كشف تقرير لمعهد واشنطن كيف ساهمت برامج في مواقع
التواصل الاجتماعي في نشر مشاعر العداء والكراهية تجاه اللاجئين السوريين في
تركيا، خصوصا بعد
الزلزال الذي ضرب تركيا أوائل شباط/ فبراير الماضي.
وقد تجلى استياء التركي عبر اتجاه إعلامي سائد يعرف باسم
"مقابلات الشارع"، الذي يسعى إلى الترويج لرفض وجود اللاجئين السوريين في
تركيا ونشر معلومات مضللة عنهم في الوقت نفسه.
ومع فقدان وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف مكانتها، فقد برزت
منصات إعلامية جديدة على غرار "يوتيوب" والمبادرات الصحفية القائمة على الإنترنت
وأصبح لها تأثير ملحوظ على النقاش المحتدم بشأن اللاجئين. وأدى ظهور المنابر البديلة
المشبعة بالكراهية، إلى زيادة انتشار الخطاب المسيء والتحريضي ضد اللاجئين.
يُذكر أن معدل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مرتفع في
تركيا، حيث يصل إلى 82 في المائة على الإنترنت وحوالي 70 مليون مشارك. ووفقاً لتقرير
صادر عن "معهد رويترز"، ازدادت شعبية وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها
مصدراً للأخبار في تركيا خلال السنوات القليلة الماضية، في حين انخفض عدد قراء الأخبار
المطبوعة والإلكترونية.
وفي استطلاع رأي أجري في تركيا، أفاد 61 في المائة من المستطلعين بأنهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للاطلاع على الأخبار، في ارتفاع عن نسبة 35
في المائة عام 2015، في حين قال 10 في المائة منهم إنهم يعتمدون عليها حصرياً كمصدر
للأخبار.
مقابلات الشارع
إن هذه المقابلات، التي يتمّ إعدادها ونشرها بشكل رئيسي عبر
"يوتيوب" قبل تسويقها بشكل أكبر على منصات مثل "تيك توك" و"إنستغرام"
لجذب المشاهدات، تلعب دوراً أساسياً في تشكيل المشهد الإعلامي الجديد في تركيا.
ويقوم هذا الأسلوب الناشئ على طرح الشخص الذي يجري المقابلة
- والذي نادراً ما يكون مراسلاً متمرساً - أسئلة مثيرة للجدل على مواطنين أتراك عاديين
في الشارع.
ويوجد في تركيا ما لا يقل عن 14 قناة رئيسية على موقع
"يوتيوب" في كل منها أكثر من 100 ألف مشترك. والملفت أن جميع هذه القنوات
تحدثت مراراً عن قضية اللاجئين، وجمعت نحو ملياري مشاهدة حتى هذا اليوم فضلاً عن أكثر
من 5.5 مليون مشترك.
ومن المساهمين المحتملين في زيادة شعبية المقابلات في الشوارع
هي الإيرادات المحققة على "يوتيوب". فوفقاً لـ"سوشيال بليد"،
وهي أداة عامة للتحليلات المتعلقة بموقع "يوتيوب"، تتراوح قيمة الإيرادات
الشهرية التي تحققها إحدى أبرز قنوات مقابلات الشارع "Ilave TV"
من الإعلانات بين 1200 و 19 ألف دولار أمريكي. وتتفاوت هذه المكاسب الشهرية بناءً على
عدد المشاهدات، في وقت تشير فيه البيانات العامة إلى أن بعض هذه القنوات مثل
"Halk Ekrani" تجني أرباحاً تصل إلى نحو 55 ألف دولار شهرياً.
وتختلف التوجهات السياسية لأبرز قنوات المقابلات في الشوارع.
فعلى الرغم من أن القسم الأكبر من هذه القنوات ينتقد الرئيس أردوغان، إلا أن هناك أخرى
على غرار "Ahsen TV" - التي يديرها قوميون أتراك
من أنصار الإسلام السياسي التابع للشبكة الدينية المعروفة باسم "Ismailaga Cemaati" (جماعة إسماعيل آغا)، هي من أبرز المؤيدين لأردوغان. والجدير
بالملاحظة أن كل واحدة من هذه القنوات الرئيسية، بغض النظر عن موقفها السياسي، أنتجت
مقاطع فيديو سلطت الضوء فيها على رفض وجود اللاجئين. ويبدو أن مقاطع الفيديو الخاصة
بالمقابلات في الشوارع، والتي حصدت أكثر من ملياري مشاهدة منذ عام 2022، تعرض أنماطاً
تؤجج المشاعر والتصرفات المعادية للاجئين، على غرار المقاطع الفيروسية التي تظهر لاجئين
سوريين يلاحقهم الأتراك الغاضبون ويطالبونهم "بالعودة إلى
سوريا".
