قالت
صحيفة "
التايمز" إن
الغرب وأوكرانيا يحاولون تغيير معادلة الدعم الأفريقي
لروسيا.
وأضافت
في تقرير أن التصويت غير المقنع الذي عقدته الأمم المتحدة هذا العام لشجب غزو الرئيس
بوتين لأوكرانيا أكد ما شك فيه الخبراء ومنذ أمد طويل وهو أن التكالب على
أفريقيا كان
جاريا.
ورفضت
22 دولة أفريقية شجب
روسيا بسبب الحرب. ولم تشجب المجموعة نفسها بعد أشهر قرار موسكو
ضم مناطق في أوكرانيا. وربما تتراجع القوات الروسية في الحرب وبدون أصدقاء على الساحة
الدولية، إلا أنه يمكنها التعويل على الدعم الواسع من أفريقيا التي ظلت ولقرون ملعبا
للقوى العظمى.
فعلى
مدى العقد الماضي، بات القادة من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى السودان معجبين بالقوة
الروسية وماركتها القاسية.
وفي
يوم الجمعة قال الرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي إن بلاده ستعمل في العام المقبل
على ترك بصماتها على القارة وفتح مزيد من السفارات فيها.
ويأتي
التعهد في أعقاب قمة واشنطن التي استقبل فيها الرئيس جو بايدن قادة الدول الأفريقية
وحاول تغيير مواقفهم من خلال العقود التجارية المغرية. ولكن الخبراء يقولون إن المعركة
الغربية على أفريقيا خاسرة على ما يبدو نظرا للتصرفات البلطجية للمرتزقة الروس والمشاعر
المعادية للاستعمار والمتزايدة في دول القارة.
ومن
الدول التي امتنعت عن التصويت، كانت جنوب أفريقيا التي تتمتع بعلاقات اقتصادية وأمنية
قوية مع روسيا، ويوغندا التي تخفت وراء ستار الحياد، وجمهورية أفريقيا الوسطى التي
يسرح ويمرح فيها مرتزقة فاغنر لفرض النظام، وهم نفس المرتزقة الذين يقاتلون اليوم في
أوكرانيا.
وتضيف
الصحيفة أن زيادة التأثير الروسي هو تأكيد على
العلاقات المتغيرة مع أكثر القارات نموا
في العالم. ففي السنوات الأخيرة خسرت الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية السابقة
مثل بريطانيا وفرنسا الساحة أمام تقدم الصين وروسيا ولاعبين أصغر مثل تركيا ودول الخليج.
وباتت أفريقيا حافلة بمشاريع البنى التحتية الصينية ومدمنة على القروض من بكين.
أما
روسيا فتقوم باستعراض عضلاتها ونشر التضليل الإعلامي ونهب المصادر الطبيعية ودعم الأنظمة
المستبدة. وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، هزم مرتزقة فاغنر قوات المتمردين وفرضوا حسا
من النظام، حتى مع تحقيقات الأمم المتحدة التي أظهرت استخدام فاغنر العنف المفرط والقتل
الذي لا يميز واحتلال المدارس والنهب على قاعدة واسعة. وكل ما أرادوه مقابل خدماتهم
هي رخصة لتصدير كميات كبيرة من الماس والذهب والأخشاب.
ووصفهم
وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن هذا الشهر بأنهم "يهددون الاستقرار ويقوضون
الحكم الرشيد ويسرقون ثروات الدول المعدنية وينتهكون حقوق الإنسان".
ورغم
هذا فالكثير من الأفارقة يعتبرون أوكرانيا دمية غربية، وليس لدى روسيا تاريخ استعماري
في القارة بل ودعمت حركات التحرر من الاستعمار وكفاح جنوب أفريقيا ضد التمييز العنصري.
وقالت
إنريكا بيكو، مديرة برنامج وسط أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية ببروكسل: " من
جانبنا فهو مثل استبدال قوة استعمارية بأخرى، إلا أن روسيا استخدمت النقاش حول السيادة
وقالت إن وجودها يعطي الحكومات المحلية الحرية باختيار حلفائها وخوض حروبها بدون قيود".
هذا إلى جانب الدعاية على منصات التواصل الاجتماعي والتي أقنعت الرأي العام في وسط
وغرب أفريقيا.
