الذي يقرأ المؤشرات داخل سورية، يكتشف أن
عزلة النظام بدأت بالتراجع تدريجيا، على المستوى العربي والدولي، على الرغم من
نتائج الحرب وما يجري داخل سورية حاليا.
لكن المؤشرات الدبلوماسية، من زيارات مسؤولين إلى دمشق،
وزيارات مسؤولين سوريين إلى دول مختلفة، يكتشف بكل بساطة أن الحدة تجاه النظام
السوري انخفضت مقارنة ببدء ما يسمى الربيع العربي، وإلا لماذا سقطت كثير من
المحرمات السياسية، هذه الأيام مقارنة بفترات سابقة؟.
الأردن، أيضا، خفف من موقفه من النظام السوري، فمن موقف
سلبي جدا قاطع النظام السوري، إلى موقف مختلف، يزور فيه نائب رئيس الوزراء وزير
الخارجية دمشق، ويتم إطلاق مبادرة أردنية عربية لحل الأزمة السورية، سياسيا،
وقوافل الإغاثة تتوالى على الأشقاء السوريين بعد وقوع الزلزال، وهذا جهد إنساني،
لا يخلو من سياسة في الظلال أيضا، فوق احتمالات إعادة السفير الأردني إلى دمشق،
أسوة بعواصم عربية ثانية، لديها قابلية لهذا السلوك الدبلوماسي.
كيف يمكن فهم فك العزلة تدريجيا عن النظام السوري، وفي
الوقت نفسه هناك مسارات ثنائية قائمة وفاعلة سورية- إيرانية، وسورية- روسية، في
الوقت الذي تحولت فيه سورية إلى ملعب لمكاسرة إيرانية إسرائيلية، دون أن تمنع كل
هذه التناقضات فك العرب للعزلة تدريجيا عن النظام السوري، مقارنة بالسنوات الأولى
للربيع العربي والذي تحول إلى فوضى عارمة، تشارك فيها اغلب دول العالم، وبحيث تحولت
سورية إلى ملعب دولي للعواصم وأجهزتها الأمنية.
يمكن قراءة التحولات عبر مسرب ثان، فدمشق الرسمية ترفض أن
تفتح أي ثغرة في العلاقات لصالح الرئيس التركي، الذي تعتبره شريكا وداعما للفوضى،
وتراه محتلا لمناطق محددة في شمال سورية، بل إن دمشق تشترط أن ينهي الأتراك
تواجدهم وامتدادهم بكل الطرق في سورية، من اجل عقد لقاء مشترك بين أردوغان والأسد،
ويتصرف السوريون هنا، وهم في حالة انتصار كاملة، ويوظفون حساباتهم السورية، ونقاط
ضعف الحسابات التركية بكل مهارة.
المحزن أن ملايين السوريين ذهبوا فرقا في الحسابات الإقليمية
والدولية، ويكفي أن يتم تعداد خسائر هذه الحرب من خروج ملايين السوريين إلى دول
الجوار، والهجرة إلى أوروبا وغيرها، فوق الخسائر الاقتصادية، وما لحق الاقتصاد
السوري، والبنى التحتية، والزراعة، والحياة الاجتماعية، وأضرار الحرب المعنوية،
وتشظي البنية الاجتماعية على خلفية صراع سياسي عسكري، تلون بالمذهبية، وتداخلت فيه
تصفية الحسابات مع دول راعية للنظام السوري.
موقف الأردن هنا، ليس متسرعا، وعدا مكالمات هاتفية بين
الملك والرئيس السوري، ما تزال هذه العلاقة تخضع لتحول بطيء، بسبب جملة عوامل
مختلفة، لكن هذا التحول البطيء، قد لا يبقى هكذا، خصوصا أن التحولات قد تبرز اسرع
لدى عواصم عربية ثانية، مثل القاهرة، وغيرها من عواصم، تريد طي كل هذا الملف،
لاعتبارات مختلفة، بما يجعلنا أمام تحولات قد تصل حد استعادة النظام السوري لموقع
سورية في جامعة الدول العربية، ولن يكون غريبا أن نرى
الأسد في الأردن، زائرا، أو
في عواصم عربية ثانية، في مشهد يقول إن كل شيء يتغير في هذه المنطقة.
التساؤلات الأخطر هنا كثيرة، ومن أبرزها هل سيكون فك عزلة
نظام الأسد، عربياً، بلا شروط أميركية سرية، مثلا، وما هو موقف إسرائيل من هذه
التغيرات، وكيف يمكن أن يعاد إنتاج النظام وفقا لمعايير تتجنب الزواج الأبدي مع
الإيرانيين والروس، وما هو الثمن هنا، على مستوى النظام ذاته وبنيته الداخلية،
ومدى قدرته، أو قبوله أصلا، لتغيير ثوبه جوهريا.
والتساؤلات هنا كثيرة، لكن الإجابات عنها غامضة حتى الآن؛ لأن المؤكد أن هناك في السر مفاوضات واتصالات، تجري في كل هذه المنطقة، بعيدا عن
الأعين والآذان أيضا.
(الغد الأردنية)