نشر موقع "
ميدل إيست آي" تقريرا عن وضع
الأطباء في
مصر الذين اختاروا مغادرة البلاد في ظل تردي نظام الرعاية الصحي الحكومي والأجور المنخفضة ونقص تمويل المستشفيات.
وأشار التقرير، الذي كتبه مراسل الموقع في القاهرة، إلى أنه خلال العام الماضي فقط، استقال 4,261 طبيبًا مصريا من وظائفهم في المستشفيات الحكومية، فيما قالت نقابة الأطباء إن هذه الأرقام كانت الأعلى في السنوات السبع الماضية؛ حيث استقال ما مجموعه 21,068 طبيبًا من القطاع الحكومي.
ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد كان هناك حوالي 91,500 طبيب يعملون في مصر في سنة 2020.
وأوضح التقرير أنه من بين جميع الأطباء مسجلين في نقابة الأطباء والبالغ عددهم 212,853 طبيبًا، غادر أكثر من نصفهم (حوالي 120 ألفا) مصر بالفعل إلى بلدان أخرى في السنوات القليلة الماضية، ما يمثل حوالي 57 بالمئة منهم.
تؤدي عمليات الاستقالة إلى نقص حاد في المستشفيات الحكومية في البلاد وتراجع عدد الأطباء مقارنة بعدد السكان، ووفقًا للبنك الدولي، فإنه كان هناك 0.7 طبيب لكل 1000 شخص في مصر في سنة 2019.
ورغم زيادة الإنفاق الحكومي على نظام الرعاية الصحية في السنوات الأخيرة، إلا أن الحكومة لم ترق إلى المستوى المنصوص عليه دستوريًا للإنفاق على القطاع الصحي، والذي يبلغ ثلاثة بالمئة من إجمالي الدخل القومي.
وتاليا نص المقال كما ترجمته "عربي21":
يستقيل الأطباء المصريون بشكل جماعي من نظام الرعاية الصحي الحكومي في البلاد، مما يسلط الضوء على الاستياء المتزايد من الأجور المنخفضة بشكل دائم والمستشفيات التي تعاني من نقص التمويل.
في سنة 2022 وحدها؛ استقال 4,261 طبيبًا من وظائفهم في المستشفيات الحكومية في مصر، وذلك وفقًا لتقرير نشرته نقابة الأطباء هذا الشهر، وهي نقابة مستقلة للأطباء في البلاد.
وقالت النقابة إن هذه الأرقام كانت الأعلى في السنوات السبع الماضية؛ حيث استقال ما مجموعه 21,068 طبيبًا من القطاع الحكومي. ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كان هناك حوالي 91,500 طبيب يعملون في مصر في سنة 2020.
تؤدي عمليات الاستقالة إلى نقص حاد في المستشفيات الحكومية في البلاد وتراجع عدد الأطباء مقارنة بعدد السكان، ووفقًا للبنك الدولي، كان هناك 0.7 طبيب لكل 1000 شخص في مصر في سنة 2019.
من الناحية الإقليمية؛ يمكن مقارنة هذه النسبة المنخفضة مثلا بنسبة الأطباء في ليبيا المجاورة، حيث كان هناك 2.1 طبيب لكل 1000 شخص في سنة 2017، أو الجزائر حيث كان هناك 1.7 طبيب لكل 1000 شخص في سنة 2018.
تعرضت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي اعتلت السلطة منذ 2014، لانتقادات بسبب فشلها في إعطاء الأولوية للرعاية الصحية في ميزانيتها السنوية، وبدلا من ذلك فضلت الإنفاق على مشاريع الإنشاء والبناء الضخمة وسداد الديون.
ورغم زيادة الإنفاق الحكومي على نظام الرعاية الصحية في السنوات الأخيرة، إلا أن الحكومة لم ترق إلى المستوى المنصوص عليه دستوريًا للإنفاق على القطاع الصحي، والذي يبلغ ثلاثة بالمئة من إجمالي الدخل القومي.
ظروف لا تطاق
بحسب الدكتور أحمد حسين، رئيس اللجنة الإعلامية في النقابة، قد يكون العدد الفعلي للأطباء المستقيلين السنة الماضية أكبر مما كان متوقعًا، وقال إن حوالي الـ2000 من خريجي كليات الطب رفضوا التدرب في القطاع الصحي الذي تديره الدولة في سنة 2022.
