تخطيط إسرائيل يستهدف التسبب بحرب أهلية بين الفلسطينيين، وإشعال قتال داخلي، والذين يقولون إن الحرب على قطاع
غزة تستهدف فصائل المقاومة، يتوهمون أو ربما يكذبون.
تريد إسرائيل تدمير فصائل المقاومة، لكن لها أهداف استراتيجية، من بينها إعادة تشكيل الديموغرافيا الفلسطينية، وهذا تم من خلال التهديد بسيناريوهات التهجير، ومن خلال تحريك الكتل الفلسطينية داخل قطاع غزة ذاته، من الشمال إلى الوسط والجنوب، ومن خلال التمهيد لسيناريو الهجوم على رفح، وإعادة تحريك الكتل السكانية تمهيدا للهجوم، إذا تم فعليا، ولم يكن مجرد تهديد لإتمام صفقة تبادل الأسرى، إضافة لما يتعلق بالوضع في الضفة الغربية والقدس.
هذا يعني أن إسرائيل لن تقف عند حدود العمليات العسكرية، وهذا يفسر تدمير البنى التحتية، وتحويل الحياة إلى جحيم، وهذا له تداعيات على مدى عقود، حتى لو توقفت الحرب.
الأدهى والأمرّ، أن إسرائيل تريد التسبب بحرب أهلية داخل القطاع، فالتركيبة السكانية داخل القطاع، يغلب عليها الفلسطينيون القادمون من فلسطين المحتلة عام 1948، بنسبة تتجاوز 60 بالمائة، والبقية من أهل غزة قبل قيام إسرائيل، والمجتمع الغزي عموما يتسم بالتدين والعشائرية والتماسك الاجتماعي، حيث نموذج العائلات الكبيرة يعد بارزا من حيث العدد والتكافل الاجتماعي والترابط، لاعتبارات موروثة تتعلق بمواجهة الأزمات، كما أن هذا المجتمع موزع سياسيا على فصائل مختلفة، وهو أيضا يمثل أعلى نسبة تعليم جامعي في فلسطين، وهذا المجتمع يراعي حسابات بعضه البعض، ويخضع لمعايير حساسة تتعلق بالقيم والشرف.
هذا المجتمع، تريد إسرائيل تشظيته وخلخلته وشقه سياسيا وأمنيا، من خلال إشعال النار داخله؛ ليصل أهله إلى مرحلة رفع السلاح بعضهم على بعض، خصوصا حين ألمح
الاحتلال سابقا إلى سيناريو تشكيل إدارات محلية من تكنوقراط فلسطينيين لإدارة القطاع، وهذا سيعني رد فعل داخلي يؤدي إلى قتل وتصفية هذه الإدارات من جانب العشائر والعائلات، التي ستعد الأمر بمنزلة خيانة للدم، في مجتمع لديه حساسية مفرطة، ويمارس الثأر السياسي، كما أن إسرائيل عادت مجددا وتواصت مع قيادات اجتماعية من وجهاء ومخاتير وغيرهم، ليتولوا توزيع المساعدات ومن أجل منع فصائل المقاومة من التدخل في توزيعها، ولم يكن غريبا رفض أكثر من 12 شخصا هذه المهمة؛ لاعتبارات وطنية ولكونهم يدركون أنهم لو وافقوا، فسيتعرضون للتصفية والقتل، وبما سيؤدي إلى رد فعل أهاليهم ضد من قتلوهم داخل القطاع، وإسرائيل ذاتها التي لا تعرف كيف سيدار القطاع بعد الحرب، تدرك أن دخول سلطة أوسلو وعناصرها على أنقاض القطاع، سيؤدي إلى مواجهات داخلية، واقتتال، وحرب أهلية، وسوف نسمع كل يومين عن سيناريو إسرائيلي جديد، ظاهره سياسي أو أمني أو إغاثي، لكن باطنه يستهدف إشعال قتال داخلي، وحرب أهلية بين مكونات غزة، التي ترقب بعضها البعض اليوم، بحساسية هائلة.
الخلاصة هنا تقول؛ إن الحرب على غزة لن تنتهي بمجرد وقف إطلاق النار؛ لأن إسرائيل فعليا عددت مسارات الحرب، وتجاوزت المسار العسكري منها، وتريد التأكد جيدا من تلغيم كل القطاع، سياسيا وأمنيا واجتماعيا واقتصاديا إلى مرحلة ما بعد الحرب، لتضمن استمرار خرابه، وإخراجه من معادلة تخوفاتها الاستراتيجية، وهذه مراهنة إسرائيلية بائسة لدى احتلال لم ينم ليلة واحدة مرتاحا منذ احتلال فلسطين، دون أن يسأل نفسه عن جدوى وجوده.
(الغد الأردنية)