أي متعة وأي استفادة خرجت بها بعد الانتهاء من قراءة
كتاب
''المراجعات والبدائل: أي أسس لفكر سياسي مجدد؟" للرئيس والمعلم ورفيق النضال
الدكتور
المنصف المرزوقي.
خلاصة خلاصة تجربة الدكتور المرزوقي في السياسة وفي الحياة .. وأي
تجربة!
تلخيص مكثف لتاريخ الكون والبشرية وللقواعد والسنن الموضوعية الكبرى
التي حكمت ذلك التاريخ منذ بداية الخلق .. وانطلاق من تلك القواعد لاستشراف
التطورات القادمة في الكون والكرة الأرضية والأمة بمنهجية علمية وبقراءة منطقية
تنبع من ثقافة تراكمية متعددة المصادر.
كم كان سبر الكاتب لأغوار المشروع الإنساني وقواعده ووسائل تحقيقه
لأهدافه في البقاء وتحسين الواقع والتصدي للصعوبات والتحديات (أي التكنولوجيا
والإيديولوجيا) بديعا.
كم كان نقده عنيفا للإيديولوجيات التي يتخذها الإنسان المعاصر مرجعية
ومنهجا لفهم العالم وأداة للتجميع وطاقة لخوض المعارك وبوصلة للفعل السياسي، والتي
تحولت لدى الكثيرين الذين يعتبرونها نظارات يرون بها الواقع إلى غشاء سميك على
أعينهم يحرمهم من فهم المتغيرات الكبرى والتحديات العظيمة.
كم كان موقفه حكيما في اعتبار الإيديولوجيات الخمس التي هيمنت على
البشرية وخاصة على أمتنا (الوطنية/ القومية، التقدمية، الليبرالية، حقوق
الإنسان /الديمقراطية، الإسلام السياسي) كلها "تجاربنا" القابلة
للتقييم والتفكيك واستخلاص الدروس بتحرر ذاتي يسمح بالخروج من طوق التبعية
والتوظيف إلى أفق التأثير والتغيير.
أهم ما في الكتاب أنه يسعى إلى توجيه البوصلة نحو التحديات المصيرية
التي تواجه الإنسانية، تحديات الأمن والسلام، والتحديات المناخية والوبائية،
والتحدي التكنولوجي. وأنه يحاول القطع مع الجدل الإيديولوجي العقيم بخصوص الاقتصاد
والسياسة والهوية، ليقدم عناصر موضوعية تمكن القارئ بمنهجية سلسة مرتكزة على التساؤلات
من إدراك حدود التصورات المطروحة اليوم واستخلاص ما يجب فعله في هذه المجالات من
أجل انتصار المشروع الإنساني التحرري العادل.
الكتاب يعيد تعريف السياسة بما هي نضال من أجل حياة أفضل للجميع،
ويتوسع في تحليل آليات النضال القديمة والقادمة وأشكال الالتزام الاجتماعي
المنبثقة من الطبيعة البشرية والمؤثرة فيها، ليصل إلى خلاصة الخلاصات المتمثلة في
علوية المنظومة القيمية الأخلاقية القادرة على تحقيق مصلحة الفرد دون الإضرار
بمصالح المجموعة والضامنة لحماية المجتمع من العنف والاستغلال والأزمة لحماية
الجنس البشري وضمان تواصل مشروعه.
الدكتور المرزوقي قسم الفاعلين في الشأن العام إلى مفترس يعتبر
السياسة معركة والسلطة غنيمة ولا يتردد في استعمال العنف والخديعة، وإنسان فريسة
مستكين يخشى المواجهة ويرضى بالتنازلات على حساب مبادئه، وإنسان فارس يتصدى
للمفترس وينتصر للفريسة ويدافع عن الحق ويتحمل في سبيل ذلك الأذى من الاثنين
ويحترق أحيانا ليضيء الدرب ويشيع الدفء للآخرين ويساهم في تواصل المشروع الإنساني.
ويشهد الله أن الدكتور المرزوقي عاش فارسا قام بواجبه وزيادة، وكانت
بوصلته دائما متجهة إلى الحرية والقيم الإنسانية العليا، رغم كل ما ناله في سبيل
ذلك من أذى وتشويه وجحود.