وتتردد
دول باتخاذ مواقف من الحرب في أوكرانيا في وقت تواجه هي نفسها حروبا مستعصية مثل النزاع
في تيغراي في إثيوبيا، والهجمات الإرهابية المستمرة في منطقة الساحل، والتمرد في جمهورية
الكونغو الديمقراطية.
كما
تشعر دول أخرى بالحنق مما تراه محاضرات أوروبا عليها بشأن حقوق الإنسان.
ولخصت
بيكو المنظور الأفريقي بالآتي: "إنها ليست حربا أفريقية، وعليه تستطيع الدول الأفريقية
حماية مصالحها بدون النظر للأطراف".
وقبل
الغزو الروسي، كانت أوكرانيا واحدة من أهم مصدري السلاح إلى القارة حيث تم إرسال مقاتلاتها
ودباباتها إلى منطقة الصحراء، بل وشاركت القوات الأوكرانية في مهام قتالية في أفريقيا،
بما فيها جمهورية الكونغو الديمقراطية. لكن الخبراء يرون أن أوكرانيا لا تستطيع المنافسة
مع روسيا في القارة.
وقال
أليكس فاينز، مدير برنامج أفريقيا بتشاتام هاوس في لندن: "لم تعط أوكرانيا الأولوية
لأفريقيا، ولم يكتشف دبلوماسيوها في نيويورك أهمية الدول الأفريقية في الأمم المتحدة
وأن لديها 54 صوتا، كما أن معاملة الطلاب الأفارقة في أوكرانيا الذين منعوا من دخول
الحدود الأفريقية بعد الغزو مباشرة لم يتم تلقيها برضا في القارة".
وحاولت
أوكرانيا كسب الأفارقة من خلال مبادرة الحبوب الإنسانية لنقل الحبوب إلى شرق أفريقيا،
وبعدما حاصرت روسيا خطوط الشحن في البحر الأسود، وبدون طرق للنقل ووسط أزمة جفاف لم
تمر على القارة الأفريقية منذ 40 عاما وفيها الناس جوعى فالمبادرة لم تتحقق.
ويرى
وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا أن كل صاروخ روسي لا يصيب أوكرانيا فقط ولكن
يؤثر على نوعية الحياة في أفريقيا. ودعا في رحلة له قبل فترة لأفريقيا الدول فيها
"لعدم البقاء على الحياد" لأن "الحياد سيشجع روسيا على عدوانها والنشاطات
الخبيثة حول العالم بما فيه أفريقيا".
الكثير
من دول القارة لا تحمل روسيا مسؤولية زيادة أسعار الحبوب والوقود. ففي بوركينا فاسو
ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى يحمل الكثيرون فيها فرنسا المسؤولية إلى جانب شركات
النفط الفرنسية.
وعندما
شهدت بوركينا فاسو انقلابها الثاني في عام، رفع أنصاره العلم الروسي أمام السفارة الفرنسية.
واستعانت مالي في العام الماضي بمرتزقة فاغنر بعد إخراجها القوات الفرنسية التي ساعدت
في قتال المتشددين الإسلاميين. ويقدر الخبراء عدد المرتزقة الروس في أفريقيا بحوالي
5.000 شخص، ولو حصلت موسكو على حق بناء قاعدة عسكرية على ميناء سوداني فسيمتد تأثيرها
في معظم منطقة الصحراء.
ويأمل
الأوروبيون بتراجع المد الروسي نتيجة لنشر فاغنر في أوكرانيا والعقوبات التي فرضها
الغرب على موسكو.
وقال
فاينز : "حتى إريتريا التي كانت أول دولة أفريقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة
تدعم روسيا، إلا أنها امتنعت عن التصويت، وهناك عدد قليل من الدول الأفريقية يعبر وبشكل
علني عن دعم روسيا".
وفي
الأسبوع الماضي كان المغرب أول دولة أفريقية تزود أوكرانيا بالسلاح. وحتى لو تراجع
الدعم العام لروسيا إلا أن سلطتها ستظل.
وتقول
بيكو إن عمليات فاغنر في دول أفريقيا غير مكلفة وتقوم على توفير عدد من المرتزقة والمعدات
ويحصلون على رواتبهم من المصادر التي يستخرجونها من الدولة العاملين فيها. و"الحفاظ
على العمليات يعني حضورا على مستوى عال في القارة وتأكيد الخطاب الذي يقول إن مرتزقة
فاغنر نجحوا".