ما زالت
آثار تسريب وثائق البنتاغون تُثير حالة من الجدل في الولايات المتحدة وخارجها، خاصة
في الدول الحليفة لها، حيث أظهرت تجسس واشنطن عليهم، ومنهم فولوديمير زيلينسكي.
ووفقا
لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" فقد أثارت هذه التسريبات غضبا شديدا بين
المسؤولين الأمريكيين، خاصة أن الوثائق المسربة تحدثت عن عمل الوكالات الاستخباراتية
الأمريكية حول الحرب الأوكرانية، وكيف كانت واشنطن تجمع معلومات عن الحرب.
كذلك
كشفت الوثائق أن واشنطن اخترقت القوات الروسية بشكل عميق، بحيث تستطيع تحذير الأوكرانيين
مقدما عن تحركات الروس وخططهم ومكامن ضعفهم وقوتهم.
وأظهرت
الوثائق أيضا أن واشنطن تنصتت على حليفتيها كوريا الجنوبية وإسرائيل، وكشفت إحدى الوثائق
عن الكيفية التي تقيم بها واشنطن سياسات الحلفاء، وكيف يمكن لها ممارسة التأثير فيهم
لتعديل هذه السياسات.
تجسس
معلوم
وأما
عربيا فقد كشفت إحدى الوثائق أن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي أمر مساعديه
بإنتاج 40 ألف صاروخ ليتم شحنها سرًا إلى روسيا، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".
لكن
يبقى السؤال: هل ستضر هذه التسريبات بعلاقة واشنطن بحلفائها؟
قلل
الخبير في الشأن الأمريكي خالد صفوري، "من أهمية تأثير هذه الوثائق المسربة على
علاقة واشنطن بحلفائها"، مؤكدا أن "عمل واشنطن الاستخباراتي معروف للجميع".
وقال
صفوري لـ"عربي21" إن "هذه التسريبات لن تؤثر بشكل كبير على علاقة واشنطن
بحلفائها، فمعظمهم يعلمون تماما أنها تتجسس على الجميع بمن فيهم حلفاؤها، وأكبر مثال
الفضيحة المشابهة التي حدثت قبل أربع سنوات، حينما تم الكشف عن تجسس واشنطن خلال عهد
ترامب على المستشارة الألمانية آنغيلا ميركل".
وأكد
أنه "على الرغم من معرفة حلفاء واشنطن بعمليات تجسسها، فإنهم لا خيارات لهم،
خاصة أن الولايات المتحدة هي القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم".
تدقيق
أمريكي على دول عربية
من جهته
لا يعتقد مارك كاتز، أستاذ الحكومات والسياسة بجامعة جورج ميسون، أن "هذه الوثائق
المُسربة سيكون لها أي تأثير أكثر من التسريبات السابقة -ويكيليكس مثلا-، نعم سيكون
هناك بعض التذمر العام، لكنّ حلفاء واشنطن الغربيين سيواصلون العمل معها".
وتابع
كاتز في حديث لـ"عربي21": "ولكن مع ذلك، فإن الكشف عن إمكانية عمل مصر
والإمارات مع روسيا، سيؤدي إلى مزيد من التدقيق في واشنطن حول قيمة العلاقة الأمريكية
مع هاتين الحكومتين على وجه الخصوص".
تأثير
على الثقة لا على العلاقة
وتأتي
هذه التسريبات بعد أقل من عام على تصريحات للرئيس الفرنسي ماكرون، والتي دعا فيها الدول
الأوروبية للحد من اعتمادها على واشنطن، وأن تكون حاسمة أكثر في الحلف المشترك
"الناتو"، مؤكدا أن الأوروبيين يحتاجون للاستقلالية.
وعاد
ماكرون مرة أخرى لنفس الحديث المثير للجدل أمريكيا وأوروبيا، حيث دعا خلال زيارته للصين
في بداية هذا الشهر إلى "الاستقلال الأوروبي"، خاصة في ملف تايوان. وقال لصحيفة
"ليزيكو" الفرنسية إن "الاعتقاد أننا نحن الأوروبيين يجب أن نكون أتباعا
في ما يخص مسألة تايوان هو أسوأ شيء".
وطالب
الأوروبيين بضرورة الاستيقاظ، مؤكدا أن "أولوية الأوروبيين أن لا يتكيفوا مع أجندة
الآخرين في مختلف مناطق العالم".
وساهمت
تصريحات ماكرون ومن بعدها فضيحة الوثائق المُسربة من البنتاغون في إثارة التساؤلات
عن تأثير هذه التسريبات على علاقة واشنطن بحلفائها التقليديين في أوروبا.
وقال
الصحفي المتخصص بالشؤون الأوروبية ناصر جبارة، إنه "بلا شك أن هذه التسريبات سيكون
لها أثر على علاقة واشنطن بشركائها الأوروبيين، ولكن ذلك سيكون على المدى القريب فقط".
وتابع
جبارة خلال حديثه لـ"عربي21": "لكن على المتوسط والبعيد لن يكون هناك
تأثير، نعم على المدى القريب ممكن حيث ما زالت وسائل الإعلام تتداول هذه القضية الحساسة،
كذاك سيخرج تصريحات من هنا وهناك تُشير إلى أن
العلاقات ستتأثر".
وأوضح أن "أسباب عدم تأثر العلاقة واضحة، فنحن نعلم أجهزة المخابرات تتجسس على بعضها
البعض، كذلك الأوقات والظروف في الفترة الراهنة حرجة جدا وتحتاج إلى اتخاذ مواقف غربية
موحدة، ولكن بشكل عام فإن التبعات الأساسية لهذه التسريبات ستكون فقط على مسألة الثقة
بين الشركاء الأوروبيين والأمريكيين".
