نشرت
وكالة "
بلومبيرغ" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن تأثير الدبلوماسية العربية
الجديدة على الأوضاع في
السودان، حيث تزعم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن هذه
الدبلوماسية تساهم في حل المشاكل طويلة الأمد وتحسين العلاقات بين الدول العربية.
وقالت
الوكالة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن النخب الحاكمة في الشرق
الأوسط وشمال أفريقيا كانت على امتداد السنوات الثلاث الماضية تهنئ نفسها على ما
تدّعي أنه عهد جديد من الدبلوماسية العربية.
ورأت
أنه مع فقدان الولايات المتحدة اهتمامها (أو بالأحرى تخليها عن التزاماتها)
بالعالم العربي، فقد بات قادة المنطقة يقومون ببراعة بالتكيّف مع بعضهم البعض ومع
القوى العالمية الأخرى لحل المشاكل طويلة الأمد في المنطقة.
واعتبرت
أن العرب لا يحتاجون إلى حلول غربية للأزمات التي تواجهها المنطقة، مشيرة إلى أن
العديد من المبادرات الإقليمية الأخيرة أمثلة على هذه البراعة الدبلوماسية
الجديدة، بدءًا من اتفاقيات إبراهيم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وصولًا إلى
الاتفاق السعودي الإيراني.
وبحسب
الوكالة فإن فكرة تعامل اللاعبين الإقليميين مع مشاكلهم تناسب الإجماع بين الحزبين
في واشنطن على أن الولايات المتحدة يجب أن تقلل من انفتاحها الدبلوماسي على العالم
العربي وتعيد توزيع الموارد على مناطق أخرى منكوبة، مثل شرق آسيا ومؤخرًا أوروبا
الشرقية.
ولفتت
إلى أن هذا السرد يتجاهل عدد الأزمات التي خلقها الممثلون الذين يشغلون حاليا
مناصب قيادية. فعلى سبيل المثال، كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المحرك
الأساسي لحرب اليمن التي يحاول حاليا الخروج منها عن طريق تسوية مع الجمهورية
الإسلامية.
حرب
السودان
وأكدت
"بلومبيرغ" أن التنافس الدموي على السلطة بين الجنرالات السودانيين
المارقين يمثل تحديًا جديدًا للدبلوماسية العربية حديثة العهد. وفي الواقع، فإن من
السهل إجراء محادثات خلال هدنة في صراع استنفد المقاتلين - مثل الحروب الأهلية في
اليمن أو سوريا - بينما الأمر يختلف تماما في خضم موجة عنف اندلعت للتو.
ولم
يدخل اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
والأمم المتحدة حيز التنفيذ، حيث لم يُبدِ الطرفان المتحاربان - قائد الجيش عبد
الفتاح
البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "
حميدتي" - أي
نية لإنهاء الصراع. وكلاهما يتنافس على قيادة السودان، وهو بلد عربي بقدر ما هو أفريقي.
وكما
هو الحال مع اليمن، فإن أزمة السودان من صنع العرب إلى حد كبير. فعندما أطاحت
الانتفاضة السلمية الشعبية بديكتاتورية عمر البشير العسكرية التي استمرت 30 سنة
قبل أربع سنوات وتم استبدال حكومة انتقالية من المدنيين والجنرالات بها، فقد اختارت
كُبرى الدول العربية دعم الجنرالات، وفق "بلومبيرغ".
وذكرت
الوكالة أن
مصر، بقيادة الجنرال الذي استولى على السلطة في انقلاب، انحازت إلى
البرهان. ودعمت
السعودية والإمارات حميدتي، الذي أرسل بدوره مقاتلي قوات الدعم
السريع لخدمة مصالحهم في اليمن. ولم يكن ذلك مهما على الإطلاق بالنسبة لكل من البرهان
وحميدتي اللذين اتُّهما بالمشاركة في ارتكاب إبادة جماعية بإقليم دارفور.
عندما
طرد الجنرالات، الذين وحدوا قواهم آنذاك، المدنيين من الحكومة وتولوا زمام السلطة
في الخرطوم لم تكن الدول العربية تبالي كثيرا بتبدد آمال السودانيين. وكانت
القيادة العسكرية ممتنة بشكل مناسب: ففي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بعد أن أعلن
الجنرالات اتفاقًا غير صادق بهدف استعادة بعض المشاركة المدنية في الحكومة، وقّعت
مجموعة إماراتية اتفاقا أوليا بقيمة 6 مليارات دولار لبناء ميناء جديد ومشاريع
بنية تحتية أخرى على ساحل البحر الأحمر.
وحسب
"بلومبيرغ"، فإن القتال بين قوات البرهان وحميدتي يجب أن يُثبت لرعاتهم
العرب أن الجنرالات لا يمكن الوثوق بهم. ومن الأفضل إبرام صفقات مع حكومة مدنية
خالية من التدخل العسكري.
وبالنظر
إلى أن الجنرالات لديهم عدد قليل من الممولين وغيرهم من موردي الأسلحة، فإن الدول
العربية قادرة على كبح جماحهم. ويجب أن يكونوا قادرين على استخدام علاقاتهم الوثيقة
مع موسكو لتقييد الدور الذي تلعبه مجموعة فاغنر الروسية.
لكن
التحدي الأكبر بالنسبة للسعوديين والمصريين والإماراتيين يكمن في الانفصال عن
ميلهم التاريخي نحو دعم رجال وأمراء الحرب الأقوياء. وفي الوقت الراهن، سيكون ذلك
تجسيدًا موثوقًا لـ "الدبلوماسية العربية الجديدة".