟

رؤية الأردن 2033 هي برنامج اقتصادي تم إطلاقه بداية هذا الصيف، وهناك عدد كبير جدا من المبادرات التي تم التوافق عليها بين أكثر من 400 شخصية اقتصادية أردنية، لكي يتم العمل عليها خلال السنوات القادمة حتى عام 2033 لخلق مليون فرصة اقتصادية جديدة للأردنيين بحلول 2033، وتلك الفرص تتوزع على العديد من المحاور.

والمحور الذي تشرفت بقيادته هو محور السياحة، والذي سنعمل من خلاله على خلق 99 ألف فرصة عمل جديدة تُضاف إلى 54 ألف فرصة عمل موجودة الآن في هذا القطاع، وهذا يتطلب التوسع في الاستثمارات السياحية، لكي نتمكن من خلق فرص العمل تلك، ويتطلب هذا استثمارات تبلغ قيمتها 2.7 مليار دينار بحلول عام 2030.

وبالطبع ليس هذا هو المضمار الوحيد في الإصلاحات الاقتصادية أو رؤية التحديث الاقتصادي، وإنما أيضا هناك أكثر من 15 قطاعا آخر، وكل قطاع يحتوي على عدد من المبادرات والمشاريع التي ينبغي أن يتم تنفيذها، وهذا يحتاج إلى استثمارات تُقدر بـ 41 مليار دينار خلال السنوات القادمة، وطريقة الإنفاق على هذه المشاريع والمبادرات تعتمد على 70% من استثمارات القطاع الخاص و30% من الإنفاق الحكومي الرأسمالي، ويتطلب هذا تسهيل إجراءات الاستثمار المحلي والأجنبي.

وتلك الرؤى الطموحة تحتاج إلى تفعيل بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين، وتغيير قانون الاستثمار وهو الأمر الذي تم بالفعل. والآن أصبح لدينا قانون جديد اسمه قانون البيئة الاستثمارية، ويمنح كثيرا من الامتيازات للمستثمرين الأردنيين وغير الأردنيين، خصوصا في المناطق المُستهدفة الأقل تنمية في كافة أطراف المملكة.

لكن الأزمات الاقتصادية والمعيشية في البلاد باتت تتصاعد وسط مطالبات بضرورة إدخال إصلاحات جذرية في الملف الاقتصادي على وجه الخصوص.. ما تعقيبكم؟

بكل تأكيد بعد كورونا ارتفعت نسبة البطالة في الأردن ووصلت إلى حوالي 23% من الأردنيين، وبطالة الشباب قاربت على 50% تقريبا، وهذه أرقام مرتفعة، لكن هذه الأرقام بدأت تضمحل شيئا فشيئا بعد أن بدأ الاقتصاد بالتعافي التدريجي الآن، وخاصة في قطاع السياحة، ونأمل أن يتم الوصول إلى توظيف وتشغيل أكثر، خصوصا مع الإصلاحات الاقتصادية والإدارية التي تقوم الدولة بتنفيذها بكافة أطرافها سواء كانت الحكومة أو الأجهزة الأخرى ذات العلاقة.

ونحن ندرك تماما بأن الأردن يملك الكثير من القوى العاملة المُؤهلة والمُدربة التي تعمل في الداخل أو الخارج. ولدينا أكثر من 700 ألف أردني يعملون في دول الخليج، وهؤلاء يقومون بتحويل العوائد إلى الأردن لإعالة أهاليهم وما إلى ذلك.

باعتقادي أن المشاكل السياسية وعدم الاستقرار الأمني في دول الجوار مثل العراق وسوريا وفلسطين تؤثر سلبا علينا بشكل كبير، خصوصا أن هذه البلدان هي من أكبر الشركاء التجاريين للأردن، خصوصا في مجال النقل البري، لكن نأمل أن نتجاوز تلك المشاكل في ظل بعض التغيرات السياسية والأمنية التي نشهدها حاليا، وفي ظل السعي الأردني الدائم لجعل الأردن مرتكزا لمشاريع الربط الإقليمي مع السعودية والعراق ومصر وسوريا وفلسطين.

هل تعتقد أن التعديل الوزاري الأخير يساهم بالفعل في تحسين أداء الحكومة؟

نعم فيما يتعلق برؤية التحديث الاقتصادي؛ فقد انضمت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، زينة طوقان، إلى الفريق الوزاري بعدما كانت تعمل سابقا في الديوان الملكي كمستشارة ومديرة للدائرة الاقتصادية، وكانت من الذين أشرفوا بشكل مباشر على الرؤية الاقتصادية 2033. كما تفرّغ وزير التخطيط السابق، السيد ناصر الشريدة، لمنصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وتطوير الإدارة العامة. لذلك، أنا أعتقد أنه سيكون هناك تسريع في تنفيذ البرامج الإصلاحية سواء بما يتعلق بتطوير الاقتصاد أو بتطوير الإدارة العامة.

