الثالث عشر من شهر كانون الثاني (يناير) الجاري، موعد سيشهد جولة أخرى من جولات "الحرب"
المغربية ـ
الجزائرية غير المعلنة والمستمرة منذ إعلان الجزائر عن قطع علاقتها بالجار الغربي، من جانب واحد، وإغلاق الأجواء الجوية في وجه طائراته وتوقيف تصدير الغاز عبره وغيرها من الإجراءات "السيادية" الأخرى.
فمنذ يوم وقوف رمطان لعمامرة لتلاوة بيان القطيعة الذي استحضر محطات
"خلافية" ميزت، من وجهة النظر الجزائرية، مسار العلاقة بين البلدين منذ
"الاستقلال" عن المستعمر الفرنسي، لم تتوقف آلة الهدم ومعول التخريب في
الدفع بالبلدين إلى نقطة اللا عودة التي قد لا يتمناها أحد لكنها تبدو، أكثر من أي
وقت مضى، ضرورة لتحريك المياه الآسنة: الحرب. ففي حواره مع جريدة لوفيغارو قبل
أيام، أعلن الرئيس عبد المجيد تبون أن قطع
العلاقات مع المغرب كان البديل عن الحرب، قبل أن يؤكد أن لا وساطة في الأفق مع الرباط، وهو أول تلويح رسمي من أحد أطراف
الصراع المحتدم باحتمالية الدخول في حرب؛ لأن قطع العلاقات لم يكن يوما بديلا عنها بل محفزا على اندلاعها. الحوار هو الطريق
المتعارف عليها لتفادي الحروب وحل الخلافات، وهو أمر لم يتوقف المغرب، من خلال
أعلى سلطة فيه، من الدعوة إليه وتأكيد جدواه.
في الثالث عشر من شهر كانون الثاني (يناير) سيشهد ملعب "نيلسون
مانديلا" بِبراقي، إحدى ضواحي العاصمة، فعاليات حفل افتتاح كأس أفريقيا
للمحليين المعروفة اختصارا باسم "الشأن"، وهو حفل سيحضره حسب الإعلام
الجزائري، كل من جياني أنفانتينو وباتريس موتسيبي، رئيسا الفيفا والكاف تواليا،
بالإضافة لشخصيات أخرى رسمية ورياضية من مختلف البلدان. الشأن الذي تعول عليه الجزائر لتدعيم ملف ترشيحها لاحتضان منافسات كأس أفريقيا للعام 2025، في مواجهة
جارها الغربي الطامح أيضا للظفر بالتنظيم. وكأن ضراوة الخلافات المستعرة بين
البلدين لا تحتاج لمزيد من صب الزيت على النار، تشاء روزنامة التظاهرات العالمية
أن يحتضن المغرب في نفس يوم الافتتاح، الثالث عشر من شهر كانون الثاني (يناير)،
حفل قرعة كأس العالم للأندية "الموندياليتو"، كما حددته الفيفا،
استعدادا لهذا الحدث العالمي، الذي ستشهد الملاعب المغربية أطواره بالتوازي مع
مقابلات الأدوار الختامية من "الشان" الجزائري. حفل القرعة المعلن عنه
سيتم بحضور كل من جياني أنفانتينو وباتريس موتسيبي، رئيسا الفيفا والكاف تواليا،
بالإضافة لشخصيات أخرى رسمية ورياضية من مختلف البلدان. هل هي الصدفة أم هو قدر
البلدان ألا يفترقا، ولو في مجالات التنابز والمنافسة والدسائس ولعبة الكواليس؟
ليست المشكلة في دعوة الرئيسين للحضور في محفلين أحدهما عالمي والآخر
قاري في بلدين جارين، فوسائل النقل الجوية والقرب الجغرافي يمنحان الرجلان فرصة
"جبر الخواطر" وإرضاء الجانبين. لكن المشكلة مرتبطة بالأساس بموقف، لم
يعلن بعد بشكل رسمي لكن المؤشرات كلها تدل عليه، يقضي برفض السلطات الجزائرية لطلب
وجهه الاتحاد المغربي لكرة القدم للجنة الكاف التنظيمية للشان، يطلب فيه تمكينه من
رحلة مباشرة من المغرب في اتجاه المطارات الجزائرية شرطا أساسيا للمشاركة والحضور.
موافقة السلطات بالجزائر تعني كسرا لـ "الحصار الجوي" المفروض على
الطائرات المغربية وتراجعا عن قرار سياسي "سيادي".
