مر عام على
حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير المبررة على أوكرانيا، التي غيّرت وجه ومستقبل النظام العالمي، وخريطة أوروبا بالقوة، وتسببت بأزمات سياسية وعسكرية وإنسانية وطاقة وغذاء، ومأساة لاجئين هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. صدمت الأوكرانيين والأوروبيين والعالم.
تشكل حرب
روسيا على أوكرانيا مثالا صارخا لتفرد القرار في نظام شمولي، بلا رقابة وكوابح على قرارات مصيرية للزعيم الحاكم بلا قيود من مؤسسات دستورية تراقب وتحاسب، ولا معارضة سياسية تفضح وتعري، ولا إعلام وصحافة حرة ومستقلة تطرح أسئلة وتنهي المغامرة المكلفة، التي تكبد روسيا نزفا وخسائر بشرية وعسكرية، وتفاقم الكارثة والخسائر والدمار في أوكرانيا بكلفة كبيرة بشريا واقتصاديا ودمارا للبنية التحتية.
الصادم في الحرب في عامها الثاني، هو انسداد أفق
الحل الدبلوماسي لحرب استنزاف برغم بقاء الخطوط الحمراء، بعد توسع الحرب، لكن لم تتحول لحرب إقليمية بانضمام دول لأتون الحرب، سواء من حلفاء روسيا كروسيا البيضاء التابعة والمجاورة! ولم يتجرأ بوتين الاعتداء على دول الناتو في البلطيق وبولندا! والأهم بقاء الصين على الحياد بعدم تزويد روسيا بالسلاح والامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة روسيا، أو المشاركة بفرض عقوبات على روسيا. بل عشية الذكرى الأولى للحرب، قدمت الصين مبادرة من 12 بندا أثارت جدلا، مشكلتها تساوي بين الضحية والجلاد. وأعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي عزمه الاجتماع مع الرئيس الصيني.
فيما تعهد الرئيس الأوكراني ومعه الرئيس بايدن الذي قام بزيارة تاريخية غير معلنة لأوكرانيا وخصص المزيد من الأموال لتمويل صفقات عسكرية وإنسانية لأوكرانيا بأن روسيا لن تنتصر في الحرب، ولن تقدم أوكرانيا تنازلات لإنهاء الحرب. بينما بدأت دول أوروبية، وخاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بالضغط على أوكرانيا لبدء مفاوضات مع روسيا، حيث يدعم ثلثا الألمان المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا، بينما تصر أوكرانيا على رفض تقديم أي تنازلات، لا تتضمن الانسحاب من الأراضي الأوكرانية المحتلة كاملة، بما فيها شبه جزيرة القرم التي احتلتها القوات الروسية عام 2014 والأقاليم الأربعة لوهانسك ودونيتسك وزبروجيا وخيرسون، حيث ألحق بوتين تلك الأقاليم بروسيا بعد استفتاء صوري في الصيف الماضي. وكانت القوات الروسية في انتكاسة، أُجبرت على الانسحاب من خيرسون في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. الصادم في حرب روسيا على أوكرانيا، ليس فقط غياب الحل الدبلوماسي لإنهاء الحرب في نهاية العام الأول، بل حمّل الرئيس الروسي استفزازات الغرب مسؤولية اندلاع الحرب، وتزويد أوكرانيا بأسلحة متقدمة، وأن روسيا تواجه الغرب المصمم على محاربة روسيا وإضعافها.
موقف بوتين الرافض لأي مقاربة لحل دبلوماسي بالتصعيد والمزيد من المواجهة وحتى التلويح بالسلاح النووي التكتيكي في الخريف الماضي قبل تراجعه، وتنظيمه تعبئة جزئية للاحتياط باستدعاء 300 ألف عسكري والعمل على زيادة عديد القوات الروسية إلى مليون ونصف عسكري، بهدف القضاء على «النازية الجديدة» في أوكرانيا، ووقف مؤامرة الغرب المصمم على إضعاف روسيا.