إلى أي مدى تم تطبيق مضمون الأوراق الملكية السبع؟

هذه الأوراق كان اسمها "الأوراق النقاشية"، وهي مجموعة من الأفكار التي طلب جلالة الملك مناقشتها في الفضاء العام بين النخب الأردنية. وهذه الأوراق تحتوي على أفكار الملك الرئيسية فيما يتعلق بتطوير الحياة السياسية، والأفكار التي طُرحت فيها تم تضمينها بقوانين من خلال رؤية التحديث السياسي التي تم بموجبها إنشاء 6 لجان مختلفة، منها لجنة قانون الانتخاب -التي تشرفت بأن أكون جزءا منها-، والأحزاب السياسية، والمرأة، والتعديلات الدستورية، والشباب، والإدارة المحلية.

وجميع الأفكار التي تمت مناقشتها على مدار سنوات في الأردن تم التوصل إلى توافقات عليها. وبلغ عدد أعضاء اللجنة الملكية لتطوير المنظومة السياسية نحو 90 عضوا يمثلون كافة الأطياف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالأردن، وتم التوافق فيما بينهم على هذه الوثيقة السياسية، وعلى مضمون قانون الأحزاب، ومضمون قانون الانتخاب، وعلى التعديلات الدستورية، وعلى دور المرأة، ودور الشباب، ونوع الإدارة المحلية التي نرغب بها.

وكل الإجراءات القانونية تم اتخاذها سواء كانت تعديلات دستورية أو إقرار قوانين بالأطر التشريعية المناسبة، والآن فيما يتعلق بقانوني الانتخاب والأحزاب تم إقرارها، والآن تقوم الأحزاب بتصويب أوضاعها بما يتلاءم مع قانون الأحزاب الجديد، وسيتم عقد الانتخابات البرلمانية القادمة بناءً على قانون الانتخاب الجديد، وهو الذي يمنح الأحزاب السياسية قائمة وطنية بـ 41 مقعدا من أصل 813 مقعدا تقريبا بين مقاعد مجلس النواب (أي نحو 30% من مقاعد المجلس للقائمة الوطنية)، وهذا يساعد على أن تقوم الأحزاب ببناء برامج عملية يتم على أساسها انتخابها. وطبعا لا نتوقع أن ننجح بنسبة 100% من أول مرة، لأن هذا يحتاج إلى كثير من التدريب والممارسة لكي تتمكن الأحزاب ويتمكن الناخبون أيضا من الوصول إلى القرارات السليمة بالنسبة لمصالحهم لكي يقوموا بالتصويت على أساسها.

أين الشباب من الحياة السياسية في الأردن؟ وهل هناك غياب أم تغييب لهم؟

باعتقادي تم تقديم الكثير من الوسائل التي يمكن للشباب من خلالها المشاركة بفعالية أكثر في السياسة والمجال العام. مثلا في القوائم الحزبية التي سيتم على أساسها انتخاب القوائم النسبية في الانتخابات البرلمانية القادمة يجب أن يكون من أول 5 مرشحين فيها من الشباب، وأيضا تكون هناك امرأة بين أول ثلاثة مرشحين.

وهناك أيضا فيما يتعلق بقانون الأحزاب يجب أن يكون 20% من الأعضاء من الشباب و20% من النساء، لكي نضمن بأن يكون هناك تمثيل لهؤلاء في المؤسسات الديمقراطية التي يتم بناؤها الآن. ولا يوجد تغييب للشباب؛ فعلى صعيد المشاركة السياسية التقليدية -أي من خلال الانتخاب- كانت فئة الشباب (17- 24) هي الفئة الأعلى مشاركة في انتخابات 2020.

لكن أحزاب المعارضة تقول إن السلطات تقوم بترهيب الشباب والتضييق عليهم بسبب الانتماء للأحزاب.. ما ردكم على ذلك؟

لم يكن في الأردن قانون يمنع مثل هذه الإجراءات بحق المنتمين للأحزاب السياسية، لكن الآن هناك نص قانوني يمنع ذلك صراحة، لأن كل مَن يتعرض لشخص بسبب انتمائه الحزبي أصبح متورطا في جريمة يُعاقب عليها القانون، وهذه إضافة نوعية جديدة تمنع أي جهة، وأي فرد، من التعرض لأي فرد آخر بسبب انتمائه الحزبي. وبالتالي فلا أحد يرغب بأن يُجرّم بارتكاب مثل هذا الفعل في المحاكم والقضاء.

الشيء الآخر أنه تم قبل أيام إقرار نظام العمل الحزبي داخل الجامعات الأردنية لأول مرة، وبموجب هذا النظام لا يستطيع أحد أن يتعرض لطلبة الجامعات الذين يرغبون بممارسة النشاط الحزبي ضمن الضوابط الموجودة سواء كانت بالقانون أو بالنظام، والأصل في الأشياء هو الإباحة، وهذا ما تم الاعتماد عليه لتعزيز مبدأ التنافس بين الشباب لكي يتمكنوا من الوصول للأحزاب السياسية والانخراط في العمل العام.

