تحدث مدير الدفاع المدني (
الخوذ البيضاء) في الشمال السوري، رائد الصالح، عن معوقات رافقت عمل فرق الدفاع المدني خلال عمليات الإنقاذ بعد
الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال
سوريا.
وفي حوار خاص لـ"عربي21"، اتهم الصالح الأمم المتحدة بخذلان العالقين تحت الأنقاض في الشمال السوري.
من جانب آخر، حذر الصالح من خطورة الوضع الصحي والخدمي الهش في الشمال السوري، لافتا إلى احتمالية انتشار الأوبئة.
وتاليا نص اللقاء الكامل:
في اليوم الـ11 بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا والشمال السوري، ما هي آخر الإحصائيات للوفيات في الشمال، وما هي حصيلة الخسائر على مستوى الأبنية؟
بلغت إحصائية ضحايا الزلزال في شمال غربي سوريا، بعد مقاطعة الإحصاءات مع أغلب الجهات الطبية، 2274 حالة وفاة، وأكثر من 12400 إصابة، واستجابت فرقنا لـ2171 حالة وفاة، وأسعفت نحو 2950 مصابا، مع استمرار عمليات البحث عن جثث المتوفين في أماكن عدة في ريفي إدلب وحلب، وكذلك وثقت فرقنا انهيار أكثر من 550 مبنى، بينما تضرر بشكل جزئي أكثر من 1570 مبنى، وآلاف المباني والمنازل تصدعت في عموم المناطق التي ضربها الزلزال.
هل كان بالإمكان تقليل حصيلة القتلى، وما هي الصعوبات التي واجهت عمل فرقكم على الأرض؟
كنا بسباق حقيقي مع الزمن، وكان الأهم هو إنقاذ الأرواح، على الأرض كنا نقوم بعمليات الإنقاذ والإسعاف ورفع الأنقاض وتقديم الإسعافات الأولية والمساعدة بالإخلاء والمشاركة بتأهيل مخيمات الإيواء وتقديم الرعاية الطبية للمهجرين.
ويمكن تحديد نوعين من المعوقات التي أثرت نسبيا بعمليات الإنقاذ وهي: معوقات طبيعية، منها أن التوزيع الجغرافي الواسع للزلزال وما نتج عنه من أضرار في جميع أنحاء شمال غربي سوريا عرقل القدرة على العمل، مقارنة مع الإمكانات وقدرة المؤسسة، كما أن انخفاض درجات الحرارة والأمطار الغزيرة في أول يومين صعب عمليات الإنقاذ، وأدت الأمطار لانهيارات في الركام، في حين هددت الهزات الارتدادية الكثيرة عمل الفرق.
أما المعوقات التقنية، فأثر غياب المعدات الثقيلة القادرة على التعامل مع كوارث مثل الزلزال من قدرة الفرق على الاستجابة بالوقت المناسب، إضافة لغياب المعدات الحرارية المتطورة القادرة على كشف العالقين تحت الأنقاض، وأيضا الكلاب البوليسية المدربة، كما لحقت أضرار مادية بمبان ومخازن ومعدات الخوذ البيضاء.
هل المعدات كانت كافية كونكم منظمة ولستم دولة، وهل هناك خذلان دولي في هذا الإطار؟
الخوذ البيضاء بالنهاية محدودة القدرات والإمكانيات، لسنا دولة ولا نمتلك إمكانات دولة ومواردنا محدودة، ونعتمد على المنح من الدول والمنظمات الإنسانية، نعم الأمم المتحدة أدارت ظهرها للسوريين وخذلت العالقين تحت الأنقاض وتخلت عنهم، ولن تسمع نداءات استغاثة، وهذا أمر غير مقبول بعرف العمل الإنساني، وهو انحياز وتسييس واضح على حساب أرواح السوريين.
والأمين العام للأمم المتحدة لديه سلطة تفعيل آليات الكوارث وآليات استجابة أكثر مرونة، لكنه لم يتخذ أي إجراء، ولديه إمكانية فتح أي معبر دون العودة لمجلس الأمن لكن كل ذلك لم يحصل في الأسبوع الأول وهو الأسبوع الفعلي للاستجابة، باعتقادي أن المجتمع الدولي يجب أن يسمع صوت الضحايا الذين لم يسمع صوتهم أحد عندما كانوا أحياء ويحقق لهم العدالة.
