يتصاعد التوتر مجدداً بين
تركيا واليونان
على خلفية استمرار أثينا في الرفع من سقف إجراءاتها الاستفزازية وآخرها تلك
المتعلقة بتصريحاتها حيال الخلاف مع أنقرة في بحر إيجة. في نهاية شهر كانون الأول
(ديسمبر) 2022، تحدثت العديد من وسائل الإعلام
اليونانية عن نيّة أثينا توسيع الحدود
البحرية للبلاد في منطقة بحر إيجة من 6 ميل بحري إلى 12 ميل بحري وأنّ الحكومة
اليونانية تستعد لتنفيذ ذلك جنوب وغرب جزيرة كريت مع بداية شهر آذار (مارس) 2023.
وردّاً على هذا الموقف، قال وزير الخارجية
التركي مولود تشاووش خلال الاجتماع السنوي لوزارة الخارجية والذي عُقد نهاية العام
إنّ بلاده لن تسمح لليونان بتوسيع حدود مياهها الإقليمية البحرية ولو ميلاً واحداً
في المياه الإقليمية لبحر إيجة. وحذر تشاووش أوغلو اليونان من الانجرار خلف ما
وصفها بالمغامرات والجري وراء عنتريات زائفة، قائلا "النهاية لن تكون جيدة
لكم أبداً".
ويعود الخلاف بين الطرفين في بحر إيجة إلى
عقود طويلة، ويمكن إيجازه بثلاثة إشكالات رئيسية تتعلّق بـ: المياه الإقليمية
والجرف القاري، والمجال الجوي، والجزر. فيما يتعلّق بالجزر، تقوم اليونان منذ بضعة
سنوات بتسليح الجزر القريبة جداً من الساحل التركي ونشر معدّات عسكرية فيها، وذلك
بخلاف الاتفاقيات الدولية التي تنازلت أنقرة بموجبها عن بعض هذه الجزر إلى اليونان
مقابل إبقائها منزوعة السلاح. وتحظر معاهدة لوزان 1923 وباريس 1947 على اليونان
القيام بنشر أسلحة ومعدات عسكرية في الجزر، لكنّ الجانب اليوناني قرّر تجاهل ذلك ويقوم
بشكل دوري بارسال أسلحة ومعدات عسكري كان آخرها معدّات عسكرية ومدرّعات أمريكية
قامت المُسيّرات التركية برصدها وتصويرها وتوثيق عملية إنزالها.
يعود الخلاف بين الطرفين في بحر إيجة إلى عقود طويلة، ويمكن إيجازه بثلاثة إشكالات رئيسية تتعلّق بـ: المياه الإقليمية والجرف القاري، والمجال الجوي، والجزر.
علاوةً على ذلك تتذرّع اليونان ببعض الجزر
التابعة لها والتي لا تبعد أكثر من 1 ميل عن الساحل التركي لتبني وجهة نظر توسّعية
فيما يتعلق بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها والجرف القاري في
بحر ايجه والبحر المتوسط، وبشكل يعزل تركيا ويحرمها من إمكانية إنشاء منطقة جرف
قاري، ويحصر المنطقة البحرية التركية في خليج أنطاليا فقط. وتتذرّع اليونان في
تبرير هذه الرؤية التوسعية باتفاقية قانون البحار، وتجادل رسميا وعبر وسائل
اعلامها والمحسوبين عليها بأنّ الإتفاقية تسمح لها بذلك وأنّ موقف تركيا غير قانون
لأنّ أنقرة ليست عضواً في قانون البحار.
ويعتبر التبرير اليوناني مُضلّلاً لعدّة
أسباب من بينها أنّه لا يمكن إلزام الطرف غير العضو في اتفاقية قانون البحار بما
نصّ عليه الاتفاق، وأنّ عضوية الإتفاقية لا تعني بشكل آلي أنّ الدولة المعنيّة
ملتزمة بالقانون الدولي وأنّ الدولة غير العضو مخالفة للقانون الدولي أو تخرقه،
وأخيراً أنّ الإتفاقية كما هو الحال بالنسبة إلى القانون الدولي تتضمن مبدأ
العدالة والإنصاف وهو مبدأ يسمو على بعض القوانين والأعراف خاصة تلك المعنيّة
بالترسيم الحدودي البحري، لكن عادة ما يتم تجاهله من قبل اليونانيين.