ويتعين على خريجي كليات الطب البالغ عددها 27 في البلاد الحصول على تدريب داخلي في مستشفى أو عيادة تديرها الدولة لمدة سنتين قبل منحهم ترخيصًا لممارسة تخصص طبي.
ومع ذلك؛ فإن فترة التدريب والسنوات اللاحقة أصبحت بمثابة كابوس بالنسبة لبعض الأطباء، ما يبرر الاستقالات الجماعية.
تفكر أميمة خليل في الاستقالة، وهي طبيبة متدربة في مستشفى جامعة أسيوط في جنوب مصر، فمنذ تخرجها وانضمامها إلى طاقم المستشفى، رأت أن الوضع يتدهور من سيئ إلى أسوأ، وقالت لموقع "ميدل إيست آي": "غالبًا ما أتعرض أنا وزملائي للإذلال والاعتداء الجسدي من قبل المرضى وأقاربهم".
في الواقع، تتكرر الاعتداءات الجسدية على العاملين في مجال الرعاية الصحية في مصر، مما دفع نقابة الأطباء لمطالبة السلطات بحماية أعضائها وتشديد العقوبات على المعتدين.
وقد فاقم هذه الهجمات الوضع إلى جانب الراتب المنخفض الذي تتقاضاه أميمة خليل. باعتبارها متدربة طبية، تتقاضى 2,100 جنيه مصري (حوالي 70 دولارًا) شهريًّا؛ حيث قالت إنه بهذا القدر القليل من المال، لا يمكنها تغطية نفقاتها، بما في ذلك الدراسة والتدريب والبحث، مشيرة إلى أن "دراسة وممارسة الطب مكلفة".
وهذا هو السبب الذي قد يدفعها إلى الانضمام إلى بقية الأطباء الذين استقالوا بالفعل من المستشفيات الحكومية للبحث عن عمل، سواء في القطاع الخاص أو خارج مصر حيث يحصل الأطباء على رواتب أعلى ويحظون بفرص تدريب أفضل.
لا تؤثر الأزمة على المتدربين أو الأطباء المبتدئين فحسب، بل تؤثر أيضًا على الأطباء المتمرسين الذين يتعين عليهم تقسيم وقتهم بين متطلبات عملهم في المستشفيات الحكومية وعياداتهم الخاصة.
واستهزأ طبيب مختص في أمراض القلب، رفض ذكر اسمه، من الراتب الذي يتقاضاه بعد 20 سنة من العمل في مستشفى حكومي؛ وقال لموقع "ميدل إيست آي" إن "الراتب يكفي لشراء سروال وجوارب وقميص"، وعليه أن يقوم بأكثر من عمل ليتمكن من إطعام أسرته ودفع الفواتير.
مثقلون بالعمل
وقال طبيب متدرب آخر إنه يتقاضى راتبًا قدره 1970 جنيها (65 دولارا) من المستشفى الحكومي الذي يعمل فيه، وقال متدرب آخر لبرنامج حواري شهير على قناة تلفزيونية محلية الشهر الماضي إنه يضطر هو وزملاؤه أحيانًا إلى العمل 96 ساعة في الأسبوع، مشيرا إلى أن "قلة النوم تجعل الأطباء يخطئون".
وقال إن إدارات المستشفيات تعاقب الأطباء على ارتكابهم أخطاء عبر إرغامهم على العمل ساعات أكثر، وبين الطبيب نفسه أن جميع الأقسام في المستشفى الذي يعمل فيه تقريبًا تعاني من نقص في الموظفين، موضحا أن هذا يجبر طبيبا أو طبيبين على العمل في أقسام يجب أن يعمل فيها ستة أو سبعة أطباء.
وقالت آية حسين، وهي طبيبة متدربة أخرى من مستشفى أسيوط الجامعي، إنه لا يمكنها أن تعيش حياة كريمة أو تغطي نفقاتها بالنظر إلى الراتب الذي تتقاضاه. وتساءلت آية قائلة "كيف يمكن للمرء أن يعيش حياة كريمة براتب منخفض؟".
وأخبرت موقع "ميدل إيست آي" أنه بصرف النظر عن الراتب المنخفض، فإنها لا تحظى بفرص تدريب، حيث لا يمتلك معظم الأطباء المتمرسين الوقت لتدريب الأطباء المتدربين مثلها.
ويقول مسؤولون في نقابة الأطباء إن هذه الظروف الصعبة تجعل استقالات الأطباء نتيجة طبيعية؛ فقد تساءل إبراهيم الزيات، عضو مجلس نقابة الأطباء، قائلا "كيف يمكن لأي طبيب أن يعمل في ظل هذه الظروف؟".
