كل الحرب التي نراها في قطاع غزة،
تستهدف ما يتجاوز القطاع بكثير، ولو وصلت لإسرائيل إلى قادة المقاومة واعتقلتهم
فلن تعلن عن ذلك برغم حاجتها لانتصار، لأنها تريد استمرار الحرب، ولو عرفت مكان أسراها
فلم تقم بإطلاقهم، لأنها لا تريد أي وضع يوقف الحرب.
هذا يعني بشكل محدد أن كل السردية
الإسرائيلية
باطلة، وهي سردية يراد منها استمرار الحرب من اجل تنفيذ مستهدفات استراتيجية تصل
الى
القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية.
ليلة اليوم الأول من رمضان، تم منع
المصلين إلى المسجد الأقصى، وتم تحديد الأعمار، ومنع أهل الضفة الغربية من الوصول
الى المسجد، ويوم امس، أي اليوم الثاني من رمضان في القدس، اقتحم مئات المستوطنين
المسجد الأقصى، في تحد علني لكل أمة المليارين مسلم، لان الأقصى مطلوب من الجميع،
وفوق كل هذا أقام
الاحتلال أسلاكا شائكة بمحيط باب الأسباط المؤدي إلى المسجد
الأقصى في القدس المحتلة، لأول مرة منذ عام 1967.
هذا يعني أن وراء المذبحة الجارية في
قطاع غزة، استفراد بالقدس، والجيش الإسرائيلي
الذي يعتدي على أهل القدس، بسلوكه المدنس، الذي يترافق مع خنق اقتصادي، وتدمير
اجتماعي بعد شهور من الحرب، لا يأبه بقدسية القدس عندنا، ويريد إتمام مخططه، من
خلال شطب قطاع غزة عن الخارطة، وفي التوقيت ذاته تنفيذ إجراءات خطيرة في المسجد الأقصى،
لاعتبارات دينية وسياسية، وتحت ما يسمى السيادة الإسرائيلية على الحرم القدسي.
التركيز على قطاع غزة فلسطينياً
وعربياً ودولياً يجب ألا ينسينا الجبهات المفتوحة في مواقع مختلفة، وهذا يقول إن إسرائيل
تنتظر موعدا محددا في قطاع غزة، وبعده ستدخل إلى ملف مدينة القدس، والمسجد الأقصى،
وقد حذر كثيرون مرارا من التقاسم الزمني والمكاني، إلا أن التحذيرات ذهبت أدراج
الرياح، برغم أننا نشهد تطبيقا جزئيا لسيناريو التقاسم، سترتفع درجته في وقت لاحق،
بما يعني أن الهدف الأكبر من الحرب الإسرائيلية ليس كل العناوين التي يعلنها
الاحتلال، ونتورط بتردادها بحسن نية، أو سوء نية، بل يمتد هذا الهدف إلى كل الواقع
الديني والاجتماعي والاقتصادي والديموغرافي في مدينة القدس، في سياق إعادة صنع
هوية المدينة.
إذا كانت إسرائيل تخشى تفجر الوضع الأمني
في القدس، وتتخذ احتياطات أمنية وعسكرية مسبقا، بل عمليات التضييق، فهي تضلل من
يستمعون إليها، لأنها هنا تصنع الظروف التي ستؤدي إلى هذا الانفجار الأمني، خصوصا،
مع مواقيت الجمع وصلاة التراويح والأعياد.
المسجد الأقصى ليس مجرد مسجد عادي،
وخطط إسرائيل بحق الأقصى وسوار الحماية الاجتماعية في مدينة القدس، لها جانب
استراتيجي يهدف إلى إخلاء المدينة وقراها في توقيت ما، وهذا يفسر محاولاتها تطبيق
سيناريو التهجير الفاشل في قطاع غزة، واحتمالات تطبيق ذات السيناريو في الضفة
الغربية، ومحاولات الإزاحة الديموغرافية لم تنجح حتى الآن، لكن لا احد يعرف إلى أين
ستصل الأمور خلال الفترة المقبلة، بما يفرض وضع القدس تحت الأعين ترقبا للحسابات الأمنية
والعسكرية في المدينة التي تنبع من حسابات دينية وسياسية إسرائيلية أصلا.
يحتاج الوضع في المسجد الأقصى، إلى
اكثر مما نراه حاليا، لان نظرية إدارة الموقف بشكل يومي بشأن تصرفات الاحتلال في الأقصى،
نظرية لن تكون ذات جدوى خلال الفترة المقبلة.
القدس العربي