هناك تقرير بحثي أعدته شبكة الباروميتر العربي أظهر أن الأردن هو أكثر الشعوب العربية التي ترغب في الهجرة.. فما الأسباب الحقيقية التي تدفع الأردنيين للهجرة للخارج؟

هذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها استطلاعات رأي -بما فيها الاستطلاعات التي نقوم بتنفيذها في نما للاستشارات الاستراتيجية- تقول بأن هناك نسبة كبيرة من الأردنيين أغلبهم يرغبون بالهجرة من الأردن. وتتقلب النسب بين 15% في عام 2006 إلى 48% من الذين تقع أعمارهم ما بين 18 عاما وأكثر، وهذا الشيء متوقع نظرا للظروف الاقتصادية في ذات الاستطلاع الذي تحدثت عنه، وعندما تم السؤال عن السبب الأساسي للهجرة أرجع أكثر من 90% من الذين قالوا بأن لديهم الرغبة بالهجرة موقفهم إلى أسباب اقتصادية بحتة، وهي فرص عمل أفضل أو فرصة اقتصادية مختلفة، لكن في بلدان أخرى كان عدد الذين قالوا بأنهم يهاجرون بسبب الاقتصاد أقل من الذين قالوا بأنهم يهاجرون بسبب عدم الاستقرار الأمني أو السياسي.

على صعيد آخر، وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أعلن سابقا عن مبادرة بقيادة عربية قد تشمل السعودية، إضافة إلى دول أخرى لم يسمها، لاتباع نهج تدريجي، وقيادة حل للصراع السوري.. فما هي تفاصيل تلك المبادرة؟

الأردن منذ فترة وهو يعمل جاهدا لإيجاد حل سلمي للحرب الدائرة في سوريا الشقيقة، ولكن هناك عدة عوامل تحول دون ذلك. أحد هذه العوامل هو قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على كل مَن يتعامل مع النظام السوري، والشيء الآخر بأنه لا يوجد هناك عملية سياسية عليها اتفاق بين المعارضات السورية المتعددة وبين النظام السوري. الموضوع الثالث أن هناك قوى كثيرة جدا تتدخل في الشأن السوري سواء كانت مع المعارضات المتعددة أو مع النظام السوري وتفرض مصالحها في وعلى سوريا، وعلى المنطقة العربية أيضا مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل.

وهناك أيضا بالنسبة للأردن حرب مخدرات وتهريب أسلحة وتهريب بشر على الحدود الشمالية، لذلك الأردن يحاول جاهدا أن يضع حدا لمثل هذه الخروقات، بما في ذلك مُسيّرات كانت تدخل إلى الحدود الأردنية، وتم اعتراضها من قِبل الجيش الأردني. ولا زالت هذه المعركة مستمرة، لأن بلدنا يتصدى لكم كبير جدا من محاولات الاختراق وتهريب المخدرات إلى الأردن سواء كانت تستهدف الأردن أو تستهدف الخليج.

والمحاولات التي يقوم بها الأردن بين الحين والآخر تهدف إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية وإلى الحاضنة العربية، وهذا يتطلب أن يقوم النظام السوري باتخاذ إجراءات على أرض الواقع تُمكّن مَن يسعى لإجراء مصالحة داخل سوريا وبين سوريا والدول العربية من المضي قدما في مثل هذه المبادرات.

وباعتقادي، المسار لا زال طويلا في هذا المضمار، لأن القرار ليس قرارا أردنيا وليس قرارا عربيا فقط، وإنما هو قرار إقليمي دولي فيما يتعلق بتسوية الأوضاع في سوريا، لكن هذا لا يمنع الأردن من أن يستمر بالمحاولات بين الحين والآخر.

وبالتالي، هل أنت متفائل أم لا بالطرح الذي أشار إليه أيمن الصفدي؟

أنا أعتقد أن الظروف الموضوعية لم تنضج بعد لإجراء مصالحة داخل سوريا أو بين الدولة السورية وجيرانها. هناك تواصل لم ينقطع بين الأجهزة العسكرية والأمنية الأردنية والتركية وغيرها مع الأجهزة العسكرية والأمنية السورية لكي تضمن أقل قدر ممكن من التنسيق فيما يتعلق بأمن الحدود وعبور الناس بين سوريا وجيرانها، ولكن هذا لا يكفي؛ فهناك الكثير من الأمور والقضايا التي لم يتم إنجازها بعد.

وفق تقديرك، متى يمكن أن نشهد انتهاء للأزمة السورية؟

المعارضات السورية المتعددة انشقت إلى معارضات أكثر وأكثر، وكل عام يمضي نشهد نموا وتزايدا بعدد المعارضات وقلة في عدد المنتسبين إليها سواء كانت داخل أو خارج سوريا. وحقيقةً الحرب الأهلية أنهكت الجميع سواء على مستوى النظام أو المعارضات المختلفة، وأنا عندما أقول المعارضات أتحدث عن كافة أطياف المعارضات السورية في الداخل أو الخارج، وكما قلت إن الظروف الموضوعية لم تنضج بعد بين السوريين ذاتهم للقيام بإجراء مصالحة، ولذلك فأنا لست متفائلا بأنه ستكون هناك مصالحة قريبة في سوريا للأسف.