يخطئ بعض المسلمين لما يحسب أن شهر
رمضان فرصة لمراجعة قناعاتهم الشخصية
وبالتالي مواقفهم فحسب، فإنما جعل الله تعالى رمضان فرصة في العام لتراجع الأمة العربية
الإسلامية كلها نفسها، وتعيد النظر في خطاها ومبادئها وأولوياتها ومدى التزامها
بالغرض الذي خلق الله الأرض من أجله، تتدبر في جعل الله الإنسانَ خليفة له في
الأرض لعمارتها، تنظر في خططها ومسالكها العملية لتحقيق هذا.
ولعل
مصر الكنانة وقلب الأمة أولى بمثل هذه المراجعة، ولما كان القائمون
على الحكم فيها لا يعول عليهم ولا يؤمَن شرهم ككل الطغاة والظلمة للأسف، فلم يبق
لكل صاحب قلم عاقل إلا أن يتوجه للمعارضة. وإن كرر التذكرة فإنها تنفع أصحاب
العقول والفهم ومحاولة التدبر وإن استغرق الأمر وقتاً ليستشعروا أهميته، وإنما
يثاب المذكر وإن أخّر الله الاستجابة لأجل سبق بعلمه وتدبيره!
لعل مصر الكنانة وقلب الأمة أولى بمثل هذه المراجعة، ولما كان القائمون على الحكم فيها لا يعول عليهم ولا يؤمَن شرهم ككل الطغاة والظلمة للأسف، فلم يبق لكل صاحب قلم عاقل إلا أن يتوجه للمعارضة. وإن كرر التذكرة فإنها تنفع أصحاب العقول والفهم ومحاولة التدبر وإن استغرق الأمر وقتاً ليستشعروا أهميته
في 13 أيار/ مايو من عام 2016م وفيما الأمة تنتظر مجيء شهر رمضان، كتب صاحب
هذه الكلمات مقالاً في أحد المواقع المناهضة للنظام المصري تحت عنوان: "هل
يفعلها
الإخوان بـ"رمضان".. ويرحمون مصر وأنفسهم؟!". جاء المقال
وسط أجواء مشحونة بعبق مختلف ومسيرة مفترضة مغايرة، ففيما كانت آلاف الكلمات تترى
وتتكاثر وقتها على مواقع التواصل بـ"النصر" القادم الذي يوشك أن يعم
الرؤوس، وفيما كانت مثلها من المقالات تتحدث وتعدد طرق العودة للحكم وضرورة انتهاء
الفترة "الطارئة" في حكم مصر، ولكم كنا نتمنى وما نزال حدوث هذا، لكن
المدقق يرى منذ وقتها وقبله حملات الاعتقالات المتعددة، والأزمة التي تلف البلاد
وموقف المضارين من مصابين ومطاردين البالغ السوء، أيضاً ثبات خطى الجنرال وأتباعه
في الداخل والمساحة الواسعة التي يأخذونها دولياً من الاعتراف بشرعيتهم، وإن جاءت
على حساب مستقبل مصر كلها، وما واقع نهر النيل واتفاقية المبادئ التي وقّع رأس
النظام عليها مع إثيوبيا في 2015م والآثار المريرة الظالمة المترتبة عنا ببعيدة،
فضلاً عن التمادي في الديون ومحاولة بيع أصول مصر للتهرب منها.
ناقش المقال فكرة لا ينكرها إلا غير منصف، فقد كانت المعارضة المصرية داخل
البلاد بقدر كونها احتجاجية إلا أن الشق الإسلامي منها ممثلاً في الفصيل الأبرز في
مصر بعد الجيش، كان في الأغلب الأعم مصدر خير للبلاد والعباد، وكان أتباعه يؤوون
المشرد، ويفترشون الطرق للمبتلين، ويغيثون المحتاجين، ويؤوون المحتاجين قدر
إمكانهم.