ويشكل "Ilave
TV" خير مثال على هذه
الموجة الإعلامية الجديدة. ففي آب/ أغسطس 2022، حصد التلفزيون، الذي لديه أكثر من
600 ألف مشترك، ما معدله 130 ألف مشاهدة يومياً ونحو مليون مشاهدة أسبوعياً. وقد عرضت
القناة ما لا يقل عن 12 مقطع فيديو لمقابلات معادية للاجئين أجريت في الشوارع خلال
السنوات الثلاث الماضية، وجذبت أكثر من 5 ملايين مشاهدة.
وحصد مقطع فيديو عن خطة لاجئ سوري للبقاء في تركيا - والتصويت
لأردوغان - أكثر من مليون مشاهدة. وفي هذا المقطع المصور يتحدث شاب سوري إلى مراسل
"Ilave TV" بينما يشارك المارة في الجدال منددين بالشاب السوري. ويظهر فيه
أيضاً رجل تركي يتحدث بغضب بسبب هروب اللاجئين السوريين من بلادهم "كالنساء"
فقط بهدف التحرش بالنساء التركيات والتسبب في رفع الإيجارات في البلاد. ويشير رجل تركي
آخر إلى اللاجئ قائلاً: "كل من يواجه صعوبات في بلده يأتي إلى [تركيا]. فهم يأتون
من أفغانستان والعراق وإيران... هكذا أصبحت تركيا! لقد انتهت تركيا!".
ويبدو أن هناك قاسما مشتركا يجمع بين مقابلات الشارع وهو المطالبة
بطرد اللاجئين السوريين. ففي إحدى المقابلات على قناة ""Halk Ekrani، وافق 33 من بين 40 شخصاً من الذين
أُجريت معهم المقابلات على ضرورة ترحيل السوريين. وبينما أعرب البعض عن تعاطفهم مع
محنة السوريين، إلّا أن الأغلبية وصفتهم بأنهم "عبء اجتماعي" يستنزف موارد
البلاد.
وتستند وجهة النظر الشائعة هذه، التي يعبر عنها مراراً الأتراك
أثناء المقابلات التي تجرى معهم في الشارع، إلى بعض النقاط الأساسية.
الحرب وضعت أوزارها
من الأسئلة الأكثر شيوعاً التي تُطرح على السوريين خلال المقابلات
معهم في الشارع هي سبب بقائهم في تركيا على الرغم من "انتهاء" الحرب في بلدهم.
فالذين يجرون المقابلات يزعمون أن اللاجئين يغادرون إلى سوريا للاحتفال بالأعياد وإذا
كان بإمكانهم قضاء عطلة فيها، فبإمكانهم العودة للعيش هناك.
لكنّ الواقع هو أن الحرب في سوريا لم تنته بعد. فالحكومات
والجيوش الأجنبية لا تزال تنفذ عملياتها في البلاد، في حين أن نظام الأسد والمقاتلون
المتحالفون معه، يواصلون أعمالهم الوحشية ضد المدنيين، ولا سيما ضد الذين شاركوا في
الانتفاضة ضد دمشق. وبينما يصح القول بأن وتيرة العنف قد تراجعت، إلا أن الصراع مستمر
في جيوب عديدة من البلاد.
اللاجئون ينتزعون الوظائف من الأتراك ويتقاضون
رواتب من الحكومة
من الاتهامات التي غالباً ما توجه إلى اللاجئين هي أنهم
"يسرقون الوظائف" من الأتراك. ففي أحد مقاطع الفيديو التي بثتها قناة
"Ilave TV"، يدّعي أحد المارة أنه "مقابل كل عمل يحصل عليه سوري، يخسر
شاب تركي فرصة عمل".