وأعرب
عن اعتقاده بأن "التأثير على المدى القريب سيكون بشكل عام في ثلاث مستويات، المستوى
الأول هو الجهات أو الدول المناهضة للولايات المتحدة، حيث ستشعر هذه الجهات بتأكيد
التسريبات لمواقفها الداعية إلى أن تكون مناهضة لواشنطن".
وأضاف:
"أما المستوى الثاني فهو الدول المتشككة في العلاقة مع الولايات المتحدة تحديدا
دول المنطقة، فنحن نعرف أن هذه التسريبات ذكرت دولا معينة بالاسم، وهي مصر والإمارات
العربية المتحدة وإسرائيل، وأعتقد أن التسريبات ستعزز نظرة هؤلاء المتشككين إلى الولايات
المتحدة وتساعدهم في حسم العلاقة معها".
وأكمل:
"وأما المستوى الثالث فهو الحلفاء؛ وهنا أتحدث عن الاتحاد الأوروبي والدول الأنجلو
سكسونية، ولكن على المدى المتوسط والبعيد لن تساهم هذه التسريبات في إحداث ضرر كبير
في العلاقات بين الطرفين".
وحول
إمكانية أن تلقى تصريحات ماكرون بعد هذه التسريبات استجابة من الأوروبيين، قال جبارة:
"التصريحات التي صدرت على لسانه وهو في الطائرة فوق الأجواء الصينية لصحيفتين
فرنسيتين، أثارت ضجة كبيرة جدا وتحديدا في ألمانيا، وكانت هناك انتقادات شديدة اللهجة
له، ليس فقط على المستوى السياسي ولكن أيضا على المستوى الإعلامي لدرجة أن بعض الصحف
الألمانية وصفته بأنه فقد عقله".
وأكد
أن "هناك رغبة فرنسية في أن يكون القرار الأوروبي مستقلا عن الولايات المتحدة،
ولكن الفرنسيين معروفون منذ الستينيات بسعيهم للاستقلال عن واشنطن، بالمقابل فإن الألمان
يختلفون في هذه المسألة عنهم".
وأضاف:
"بالتأكيد هذه التسريبات ستخلق مزاجا من عدم الثقة بين الأوروبيين والولايات المتحدة،
وتأتي كورقة داعمة للرئيس الفرنسي في هذه السياسة الراغبة بالاستقلال عن واشنطن، ولكن
كما قلت، فإن تصريحات ماكرون ستحدث شرخا في العلاقات الأوروبية الأوروبية وتحديدا مع الألمان".
لا جديد
حول الحرب الروسية-الأوكرانية
أشارت
بعض الوثائق المسربة إلى وجود عدد صغير من القوات الخاصة الغربية في أوكرانيا، دون
أن تحدد ماهية أنشطتها، والمثير بهذه التسريبات أنها أظهرت ما كانت الحكومات الغربية
ترفض التعليق والتصريح به حول مشاركتها في الحرب مع أوكرانيا.
كذلك
حددت وثيقة أخرى الموعد الذي ستكون فيه 12 من الألوية الأوكرانية جاهزة، وذكرت تفاصيل
دقيقة عن العربات المدرعة والدبابات وقطع المدفعية التي يزود بها الغربيون أوكرانيا.
إلا
أن الصحفي ناصر جبارة يعتقد أن "هذه التسريبات لن تؤثر على مسار المعركة، وأكبر
دليل على ذلك هو أن معظم هذه المعلومات ليست جديدة، وبشكل عام فالجميع يعلم أن أوكرانيا
تنقصها ذخيرة، وأن الجيش الأوكراني يعاني من صعوبات كبيرة".
وأضاف:
"هذه التسريبات برأيي تهدف فقط إلى إحداث حالة من عدم الثقة وإثارة بلبلة في الرأي
العام، وعموما فإن هذه التسريبات ستحدث فقط إرباكا، وتثير حالة من عدم ثقة عند الرأي
العام داخل المجتمعات الغربية تجاه الولايات المتحدة والحكومات الغربية، ولكن التأثير
على أرض المعركة لن يكون كبيرا".
كذلك
اتفق مارك كاتز، أستاذ الحكومات والسياسة بجامعة جورج ميسون، مع جبارة في الرأي، وقال:
"لا شيء تم الكشف عنه في الوثائق يقول أي شيء لا تعرفه الحكومات المعنية بالفعل".
وأضاف:
"لكن على الرغم من ذلك، فربما أنها دلالة على أن من ينقلون المعلومات من الأجهزة
الأمنية الروسية إلى الغرب سوف يؤدون إلى حملة من النقد والتشويش السياسي في موسكو
- سواء كانت هذه التقارير صحيحة أم لا".
بالمقابل
يرى المحلل السياسي خالد صفوري أن "تسريب هذه الوثائق سيغير مسار الحرب، حيث إن
إحدى الوثائق تحدثت عن نية أوكرانيا شن حرب في الربيع لاستعادة بعض الأراضي المحتلة
من قبل روسيا، ولهذا تم إلغاء هذه الخطط الحربية بسبب التسريبات".
إلا أن كاتز يرى أنه "لم نكن بحاجة إلى الوثائق المسربة لنعرف أن أوكرانيا كانت تخطط لهجوم الربيع، ولن يتم إلغاؤه بسبب هذه الوثاق، وفي حال تم إلغاؤه فسيكون ذلك بسبب نقص القدرة الأوكرانية".