وليس بغائب عنا ولا عن كل حر في رأيه أنه حتى الرئيس الراحل محمد أنور
السادات لما تم اعتقاله في الأربعينيات تعهدت الجماعة بإشراف من مؤسسها الراحل حسن
البنا؛ أسرته وزوجته الأولى بمبلغ مناسب ثابت وقتها، لكن المعارضة والجماعة "أُوتيا"
بعد عشرات السنين من الخلط بين تفوق الأخيرة في الجانب الإغاثي الإعاني الخيري
والسياسة، ولشدة ما يكون الفارق بينهما في الماضي والمستقبل، ففي حين كان كثير من
أفرادها يرجون الله بصدق في الأول كانوا في المقابل يفتقدون الحس الثاني، وهو ما
نسأل الله أن يوفق جميع المخلصين لتجاوزه.
ما من عاقل مدقق في المسألة المصرية المستعصية إلا وهو يرى أن المعارضة
إجمالاً والجماعة خاصة تم الزج بها في سياق لا يخصها ومنظومة لا تجيدها منذ 2011م،
وما مقولة الدكتور محمد البلتاجي -خفف الله عنه- منذ بعيد منتصف العام المذكور، من
أنه يشعر بأن فخاً يُنصب للجماعة لتتولى حكم مصر تمهيداً للتخلص منها، عنا ببعيد،
وهو ما أدركته الجماعة نفسها في أعلى مستوى ثم تراجعت عنه -للأسف المرير- في بداية
نيسان/ أبريل من العام التالي (2012م)؛ وبعد ما قدره الله وحدث وكان، ولكن لا بد
من التوقف الطويل أمام دروسه للاستفادة منها، ثم محاولة تغيير الوضع المضني الراهن..
استمر الأمر في رابعة العدوية وميادين سابقة ولاحقة، وتم دفع الثمن غالياً
من أشرف دماء أهل مصر، وربما آثرت إحدى الجبهات متأخرة التراجع منذ العام الماضي
وإعلان الاعتزال السياسي والاكتفاء بالدعوة، وكان ينفع الفصيل كله فحسب لو أعلن
هذا الأمر لكن بعدد من السنوات في البداية (5 أو 10 سنوات). لكن للأسف، الشحن
الشديد أدى لتجاوز الأمر وقتها، وهو ما أسفر عن جزء آخر من الفصيل رفض الأمر واستمر
بالرفض!
وجود المعارضة الحقيقية المخلصة في مكانها الطبيعي من مصر تخفيف عظيم عن أهلها؛ ودفع لهم للاستمرار على قيد الحياة، بما يمثله أهلها من إيمان بوجوب استمرار الحياة؛ وبما يشجعون عليه من تصبر وبما يقدمونه من خيرات
إن خالداً بن الوليد -رضي الله عنه- انسحب في معركة مؤتة لما علم أن
المسلمين ربما يَفنونَ في مواجهة الروم وأقر فعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- بل
إن المصطفى نفسه أقر "صلح الحديبية" بعد أن خرج الصحابة -رضوان الله
عليهم- بملابس العمرة قاصدين مكة، بل رأى بعض كبارهم أن الأمر لا يستقيم؛ فآثر
الرسول العظيم حقن الدماء وإتمام الإعداد لفتح مكة بعد استتباب القوة بما يمنع
المشركين من حرب المسلمين، فيمنع مجزرة حربية بين الطرفين. فأين روح الأمر من
المعارضة كلها اليوم؟ وكيف يرضى كبارها -أو حتى بعضهم- عن إفناء أفضل أبناء مصر
دون رؤية أو خطة أو حتى أمل في وجودهما؟
بل إن وجود المعارضة الحقيقية المخلصة في مكانها الطبيعي من مصر تخفيف عظيم
عن أهلها؛ ودفع لهم للاستمرار على قيد الحياة، بما يمثله أهلها من إيمان بوجوب
استمرار الحياة؛ وبما يشجعون عليه من تصبر وبما يقدمونه من خيرات. لقد كانوا أهلاً
لتبوؤ المناصب التي تخفف عن الملايين، وما تزال الفرصة سانحة -بدرجة تنمى
بالمثابرة- فقط تنقى الصفوف.. وتخلص النيات ويأتي العمل الرائق المخلص بعد الأفكار
غير المعهودة التقليدية.
فهل تفعلها المعارضة المصرية وتراجع نفسها بداية من رمضان؟
لكم نتمنى!