في الثالث عشر من شهر كانون الثاني (يناير)، ستضطر الجزائر لفتح أجوائها لرحلة أو رحلات مباشرة من المغرب تقل إنفانتينو وموتسيبي وغيرهما من الأعضاء المدعوين لحفل افتتاح "الشأن". يومها، سيصبح شعار "خاوة خاوة" ومعه أي حديث عن السعي للحفاظ على العلاقات بين الشعبين بمعزل عن "تصرفات المخزن" حديثا بلا معنى.
ومعلوم أن المغرب لم
يقاطع يوما تظاهرة رياضية منظمة بالجزائر متجشما عناء السفر إلى الجارة الأبعد
تونس، دون المرور عبر الأجواء الجزائرية، ثم العودة عكسيا في مشهد سوريالي، يلغي أي
حدود فاصلة ممكنة بين السياسة والرياضة، كما يدعي الكثيرون السعي لتكريسها. وبالرغم
من التضييقات على الوفود الصحفية المرافقة والحيلولة دونها وتغطية المشاركات
المغربية، وحجزها بالمطارات ومنعها من الدخول وغيره من الممارسات، حافظ المغرب على الحضور، حتى انتهى الأمر بما تعرض له أطفال، مثلوا بلدهم في بطولة العرب لأقل من سبعة عشر
سنة، من ضرب واعتداء داخل الملعب الذي احتضن المباراة النهائية، ضد منتخب البلد
المضيف وانتهت بفوز المنتخب الجزائري بضربات الترجيح.
في الثالث عشر من شهر كانون الثاني (يناير)، ستضطر الجزائر لفتح
أجوائها لرحلة أو رحلات مباشرة من المغرب تقل إنفانتينو وموتسيبي وغيرهما من
الأعضاء المدعوين لحفل افتتاح "الشأن". يومها، سيصبح شعار "خاوة
خاوة" ومعه أي حديث عن السعي للحفاظ على العلاقات بين الشعبين بمعزل عن
"تصرفات المخزن" حديثا بلا معنى. وسيتأكد من لا يزال عنده شك أن السلطة
في الجزائر تتخذ من العداء للمغرب عقيدة لا رجعة عنها، وأن بعض التصريحات
الديبلوماسية الموجهة للخارج، ما هي إلا محاولات لرفع الحرج أو التنصل من واقع مرير
ملؤه الحقد والضغينة والسعي المتأصل للإضرار.
في حواره مع جريدة لوفيغارو، وصف الرئيس عبد المجيد تبون وصول
المنتخب المغربي للمربع الذهبي، في كأس العالم بقطر، بـ"المشرف للكرة العربية
والمغاربية"، وذكر بالقول: "لقد شجعونا عندما فزنا بكأس الأمم الأفريقية
2019". ما نسي الرئيس التذكير به هو مبادرة ملك المغرب بإرسال برقية تهنئة
أشاد فيها بأداء الفريق الجزائري وقتها. أما في 2022، فقد شهد العالم كله كيف أصر
التلفزيون ووكالة الأنباء، ومعهما عدد من الجرائد الرسمية الناطقة باسم الحكومة
الجزائرية، التغطية على نتائج "أسود الأطلس" وتفادي الحديث عنها، ولو
اقتضى الأمر "أخطاء في قسم الجرافيك" تقفز عن الحقيقة الساطعة، تماما
كما حدث لنفس القسم الفني، وهو يقضم الصحراء من خريطة المغرب غداة تغطية قناة
الجزائر الدولية لفعاليات القمة العربية الأخيرة.
الأنكى أن التلفزيون الرسمي لم يجد، في عز الفخر بما حققه المغرب
هناك بالدوحة، غير عرض "فيلم" اعتبره "تحقيقيا" يكشف تفاصيل
مخطط إجرامي مغربي للاستغلال الجنسي للأطفال الجزائريين عبر مواقع التواصل
الاجتماعي. الرئيس عبد المجيد تبون كان تمنى، وهو يحضر افتتاح المونديال، أن نشهد
يوما ما دولتين عربيتين في نهائي كأس العالم. منتخب المغرب كان قريبا من تحقيق
أمنية الرئيس لكنه لا يزال، حتى اللحظة، في انتظار السماح له بالتوجه إلى قسنطينة
في العاشر من كانون الثاني/يناير للمشاركة في البطولة الأفريقية للمحليين.