وبينما يصح القول
بأن دخول ملايين اللاجئين إلى سوق العمل (الرسمي وغير الرسمي) في تركيا زاد المنافسة، فإن هذه الرواية لا تنقل الصورة كاملة. ويعمل عدد كبير من هؤلاء اللاجئين في تركيا
في ظروف غير لائقة، أي يشغلون في معظم الأحيان وظائف لا يرغب بها أحد في قطاع الصناعة
الثقيلة لقاء أجر زهيد نسبياً.
كذلك، يدّعي الأتراك المعادون للاجئين أن السوريين الذين
"يسرقون الوظائف"، يتقاضون أيضاً مبالغ شهرية من الحكومة التركية. وفي حين
أن بعض هؤلاء اللاجئين يحملون بطاقة "الهلال الأحمر" التركي الممولة من قبل
الاتحاد الأوروبي التي تمنحهم 230 ليرة تركية (حوالي 12 دولاراً) شهرياً كمساعدة إنسانية،
إلّا أنه لا أساس للادعاءات بأنهم يتقاضون رواتب شهرية من الحكومة التركية.
إن المقابلات في الشارع غالباً ما تصوّر السوريين على أنهم
سبب التدهور الاقتصادي الذي تشهده تركيا. فتلك التي تبدأ بطرح أسئلة لا ترتبط مباشرة
بقضية اللاجئين السوريين - على غرار معدلات التضخم المرتفعة - تتحول دائماً إلى مناقشات
محتدمة بشأنهم. وكانت إحدى أبرز القنوات التي تعرض مقابلات الشارع "Sade Vatandas"، قد عملت في تموز/ يوليو 2022 على تغطية أخبار ارتفاع أسعار
السلع في مقاطعة غازي عنتاب جنوب شرق البلاد التي تستضيف ثاني أكبر تجمع للاجئين السوريين
الذين يتخطى عددهم الـ 460 ألف شخص أي نحو 18 في المائة من سكانها. وما هي إلا دقائق
قليلة حتى تحولت شكاوى الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات بشأن التضخم إلى شكوى جماعية
من أن الحكومة التركية تفضل اللاجئين السوريين على مواطنيها. وفي هذا السياق، أعربت
امرأة مسنّة عن أسفها على طريقة تخصيص الحكومة للموارد قائلةً إن الحكومة "كانت
تزود [الأتراك] بالفحم، لكنها تعطيه الآن للسوريين".
من جهتها، ناشدت شابة تركية، وقد بدا عليها الانفعال، أنقرة
السماح للاجئين السوريين بعبور الحدود إلى أوروبا، قائلةً إنه بمجرد ذهابهم سيجد أزواجنا
عملاً، وستزداد أعمال الحرفيين الأتراك وستتوقف أسعار الإيجارات عن الارتفاع. وقد لقي
خطابها استحساناً.
وقد تجلى هذا الاعتقاد الخاطئ بشأن المبالغة في تحميل اللاجئين
مسؤولية المشقات الاقتصادية التي تواجهها تركيا حالياً بأشكال مختلفة غير متوقعة في
مقابلات الشوارع. ففي مقابلة غريبة بعض الشيء تسلط الضوء على هذه الأفكار المغلوطة،
ألقى مواطن تركي اللوم على السوريين وحمّلهم مسؤولية عجزه عن شراء الموز.
وانتشر هذا الفيديو الذي عرضته "Kanal Dunya" على موقع "يوتيوب" بسرعة، ليتسبب في انتشار موجة معاكسة
من مقاطع الفيديو عبر "تيك توك" لأشخاص يأكلون الموز ويزعمون أنهم لاجئون
سوريون. وقد أغضبت هذه الفيديوهات الأتراك على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع الحكومة
إلى ترحيل 45 لاجئاً بسبب نشرهم محتوى "مستفزا" على وسائل التواصل الاجتماعي.
اللاجئون يحصلون على التعليم لكنهم لا يخضعون
للامتحانات
في حزيران/ يونيو من كل عام، يخضع طلاب السنة الدراسية الأخيرة
وخريجو المدارس الثانوية التركية الذين يرغبون في متابعة دراساتهم العليا، لامتحانات
دخول إلى الجامعات الوطنية تستمر ليومين، علماً بأن المنافسة شديدة حيث خضع أكثر من
ثلاثة ملايين طالب للامتحانات في عام 2022. غير أنه ثمة اعتقاد خاطئ يسود في تركيا
بأنه يتم إعفاء اللاجئين من الامتحانات الوطنية.