وفيما يتعلّق بالمجال الجوي، عادة ما يكون
هذا المجال وفقاً للقانون الدولي مُطابقاً لحدود البلاد، ولا يجب أن يكون مختلفاً
عنها، لكنّ الجانب اليوناني، قام من تلقاء نفسه بتوسيع حدود مجاله الجوي من 6
أميال إلى 10 أميال في الثلاثينيات من القرن الماضي، لكنّ الجانب التركي لا يعترف
بهذا التوسيع ويؤكد أنه مخالف للقانون الدولي. فضلاً عن ذلك، يعمد الجانب التركي
دوما إلى أن تتواجد مقاتلات له بين الفينة والأخرى في الأربعة أميال الإضافية
للتأكيد على عدم قانونيّة الإعلان اليوناني من الناحية الرسمية والعملية، وهو الأمر
الذي تعتبر اليونان بشكل غير محق بأنّه خرق لحدود مجالها الجوي.
أخيراً، يعتبر الخلاف على ترسيم الحدود
البحريّة الأهم بين الطرفين نظراً لحساسيّته أولاً، ولما يترتب عنه من نتائج
ثانياً. وتسعى اليونان منذ عقود إلى توسيع حدود مياهها الإقليمية من 6 أميال بحرية
إلى 12 ميل بحري بحجّة أنّ اتفاق قانون البحار يسمح لها بذلك. لكنّ أثينا تتجاهل
أنّه لا يمكن للطرفين أن يعتمدا قاعدة 12 ميل بحري بسبب الخصوصية الجغرافية
والمساحة، ولذلك ظلّ الطرفان التركي واليوناني يعتمدان قاعدة الـ6 أميال بحرية
لعقود طويلة.
فضلاً عن ذلك، فإن اعتماد اليونان قاعدة 12
ميل بحري ستخلّ تماماً بمبدأ العدالة والإنصاف وهو مبدأ راسخ في القانون الدولي
ويسمو على بعض ما ورد في إتفاقية قانون البحار بخصوص الترسيم، لأنّ 12 ميل بحري
يعني أنّ بحر إيجه أصبح بمثابة بحيرة يونانية، وأنّ ما يزيد عن 70% منه سيصبح مياه
إقليمية يونانية وحوالي 20% إضافية منه سيتم تصنيفها كمنطقة أعلى البحار لكنّها
ستكون خاضعة للجرف القاري اليوناني، وبذلك تتقلّص المساحة المتاحة لتركيا إلى
حوالي 8% فقط م نمياه بحر إيجة. ويستتبع هذ التقليص منع التواصل بين البحر الأسود
والمضائق التركية من جهة وبحر إيجه والبحر المتوسط من جهة أخرى حيث يتم حشر الجانب
التركي في الجزء الأوّل فقط، ويجري منعه من الوصول إلى الجانب الثاني.
ولهذا السبب بالتحديد، فقد أعلن البرلمان
التركي في عام 1995، بأنّ قيام اليونان بتغيير حدودها البحرية إلى 12 ميل من جانب
واحد سيكون بمثابة إعلان إعلان حرب على انقرة، وأنّ الجانب التركي سيرد انطلاقاً
من هذا التوصيف. انطلاقاً من هذه الوضعية، لا يزال الجانب التركي يرى الأمور بنفس
هذا المنظار، ولهذا السبب بالتحديد، فإنّ الاستفزاز اليوناني هو بمثابة محاولة
للعب بالنار، قد تنتهي بما لا يُحمد عُقباه. صحيح أنّ الجدل اليوناني قد يكون
بمثابة جزء من مسرحيّة الاستهلاك المحلي قبيل الإنتخابات المقبلة في أثينا، لكنّ
الرد التركي يُعبّر عن موقف مبدئي وإن كان يتصادف هو الآخر مع انتخابات مقبلة.