بعد ساعات من قيام الرئيس عبد الفتاح
السيسي، بـ افتتاح
مسجد مصر الكبير والمركز الثقافي الإسلامي التابع له في العاصمة الإدارية الجديدة،
الذي يصنف كأحد أكبر مساجد العالم، روج الإعلام المصري إلى الدور المرتقب للمركز
باعتباره نافذة للمعرفة والخطاب الديني المستنير.
بتكلفة تخطت 800 مليون جنيه مصري، افتتح السيسي مسجد
مصر الكبير الذي يقع على مساحة 19 ألفاً و100 متر مربع، ويسع نحو 130 ألف مصل،
وحصل المسجد على 3 شهادات من موسوعة غينيس للأرقام القياسية، لاحتوائه على أكبر
منبر، وأكبر نجفة، وأثقل نجفة، حيث يصل ارتفاع منبره إلى 16.5 مترا، وعرضه إلى
مترين.
ويحتوي المسجد على 3 مداخل رئيسية يعلوها قبب إسلامية، بالإضافة إلى مدخل خدمي رابع ويتكون المسجد من صحن الصلاة بمساحة 9600 متر مربع، ويسع 12000 مصلى تعلوه قبة إسلامية رئيسية بقطر داخلي 29.5 متر، و6 قاعات تبلغ مساحة القاعة الواحدة 350 م2 وتعلو كل منها قبة إسلامية كما أن للمسجد فراغات خدمية مختلفة.
يبلغ عدد المصلين بالساحة العلوية: 40 ألف مصل، وعدد المصلين بالساحة السفلية: 55 ألف مصل.
ويبلغ إجمالي عدد المصلين 107 ألف مصل.
ويتوسط موقع مسجد مصر الكبير قلب الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة، ويحده طريق رقم 11 والمحور الرئاسي وساحة الشعب من جهة الشمال، وطريق محمد بن زايد الشمالي من جهة الجنوب، على هضبة بارتفاع 24 مترا.
وتضم العاصمة الإدارية الجديدة مسجدا آخر، هو
مسجد الفتاح العليم المقام على مساحة 106 أفدنة، بتكلفة 200 مليون جنيه، وتم افتتاحه
مطلع عام 2019، بالتزامن مع افتتاح كاتدرائية "ميلاد المسيح" الأكبر من
نوعها في الشرق الأوسط.
المفارقة أن السلطات المصرية التي حرصت على نقل
كل مؤسسات الدولة من العاصمة القاهرة من خلال إنشاء مؤسسات بديلة لها في العاصمة
الإدارية، لم تقم بإنشاء أي فرع لمشيخة
الأزهر مثل باقي مؤسسات الدولة، رغم أهمية
المشيخة الدينية والتعليمية.
ومنذ عام 2015، دأب السيسي على الدعوة إلى ما
يسمى "تجديد الخطاب الديني"، محمّلا مؤسسة الأزهر مسؤولية الاستجابة
لدعوته، مطالبا بما وصفها بثورة دينية لتغيير المفاهيم الخاطئة، وهو ما رد عليه
شيخ الأزهر أحمد الطيب بإطلاق استراتيجية للتجديد تتوافق مع رؤية المشيخة لا
الرئاسة.
خلق كيانات موازية للأزهر
ومنذ ذلك الحين، دأب نظام السيسي على خلق كيانات
موازية للأزهر تارة، وتقليص وانتزاع بعض اختصاصاته تارة أخرى، ولا يملك السيسي
سلطة تعيين شيخ الأزهر أو عزله، بفضل تحصين المنصب بعد جهود حثيثة قادها الطيب عام
2012 لإقرار تعديلات بعض أحكام القانون رقم 103 لسنة 1961، المتعلقة بإعادة تنظيم
الأزهر والهيئات التي يشملها.
إلى جانب الخلافات حول آلية تجديد الخطاب
الديني، وقعت صدامات بين الطيب من جهة والسيسي وأنصاره من جهة أخرى، حول عدد من
القضايا مثل قضية الطلاق الشفهي، والخلاف حول التراث والتجديد، وفصل الإفتاء عن
مؤسسة الأزهر.
ومنتصف عام 2020، قام نظام السيسي بتعديل قانون
تنظيم دار الإفتاء بما ينص على تبعيتها لمجلس الوزراء بدلا من وزارة العدل،
واعتبارها كيانا دينيا مستقلا، وهو ما رفضه بعض النواب وممثل الأزهر باعتباره يمس
استقلالية الأزهر.