إلا أن جزءا من انسداد الأفق في نهاية العام الأول من الحرب، يبدو في طريقه لخرق الخطوط الحمراء عام 2023 بتلويح أمريكي عن احتمال تزويد الصين روسيا بالسلاح، وتنسيق عسكري أكبر بين روسيا وإيران، التي تزود روسيا بالمسيّرات الانتحارية التي تدمر البنى التحتية في أوكرانيا بشكل فعال، مقابل تزويد روسيا إيران بأسلحة متطورة وخاصة مقاتلات ومروحيات! ما سيغير توازن القوى في الشرق الأوسط والخليج.
سيكون التحدي الأكبر عام 2023 هو؛ هل سيقود ارتفاع كلفة الاستنزاف للطرفين الروسي والأوكراني، لكسب بوتين رهانه بأن إطالة أمد الحرب ستدفع إلى تصدع وتفكك موقف الغرب المتماسك باستنزاف قدراته المالية والعسكرية، ويتراجع دعم أوكرانيا؟! هذا فيما يستمر الرئيس الأوكراني بالمطالبة بالمزيد من الدعم وزيادته.
هناك خشية في السنة الثانية من الحرب من تنامي تحول دعم الغرب لأوكرانيا إلى عبء مالي، وإشغال الغرب عن قضايا مهمة متعلقة بالصراع مع روسيا حول الاتفاقيات النووية والعسكرية، ومواجهة الصين والإرهاب وقضايا الشرق الأوسط وغيرها. كما بدأ الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي بعد استعادة الأغلبية، بالتحذير ووضع سقف للدعم المالي والعسكري المفتوح لأوكرانيا. وبدأ الإعلام الأمريكي بتسليط الضوء على مقارنات بين مليارات الدولارات التي أنفقت من دافعي الضرائب لدعم أوكرانيا، وتزويدها بالسلاح عام 2022 بالانفاق على وكالات فيدرالية أمريكية.
خصصت إدارة بايدن مع الكونغرس منذ بدء الحرب 75 مليار دولار، قدمت منها 55 مليار دولار كحزم مساعدات، تشمل مساعدات مالية وإنسانية واقتصادية، أغلبها عسكرية لمواجهة القوات الروسية، وأبرزها أنظمة دفاعية وصاروخية ودفاعية، وصولا إلى مطالبات بتزويد أوكرانيا بدبابات ومقاتلات.
بعد عام على الحرب، تراجع الدعم والتضامن الشعبي الأمريكي بتقديم السلاح والعتاد والمساعدات الإنسانية لأوكرانيا، من 60 ٪ مؤيدين إلى 48٪ في نهاية عام 2022، مع نهاية العام الأول من الحرب. كما أن الحرب في أوكرانيا تسببت بارتفاع قياسي للتضخم هو الأعلى منذ 40 عاما، وارتفعت أسعار السلع وعلى رأسها الوقود، الذي تجاوز في الصيف الماضي 5 دولارات لغالون البنزين وأزمة سلاسل التوريد.
وقد تراجع الدعم والتعاطف الدولي مع أوكرانيا «حسب مقال صحيفة نيويورك تايمز»؛ ذلك أن كثيرا من الدول التي أدانت غزو روسيا بدأت تراجع مواقفها. كما فشل التحالف الغربي بإقناع بقية دول العالم بعزل روسيا، بينما ترى دول بقاء حرب روسيا على أوكرانيا أزمة أوروبية.
كما أنه غير واقعي انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك لعدم استفزاز روسيا، خاصة أن الرئيس بوتين يستخدمه كشاهد على مؤامرة الغرب على روسيا، ومبرر لشن حربه التي يصر على وصفها «عملية عسكرية خاصة»! حصاد حرب نظام يفتقر للديمقراطية والرقابة والمحاسبة.
(عن صحيفة القدس العربي)