استمرت الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى حل الدولتين للقضية الوطنية
الفلسطينية، والصراع القائم المستمر والنضال المتواصل لحركة النضال الوطني الفلسطيني ضد دولة الاحتلال.
وقد استقر واستمر في خانة الإعلان تلك دون أن يرتبط بأي تعبير أو نص تنفيذي أو تفصيلي على المستوى الدولي، أو أي مستوى أو مجال آخر.
وبذلك بقي هذا التبني في خانة تسجيل الموقف وتبرئة الذمة.
ولم تكن دولة الاحتلال ترى فيه أي أذى أو ضرر، ناهيك عن الخطر أو ما يحتاج المجابهة، ولا حتى الاختلاف الجدي.
بعد حدث المجزرة التي قامت بها قوات دولة الاحتلال في جنين ومخيمها، وبعد حدث الرد الذي قام به شاب فلسطيني وطني في مستوطنة النبي يعقوب في مدينة القدس المحتلة، وما ينذر به الحدثان من موجة دموية من العنف والعدوان، تبادر له دولة الاحتلال وقواها بأشكاله المتنوعة.
بعد كل ذلك قام وزير الخارجية الأميركي بزيارة الى المنطقة واللقاء مع حكومة دولة الاحتلال، ومع القيادة السياسية الوطنية الفلسطينية.
الهدف المعلن للزيارة هو التقدم بمبادرة أمريكية لوقف المزيد من التدهور ومن سفك الدماء. والمبادرة هي أن يتبنى الفلسطينيون تنفيذ خطة أمنية صاغها المنسق الأمني الأمريكي الفريق «فينزل»، وجوهرها أنها تحدد كيف يمكن لقوات الأمن الفلسطينية استعادة السيطرة على شمال الضفة الغربية وخاصة في جنين، ولكن أيضاً في نابلس.
لكن الغريب أن المبادرة المذكورة لم تتضمن أي مطلب محدد نوعي وواقعي وجاد من دولة الاحتلال، ولم تطالبها بأي طلب مهم وضروري ومحدد، سواء كان نوعيا أو عاديا. مع ذلك لم تجد أي حرج ولم تتردد في التعامل العادي مع المبادرة.
أما ما تطلبه المبادرة من القيادة الوطنية الفلسطينية، فهو أن تتولى هي بنفسها وبقواتها المتاحة وأجهزتها التصدي للقوى والتنظيمات الوطنية الفلسطينية، التي تقوم وتقود الاشتباك مع الاحتلال الصهيوني وتتصدى لاعتداءاته على الشعب الفلسطيني وقواه المناضلة، وأن تقوم هذه القيادة الوطنية بضبط هذه القوى ومنعها من القيام بأي عملية ضد الدولة المحتلة للوطن.
والمبادرة تمنع السلطة أيضاً من التصدي بقواها وأجهزتها للاعتداءات التي تقوم بها قوات دولة الاحتلال ضد مناطق وبلدات تقع ضمن حدود وصلاحيات ومسؤولية السلطة، وتطلب منها أن تكون في موقع الضد لعمليات يقوم بها مقاومون وطنيون.
أي أن تقوم السلطة بدور المتصدي لأهلها وناسها، ولصالح حماية دولة الاحتلال، وحتى دون أن يكون
لها ولا حتى وعد بمقابل، ولو بشكل عام وغير محدد.
والغريب أن الوزير الأمريكي أرفق مع هذه المبادرة بنصيحة (الطلب) من السلطة الوطنية الفلسطينية، أن تعود إلى علاقة التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية، وهي التي كانت قد أعلنت إنهاءها والخروج منها قبل أيام قليلة من تاريخ تقديم الوزير لمبادرته.
بالطبع وكما هو متوقع، فقد جاء رفض القيادة الوطنية الفلسطينية حازماً وحاسماً للمبادرة ومعها النصيحة جملة وتفصيلا. فالمبادرة جاءت منحازة كليا وتماما لجانب العدو واستمرار اعتداءاته، ولا تصلح حتى لتبرئة الذمة.
الوزير الأمريكي - وحكومته أيضا-، كانا كما يبدو متوقعَين لهذا الموقف بل كانا واثقَين ومتأكدَين منه. وقد جاء المقترح وقبوله الفوري من دولة الاحتلال ورفضه المتوقع من السلطة، ليتم استغلاله في الحركة السياسية، في محاولة لتخفيف مواقف الإدانة من دول العالم ومؤسساته وهيئاته للاعتداءات الصهيونية ودمويتها ولدولة الاحتلال، وهو ما يفتح المجال لهم للبناء عليه.
ما تقدم، بالنسبة لنا، يعني: أن معركة دولة الاحتلال متواصلة ومستمرة، وربما بدرجة أعلى من العدوانية والدموية ومن الاتساع والشمولية، وبمستوى أعلى من الدعم الأمريكي.
ويعني بالمقابل، بل ويفرض، الضرورة الملحة لوحدة الموقف الوطني الفلسطيني بكل قواه ومؤسساته وأشكاله وتعبيراته.
صحيح أن الموقف الوطني الفلسطيني بناسه وقواه الوطنية على تعددها وتنوعها، ظل واستمر موحدا على قلب رجل واحد وبدرجة عالية طوال أيام المواجهة مع دولة الاحتلال وقواها. والعهد الواثق تماما، أنه سيبقى ويستمر على هذا الحال ما دام الاحتلال وما استمرت اعتداءاته.
ويبقى صحيحا أيضاً، أن درجة أعلى من وحدة الموقف الفصائلي ووحدة البرنامج الوطني للتصدي، ووحدة المؤسسات الوطنية ووحدة الهيئات القيادية الوطنية ووحدة القرار، تصبح أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، ويصبح تحقيقها وتقديم ما يلزم من تنازلات متبادلة أكثر ضرورية.
ويصبح كل ما تقدم وغيره مطلبا وطنيا أولى وأكثر إلحاحا.
(الأيام الفلسطينية)