وفي الواقع، قد تكون امتحانات الدخول إلى الجامعة أكثر صعوبة
وتكلفة بالنسبة للاجئين السوريين. فجميع الأجانب المقيمين في تركيا، بغض النظر عن وضعهم
القانوني، يخضعون لإجراءات القبول نفسها. وعليه، فإن اللاجئين السوريين يعتبرون مقدمي طلبات
أجانب ويخضعون "لامتحانات الطلاب الأجانب" التي تضعها كل مؤسسة تعليمية لاختيار
مرشحين لملء الحصص المخصصة للطلاب الأجانب، المحدودة عادةً. وحيث أن كل جامعة تُنظم
امتحان الدخول الخاص بها، فغالباً ما يضطر الطلاب الأجانب إلى دفع رسوم التسجيل في عدة
امتحانات.
اللاجئون يشكلون تهديداً على المجتمع
تشير شهادات الأتراك الذين أجريت معهم مقابلات الشارع إلى
أن قسماً من الشعب التركي يعتقد أن اللاجئين يشكلون تهديداً على الأمن و"أسلوب
الحياة التركي" والنساء.
بالإضافة إلى ذلك، خلصت دراسة أجراها "مركز الدراسات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية" "سيتا" إلى أن الأتراك غالباً ما
يشكون من أن وجود اللاجئين السوريين منعهم من الاستفادة من المساحات الترفيهية الحضرية؛
فقد ذكر 59.8 في المائة من المستطلعين أن السوريين يهددون "أسلوب الحياة المعاصر".
ولفتت الدراسة إلى أن بعض المواطنين الأتراك يعتبرون اللاجئين السوريين خطراً على العلمانية
فيرون أنهم محافظون اجتماعياً ويحملونهم اللوم في ابتعاد تركيا عن مواكبة النمط الغربي
للحياة.
وغالباً ما تصوّر هذه المقابلات غالبية اللاجئين السوريين
من الرجال، لتشير بعدها إلى أنهم جبناء هربوا من الصراع تاركين نساءهم وأطفالهم. غير
أن البيانات الصادرة مؤخراً بشأن اللاجئين السوريين في تركيا تدحض هذه التصورات.
فوفقاً لـ"جمعية اللاجئين" غير الربحية ومقرها تركيا، يشكل النساء والأطفال أكثر من
70 في المائة من إجمالي عدد السوريين الموجودين في البلاد. وخلال هذه المقابلات، يعرب
الأتراك أيضاً عن قلقهم من عدم فرض إجراءات صارمة على دخول اللاجئين، زاعمين أن بعضهم
مجرمون. فعلى سبيل المثال، يسرد أحد الأتراك في إحدى المقابلات رواية غير مؤكدة يتهم
فيها صاحب محل للوجبات الجاهزة من اللاجئين السوريين بقطع رأس جندي تركي في سوريا قبل
هروبه. وفي مقابلة أخرى أجرتها قناة "Medyali TV"،
سلط رجل تركي آخر الضوء على مدى انعدام الثقة في اللاجئين السوريين حيث ظهر فيها وهو
يحذر من أن اللاجئين السوريين سيصبحون "في غضون عشر سنوات جواسيس وسيغدرون [بالأتراك]"،
وهو اتهام لقي تأييداً كبيراً من الحشد الحاضر.
وفي هذه المقابلات يتطرق الأتراك في كثير من الأحيان إلى
الخطر المحدق بالنساء. ففي مقابلة عرضها "Ilave TV"،
تَوجه رجل تركي بانفعال إلى لاجئ سوري قائلاً له "يومياً تضايقون نساءنا".
وكان الرجل يشير على الأرجح إلى سلسلة من الحوادث التي حظيت باهتمام إعلامي واسع جراء
عرض فيديوهات عدة لنساء تمّ تصويرها من زوايا فاضحة وزُعم فيها أن رجالاً لاجئين سوريين
وأفغانا وباكستانيين قاموا بنشرها. وفي الفوضى التي أعقبت ذلك، دعا الأتراك حكومتهم
إلى ترحيل اللاجئين لحماية النساء.