رغم تعثر المسار السياسي في
ليبيا على ضوء الخلافات المستمرة المتعلقة بقوانين الانتخابات، إلا أن المسار العسكري والأمني يشهد تطورا ملحوظا، وذلك في أعقاب لقاءات عدة جرت خلال الأيام الماضية لأول مرة منذ سنوات بين مكونات عسكرية وأمنية من الشرق والغرب، الأمر الذي يطرح أسئلة حول أسباب هذا
التقارب المفاجئ، وعلاقته بالضغوط الأمريكية لإخراج مرتزقة فاغنر الروسية من ليبيا، وملف إجراء الانتخابات.
ووصل وفد عسكري من
الجيش التابع لحكومة الوحدة الوطنية الليبية، الخميس، إلى مدينة بنغازي في زيارة هي الأولى له إلى شرق البلاد، لبحث توحيد الجيش، كان على رأسه رئيس أركان الجيش محمد الحداد وقيادات وحدات عسكرية بغرب ليبيا.
وتأتي زيارة الحداد لبنغازي للقاء عبد الرازق الناظوري رئيس أركان قوات الشرق التي يقودها خليفة
حفتر، لاستكمال مناقشات ملف توحيد الجيش الليبي الذي تشرف عليه اللجنة العسكرية المشتركة "5+5".
وفي شباط/ فبراير الماضي، كشفت البعثة الأممية عن اتفاق لجنة "5+5" على تشكيل قوة مشتركة لحماية الحدود كخطوة أولى لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية.
وسبق أن التقى الحداد والناظوري بشكل ثنائي في طرابلس مرتين خلال الفترة الماضية آخرها كان في 26 آذار/ مارس الماضي، كما أنهما شاركا في اجتماعات لجنة "5+5" داخل ليبيا وخارجها أكثر من مرة. في حين شهدت العاصمة أيضا خلال الأسابيع القليلة الماضية زيارة وفد أمني وعسكري رفيع من شرق ليبيا لبحث توحيد المؤسسات وتأمين الانتخابات القادمة.
وشهدت العلاقة بين العسكريين في الشرق والغرب الليبي، حالة أقرب إلى العداء، خصوصا في أعقاب شن قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر هجوما فاشلا في نيسان/ أبريل 2019 على العاصمة طرابلس، خلف وراءه خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، الأمر الذي يطرح أسئلة حول سر هذا التقارب في هذا التوقيت؟
ضغوط أمريكية
وفي تفسيره لما يجري، قال الكاتب الصحفي، عبد الله الكبير، إن التقارب مدفوع بضغوط أمريكية مهدت لها زيارات رئيس المخابرات الأمريكية وليام بيرنز ومساعدة وزير الخارجية الأمريكية بربارا ليف، بهدف تشكيل قوة مشتركة من الشرق والغرب والجنوب تتصدى وتطرد قوات مرتزقة فاغنر الروسية، وتؤمن حقول وموانئ النفط.
وشدد الكبير في حديث خاص لـ"عربي21" على أن هذا التقارب يشكل ضغطا إضافيا على الطبقة السياسية لكي تسارع إلى التوافق على قوانين الانتخابات ثم الاحتكام لها لإنتاج سلطة منتخبة بشرعية واضحة وصلاحيات كاملة لتولي المهام السياسية لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية.
ولفت إلى أن البعثة الأممية برئاسة عبد الله باتيلي تستخدم ما هو متاح لتوقيع المزيد من الضغط على مجلسي النواب والدولة، والتقدم في المسار الأمني العسكري هو أحد هذه الوسائل المتاحة.
موقف حفتر من هذه الترتيبات
وحول موقف حفتر من هذا التقارب، قال الكبير، إن حفتر لا يستطيع معارضة الإرادة الأمريكية، ويحتمل أن ثمة ضمانات منحت له لكي يبقى في المشهد ولا يتعرض لهجوم عسكري من غرب البلاد عند انكشاف ضعفه بإبعاده عن فاغنر التي تؤمن له التوازن السائد الآن.
ومتفقا مع الكبير، قال المتحدث باسم مبادرة القوى الوطنية الليبية، محمد شوبار، إن التقارب العسكري بين شرق ليبيا وغربها يرجع سببه الرئيسي إلى الضغوطات الدولية على كافة الأطراف العسكرية خصوصا حفتر، بهدف تشكيل قوة عسكرية مشتركة لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية على رأسها مجموعة
الفاغنر بالإضافة إلى حماية الحدود وتأمين الانتخابات.
وقال شوبار في حديث خاص لـ"عربي21"، إن فرض الأمن يخلق أرضية صلبة لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة وشفافة يتطلع إليها الليبيون منذ فترة طويلة، مشيرا إلى أن حالة الانقسام والانسداد السياسي والمؤسسي "سببها الرئيسي عدم رغبة الطبقة السياسية المتواجدة في السلطة الوصول إلى الانتخابات لإطالة أمد الأزمة أطول فترة ممكنة لنهب أموال الليبيين وتحويلها للخارج وهذا ما لن يسمح به المجتمع الدولي العازم على تحقيق الاستقرار في ليبيا".
فقدان الأمل
وشدد السياسي الليبي على أن إحاطة المبعوث الأممي الأخيرة أمام مجلس الأمن أكدت فقدان الأمل في إحراز السياسيين أي تقدم لأجل التوافق على قاعدة دستورية وقوانين إنتخابية، ولذلك أصبح التركيز على المسار العسكري والأمني أكثر خلال الفترة الأخيرة.
وتوقع شوبار أن تدفع البعثة الأممية والمجتمع الدولي قريبا "نحو مرحلة جديدة في تاريخ ليبيا تتمثل في الانطلاق نحو تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل والتمهيد والإشراف على الانتخابات والشروع في بناء وإعمار وازدهار ليبيا الحديثة".
يذكر أن اللجنة العسكرية المشتركة التي تضم 5 أعضاء من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا ومثلهم من طرف قوات حفتر تعقد منذ عامين، حوارات داخل ليبيا وخارجها لتوحيد الجيش تحت رعاية الأمم المتحدة، وذلك تنفيذا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف في تشرين الأول/ أكتوبر 2020.