وحذر ممثل الأزهر حينها من تغول دار الإفتاء
على الأزهر، لافتا إلى أن هذا القانون الجديد، إلى جانب مخالفته للدستور، يعمل على
إنشاء كيان مواز للأزهر، وبات اختيار المفتي من اختصاص السيسي وحده، وليس الأزهر
الذي كان يدعو هيئة كبار العلماء للانعقاد لترشيح ثلاثة من علماء الهيئة، والتصويت
عليهم في اقتراع سري لاختيار الأعلى أصواتا لمنصب الإفتاء.
مواصفات خاصة
ويرى وكيل وزارة الأوقاف الأسبق والأستاذ بكلية
الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر، جمال عبد الستار، أن "المركز الثقافي
الإسلامي الجديد يتسق مع أهداف السيسي بإنشاء موطن خاص به، ومواصفات دينية خاصة به
لا علاقة لها بمصر أو المصريين، العاصمة الإدارية أنشئت بأموال خرافية وكأنها دولة
جديدة، بالتالي لا علاقة للشعب بالمؤسسات الدينية بداخلها، حيث التنافس في أكبر نجفة
وأعلى منبر، وهذا ليس من الدين في شيء".
وأضاف لـ"عربي21": "يتم وضع
أفكار لتلك الأماكن الدينية الجديدة على نسج الدين الإبراهيمي، هو (السيسي) يريد
أن يجعل من مركز مصر الثقافي الإسلامي الجديد مصدر التوجيه
الديني لمنهجيته الدينية وليس لمنهجية الأزهر، وهو بالتالي يسوق لأفكار خاصة
به".
ورأى أن "العاصمة الإدارية ليست عاصمة
بأبنية جديدة، وإنما بأفكار اجتماعية ودينية جديدة منعزلة تماما عن طبائع وسجايا
المصريين، ويتعالون بها على الشعب ثقافيا وفكريا، نتحدث عن أرض خاصة بمواصفات خاصة
لأهداف خاصة للاحتماء بها والتحكم من خلالها بالمصريين، السيسي يصنع منظومة دينية
جديدة كاملة لا علاقة للأزهر بها".
تاريخ الأزهر
ويعد جامع وجامعة الأزهر (بناه المعز لدين الله
الفاطمي في عام 972) أحد مؤسسات الدين الإسلامي في مصر والعالم منذ أكثر من ألف
عام، وله 62 كلية جامعية وخمسة فروع في عموم البلاد، وهو المنوط به البعد الفقهي
في إحياء علوم الدين وتجديدها طبقا لمذهب أهل السنة والجماعة الذي يجمع بين العقل
والنقل، مع كشف قواعد التأويل المرعية للنصوص الشرعية .
قام الأزهر الشريف ومشايخه من خلال موقعه
الديني في مصر والعالم الإسلامي بدور وطني كبير ضد الاحتلال طوال تاريخه، وقاد
المقاومة الشعبية ضد الحملة الفرنسية 1798 بقيادة نابليون بونابرت، ومقاومة الاحتلال
البريطاني، وكان علماؤه وشيوخه في طليعة الثورات المصرية منذ ذلك الحين.
ينص الدستور في مادة 7 على (أن الأزهر الشريف
هيئة إسلامية علمية مستقله يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع
الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤوليه الدعوة ونشر علوم
الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية
الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة
اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء).
تجاوز للدور التاريخي
استهجن عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين،
محمود القلعاوي، محاولات النظام المصري تجاوز مكانة ودور الأزهر الشريف، وقال:
"المسجد بهذا الحجم لن يغني عن الأزهر الشريف، فالمسألة ليست بالكبر والضخامة،
الأزهر هو منارة علوم الدين منذ مئات السنين، وقبلة العلماء والدارسين من كل أنحاء
العالم، وتاريخه ضارب في وجدان وعقول الأمة الإسلامية".
وأضاف لـ"عربي21": "نحن أمام
أكذوبة كبيرة، يريد السيسي أن يصنعها من خلال الترويج إلى أن مصر مركز ثقافي وديني، من خلال بناء أكبر مسجد وأكبر مركز ثقافي وأكبر كنيسة، لكن الصورة
الحقيقية أن المصريين لا يحتاجون مثل تلك الأبنية الكبيرة، ولن يرتادوها ولن
يتأثروا بها".
استبعد القلعاوي أن "تنجح أي مؤسسة جديدة أو مركز جديد مهما كان حجمه أو شكله في أن يلعب دور الأزهر، ولا يمكن اختزال تاريخه
العلمي والديني والتعليمي والنضالي ضد المحتلين والمستعمرين، وأن يستبدل بكل ذلك نجفة أو منبر، وهو (أي الأزهر) الذي أخرج طوال قرون الكتب والعلماء، وأرسل البعثات
إلى كل مكان ليهتدوا بهدي الإسلام".