حذرت أوساط سياسية ليبية من تركيز
المجتمع الدولي على إجراء
الانتخابات في
ليبيا، واعتبارها الطريق الوحيد لإنهاء الصراع السياسي، مطالبين بإنهاء حالة
الجمود السياسي وضمان حل شامل للأزمة الراهنة قبل إجراء الانتخابات.
ولفتت مجلة "
فورين بوليسي"، إلى تحذير أطلقه وفد رفيع المستوى من المسؤولين والبرلمانيين الليبيين سافر إلى واشنطن الأسبوع الماضي لحشد الدعم الأمريكي لعملية الانتخابات المتوقفة حين أكدوا أنه دون إنهاء الجمود السياسي بشأن اقتراح الأمم المتحدة بإجراء انتخابات، فقد تتحول البلاد إلى موجة أخرى من الصراع، مع تداعيات بعيدة المدى على شمال أفريقيا وجنوب أوروبا.
وقال
عبد الله اللافي، نائب رئيس المجلس الرئاسي، وهو هيئة تابعة لحكومة الوحدة الوطنية تدعمها الأمم المتحدة، خلال الزيارة إلى واشنطن هذا الشهر: "الوضع في ليبيا الآن هادئ، لكن مع وجود العناصر المسلحة في الشرق والغرب، إذا كان هناك تأخير في التوصل إلى اتفاق، فقد يندلع الصراع في البلاد مرة أخرى، عدم إجراء انتخابات لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسامات".
ومع ذلك، يحذر خبراء إقليميون آخرون من أن تركيز المجتمع الدولي على الانتخابات أمر مضلل، حيث إن الانتخابات لن تصلح العديد من المصادر الكامنة وراء عدم الاستقرار السياسي والفساد العميق والضيق الاقتصادي في البلاد.
وأشارت المجلة إلى أن الجدل يسلط الضوء على كيفية تحول ليبيا إلى مستنقع سياسي لعبت فيه مجموعة من القوى المتنافسة على النفوذ داخل ليبيا، ما أدى إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار وعمل على إطالة أمد الأزمة.
وحذر خبراء غربيون من أن روسيا يمكن أن تلعب دورا مفسدا في الانتخابات الليبية إذا لم تدعم خطة الانتخابات التي توسطت فيها الأمم المتحدة. وحافظت روسيا، التي تدعم قوات خليفة حفتر، على بصمة عسكرية في ليبيا من خلال مجموعة فاغنر.
وعلق اللافي على هذه المخاوف بالقول: "اليوم نلاحظ وجود قوات عسكرية روسية في المنطقة. وقال إن هذا يمثل خطرا كبيرا حتى على نجاح الانتخابات. نحن بحاجة إلى دعم دولي لاتفاق خروج القوات المسلحة الأجنبية الموجودة في ليبيا".
وقال كبير مبعوثي الأمم المتحدة إلى ليبيا، الدبلوماسي السنغالي عبد الله باثيلي، في مؤتمر صحفي هذا الشهر في طرابلس إن البلاد قد تجري انتخابات هذا العام إذا أصدر كلا الجهازين التشريعيين المتنافسين قوانين انتخابية واضحة وخارطة طريق للانتخابات بحلول حزيران/ يونيو. وقال إن البديل سيكون المزيد من الفوضى والجمود الذي يزيد من مخاطر الصراع. مضيفا أن "الترتيبات المؤقتة المتعاقبة، والحكومات الانتقالية التي لا نهاية لها، والهيئات التشريعية التي انتهت ولايتها هي مصدر عدم الاستقرار".
وقالت كلوديا غازيني، الخبيرة في الشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية، إن الانتخابات وحدها لا يمكنها حل مشاكل ليبيا، فالبلاد لا تزال بحاجة إلى توحيد مؤسساتها المالية والجيش والسلطة التنفيذية، وجميعها منقسمة، على حد قولها.
قالت غازيني إن الحكومة الجيدة، وليس المزيد من بطاقات الاقتراع، هو ما تحتاجه البلاد، لكن لا يبدو هذا قادما.
ولفتت المجلة، إلى أن إحدى النقاط العالقة بشأن المفاوضات الانتخابية لكلتا الحكومتين المتنافستين أن أي من الجانبين لا يريد المضي قدما في التصويت ما لم يُمنح الأعضاء الحاليون في المجالس التشريعية حصانة من الملاحقة القضائية على جرائم ربما ارتكبوها أثناء وجودهم في مناصبهم. وقال اللافي إن المفاوضات بشأن هذه النقطة ما زالت جارية.
لكن هذه النقطة الشائكة تتحول إلى مأزق، وتقول حنان صلاح، الباحثة الليبية في هيومن رايتس ووتش، إن عقدا من الحرب رسخ قادة الأمر الواقع الذين تمتعوا بالحصانة والإفلات من العقاب، وهو الافتقار إلى المساءلة الذي أدى إلى الأزمة الحالية ويمكن أن يحول دون إجراء انتخابات.
وأضافت: "الآفاق قاتمة نوعا ما، وذلك أساسا لأن المجموعات المختلفة التي تتنافس حاليا من أجل السيطرة ليس لها أي مصلحة على الإطلاق في تغيير الوضع الراهن".
وأضافت صلاح: "لقد رأينا حكومات مؤقتة تأتي وتذهب، لكن لم تتم محاسبة أي شخص على أعمال القتل خارج القانون، وحالات الاختفاء والاعتقالات الجماعية التعسفية. أعطى هذا للناس فكرة أنه يمكنك ارتكاب جريمة بدون تكلفة. ما هو الدافع للالتقاء الآن والاتفاق فعليا على خطة، على خارطة طريق، لإجراء انتخابات بطريقة حرة ونزيهة، لوضع البلاد على مسار ديمقراطي؟" تساءلت الكاتبة صلاح.
في حين اقترحت غازيني أنه بالنسبة للنخبة الراسخة، فإن الحاضر الهش أكثر ربحية من تجدد الحرب، خاصة من دون احتمال الحصول على دعم أجنبي واسع النطاق. "إنهم أسعد الآن في القيام بأعمال تجارية أكثر من الحرب".
لكن بالنسبة لغالبية الليبيين العاديين، فإن الركود السياسي ليس واحة، على حد قول صلاح. فالليبيون ينتظرون ساعات في الطابور لملء سياراتهم بالبنزين. ويخشى الآباء أن يتعرض أطفالهم للقصف أثناء وجودهم في المدرسة.
وقالت صلاح: "الخاسر هنا حقا هم الليبيون العاديون الذين يريدون فقط ممارسة حياتهم اليومية وأن يعيشوا حياة طبيعية.. يريد الناس حقا عودة الوضع إلى طبيعته. الناس يريدون التمتع بحياة كريمة".