وكان بإمكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ووكيل الإغاثة الطارئة مارتن غريفيث توجيه الأليات والوكالات الأممية كافة للعمل بتفويض مباشر من الأمانة العامة للأمم المتحدة، وتجاوز الصعوبات اللوجستية كافة، واستخدام المعابر الممكنة كافة عبر الحدود للوصول إلى شمال غربي سوريا، ويمكنه توجيه المجموعة الدولية الاستشارية لفرق البحث والإنقاذ INSARAG للتدخل فورا عبر الحدود في شمال غربي سوريا، وتوجيه فرق دولية للدخول مع معداتها لمساندة فرق الدفاع المدني السوري في جهود البحث.
حدثنا عن الجوانب الإنسانية والمشاهد المؤثرة خلال عمليات الإنقاذ؟
عمليات الإنقاذ أكثر شيء فيه أمل، الأمل الحقيقي هو أن تعلم أن من تحت الركام ينتظرونك ولديهم أمل أنك ستأتي. مئات القصص حصلت مع المتطوعين، الكلمة الأولى من العالقين تحت الأنقاض "كنا ننتظركم".
انتهت مرحلة الإنقاذ، ما هي أولوياتكم للمرحلة القادمة؟
الأيام العشرة الأولى كانت عبارة عن مرحلة صادمة، والآن بدأنا نشعر بحجم الكارثة، والأولويات حاليا أيضا هي رفع الأنقاض وفتح الطرق في كامل المناطق المتضرّرة، وهذه هي المرحلة التالية، وذلك يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين، بسبب العدد الهائل من الأبنية المتضرّرة مقارنة بمساحة منطقة شمال غربي سوريا.
وضعنا خطة متكاملة لتقييم الأبنية وتحديد الصالح للسكن منه والتعامل مع الأبنية المهددة بالانهيار.
وبعد رفع الأنقاض بالكامل، سنبدأ بإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة، نعلم تماما أن شمال غربي سوريا منطقة هشة اقتصاديا وفي بنيتها التحتية، وأن آثار الزلزال ستكون طويلة الأمد ولن يكون التعافي منها أمرا سهلا أبدا، والأمر يحتاج لدعم ومساعدة دولية، لن ندعي أبدا أننا سنتمكن من محو أثار هذا الزلزال المدمر، لكن على الأقل نحن نؤمن أن لدينا القدرة على البدء بخطوات التعافي المبكر.
بعد اعتراف الأمم المتحدة بتقصيرها في الشمال السوري، وفق تقديركم، ما الذي يتعين عليها الآن فعله؟
أن تضع السياسة جانبا، ولا يتم تسيس المساعدات بما يضمن الاستجابة للمتضررين، ولكن الوكالات الأممية تصر على ذلك عبر طلبها الموافقة من نظام الأسد على فتح المعابر، رغم وجود سند قانوني يمنحها صلاحية تنفيذ عمليات عبر الحدود، دون احتياجها لأي تفويض من الدول أو من مجلس الأمن.
يجب النظر إلى الكارثة الإنسانية والضحايا بحيادية، بغض النظر عن خلفياتهم أو عرقهم أو لون بشرتهم أو انتماءاتهم أو آرائهم السياسية.
ما تداعيات الزلزال على المنطقة والخدمات فيها، هل تخشون من انتشار الأوبئة؟
بدا ينقشع غبار الزلزال ويكشف عن الكارثة طويلة الأمد، عشرات آلاف العائلات الآن بلا مأوى، وتبيت في العراء أو في مخيمات مؤقتة تفتقد للحد الأدنى من الخدمات، وبالتأكيد نخشى من الأوبئة، وخاصة أن مرض الكوليرا موجود قبل الزلال، وتضررت شبكات المياه والصرف الصحي وتواجه آلاف العائلات تحديات بالحصول على المياه النظيفة، ويهدد اللشمانيا أيضا المنطقة كونه مرضا مستوطنا بالمنطقة.
أخيرا، هل تلقيتم مساعدات دولية عاجلة من جهات دولية؟
نعم، قدمت بعض الدول المساعدات مثل الدنمارك، وألمانيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وقطر، وكندا.
وختاما، أقول؛ إن دعم المدنيين ومساندتهم لعملنا كان له الدور الأكبر، هؤلاء الناس هم أهلنا ونفتخر بالتلاحم الذي حصل بيننا، ونفتخر بمحبتهم لنا ودفاعهم عنا، ولا يمكن أن تتخيّل الحالة الملحمية التي عايشناها خلال هذه الفترة.