وقال الزيات لموقع "ميدل إيست آي" إن الاستقالات المتكررة في صفوف الأطباء أدت إلى حدوث نقص في المستشفيات الحكومية، مضيفًا بأن "هذه الاستقالات لا يمكن وقفها للأسف. لا يستطيع بعض الأطباء توفير قوت أطفالهم حتى".
نداء للعمل
تعد المستشفيات الحكومية ركيزة للقطاع الصحي في مصر، حيث تقدم العلاج والخدمات لمئات الآلاف من الأشخاص يوميًا ومجانًا تقريبًا.
في سنة 2020، كان هناك 662 مستشفى حكومي نشط في مصر، مقارنة بـ652 مستشفى في سنة 2019، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو فرع الإحصاء في الحكومة المصرية. وقالت الوكالة إن 57 مليون مصري لديهم تأمين صحي وطني في نفس السنة أي حوالي نصف سكان مصر.
ورغم تدهور أوضاع هذه المستشفيات، إلا أنها تظل الملاذ الأخير لذوي الدخل المنخفض؛ حيث يقدر أن 60 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه بقليل (3.20 دولار في اليوم) في مصر.
وتعرض النظام الذي يعاني من نقص التمويل لضربة أخرى من الآثار المزدوجة للحرب الروسية الأوكرانية ووباء كوفيد-19 على الاقتصاد المعتمد على الاستيراد.
وفي الوقت نفسه، أدى الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي منذ سنة 2016 أيضًا إلى ارتفاع تكلفة العلاج الطبي.
في الواقع، يحتاج المرضى إلى مبالغ طائلة إذا أرادوا العلاج في أحد المستشفيات الصحية الخاصة في البلاد، في ظل ارتفاع أسعار الأدوية بشكل كبير ورفع المستشفيات تكاليف خدماتهم.
من جانبه، قال أحمد عبد المجيد، عضو لجنة الصحة في مجلس الشيوخ المصري، لموقع "ميدل إيست آي" إن "المستشفيات الحكومية تمثل الخيار الوحيد لعشرات الملايين من الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمّل تكاليف علاجهم. إنهم ركيزة الضمان الاجتماعي في مصر".
وأعرب عن مخاوفه من أن المستشفيات الحكومية قد تجد نفسها غير قادرة على تقديم الخدمات للفقراء في ظل هذه الاستقالات الطبية المتعاقبة.
وينتهي الأمر بالأطباء الذين تركوا المستشفيات الحكومية إما للعمل في إحدى المستشفيات الخاصة في البلاد التي تغري الأطباء العاملين في المستشفيات الحكومية بالمال والامتيازات الأخرى، أو مغادرة مصر تمامًا للعمل في دول الخليج الغنية أو أوروبا.
وتجدر الإشارة إلى أنه من بين جميع الأطباء مسجلين في نقابة الأطباء والبالغ عددهم 212.853 طبيبًا، غادر أكثر من نصفهم (حوالي 120 ألفا) مصر بالفعل إلى بلدان أخرى في السنوات القليلة الماضية.
ويشعر بعض النواب بالقلق من هذه
الهجرة الجماعية، ويدعون السلطات إلى اتخاذ إجراءات؛ حيث دعا النائب أحمد عبد السلام قورة الحكومة إلى اتخاذ بعض الإجراءات لثني الأطباء عن الاستقالة من قطاع الرعاية الصحي الذي تديره الحكومة.
وطلبت نقابة الأطباء عقد اجتماع مع مسؤولي وزارة الصحة لمناقشة هذه القضية. وتعليقًا على استقالات الأطباء في كانون الأول/ ديسمبر، قال وزير الصحة خالد عبد الغفار إن وزارته تعمل جاهدة لتحسين الأوضاع المالية للأطباء وإقناعهم بعدم المغادرة.
وفي آب/ أغسطس، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي تعليمات إلى الحكومة بزيادة أجور الأطباء العاملين في المستشفيات الحكومية. ومع ذلك، قال مسؤولو نقابة الأطباء إن هذا لم يفعل شيئًا لإرضاء الأطباء من الناحية المالية.
وقال الزيات إن "الزيادة كانت بعيدة عن أن تكون كافية خاصة بسبب ارتفاع أسعار المواد الأساسية. إن الحكومة في حاجة ماسة إلى تحسين أجور الأطباء، أو أنها لن تنجح في وقف موجة الاستقالات".