قال موقع "
ميدل إيست آي" إن اندلاع الحرب في
السودان يختبر رغبة القوى الخليجية في اتباع شكل أكثر دقة من فن الحكم بعد ما يقرب من عقد من التدخل الساخن، والمتعرج في كثير من الأحيان، في الصراعات الإقليمية.
واعتبر الموقع أن صور قوات
الجيش السوداني بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان ومقاتلين شبه عسكريين بقيادة حليفه السابق محمد حمدان دقلو، وهي تقاتلها في شوارع الخرطوم، تتعارض بشكل صارخ مع عناوين الأخبار الأخيرة في المنطقة.
في اليمن، تبادلت
السعودية الأسرى مع الحوثيين المتحالفين مع إيران في إطار سعيها لإنهاء حرب أثارت انتقادات لها في الغرب وصرفت انتباهها عن أجندة الإصلاح الاقتصادي لولي العهد محمد بن سلمان.
وقامت كل من
الإمارات والسعودية بترميم العلاقات مع إيران، بعد أن تحولت من تسليح المعارضة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، حليف طهران، إلى الترحيب به مرة أخرى في الحظيرة العربية. حتى ليبيا، التي لا تزال منقسمة بين المعسكرات المسلحة المتناحرة، شهدت هدوء القتال.
قال كين كاتزمان، كبير المستشارين في مجموعة صوفان، لموقع "
ميدل إيست آي" إن "دول الخليج تنظر إلى السودان وتريد فقط تسوية هذا الأمر. إنهم يشعرون بأنهم قادرون على التعامل مع من يتصدر المشهد، لكن ما لا يحتاجون إليه هو التصعيد".
وبحسب الموقع، يقول الخبراء إن الصراع في السودان سيئ التوقيت بشكل خاص بالنسبة للسعودية، لأن خطط ولي العهد محمد بن سلمان لتنويع اقتصاده المعتمد على الوقود الأحفوري تعتمد بشكل كبير على ساحل البحر الأحمر.
من المقرر أن يكون الساحل الشمالي للمملكة موطنًا مستقبليًا لمدينة نيوم، وهي مدينة ضخمة مستقبلية بقيمة 500 مليار دولار. وقبل أيام قليلة من اندلاع القتال في السودان، أعلنت الرياض عن خطط لإقامة منطقتين اقتصاديتين خاصتين على البحر الأحمر.
سوريا على "بحر الرياض"
نقل الموقع عن عزيز الغشيان، الباحث السعودي في السياسة الخارجية ومقره الرياض، قوله إن "آخر ما تحتاجه السعودية الآن هو سوريا على بحر الرياض".
و"تريد السعودية أن يكون السودان مستقرا، وإذا كان هناك السودان غير المستقر، فإن المشاريع على البحر الأحمر لن تحقق إمكاناتها، وهذا هو القلق في الرياض الآن"، بحسب الغشيان.
وبينما يعزو المحللون قرب السعودية من السودان كأحد الأسباب التي تجعلها تتخذ نهجًا أكثر حذرًا تجاه الصراع، فإنهم يقولون إن تحولًا أعمق يحدث أيضًا في القصر الملكي، بحسب "
ميدل إيست آي".
في عام 2015، قاد وزير الدفاع السعودي آنذاك، محمد بن سلمان، بلاده إلى حرب مميتة ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. وعلى الرغم من شن آلاف الضربات الجوية على الدولة الفقيرة، لم يتمكن التحالف من طرد الجماعة.
يقول توربيورن سولفيرت، المحلل في شركة المخاطر Verisk Maplecroft، إن الرياض تعلمت على ما يبدو حدود سياستها الخارجية العدوانية من اليمن.
حرب السودان
وأضاف: "يدين التحول الحذر كثيرًا بالدروس المستفادة من التدخل الفاشل في اليمن. وأدى الفشل في صد النفوذ الإيراني في المنطقة إلى دفع المملكة العربية السعودية نحو موقف أكثر تصالحية".
أتاح عزل عمر البشير في عام 2019 للرياض فرصة لتعميق موطئ قدمها في جارتها الاستراتيجية الغنية بالمعادن. في العام الماضي، أعلنت الرياض عن خطط لاستثمار 3 مليارات دولار في السودان في قطاعات من الزراعة إلى التعدين والبنية التحتية.
وقالت جاكلين بيرنز، المستشارة السابقة للمبعوث الأمريكي الخاص للسودان، لموقع
"ميدل إيست آي"، إن الرياض ترغب على الأرجح في رؤية جيش موحد تحت قيادة الجيش السوداني، وهو موقف لصالح البرهان، وهو ما يجعلهم أقرب إلى مصر، والتي تقول بيرنز إنها تدعم الجيش بوضوح. وتقول بيرنز أيضا إنهم في نفس الوقت كانوا "يتحوطون" مع حميدتي.
رجل السعودية في الخرطوم
المبعوث الرئيسي للسعودية هو سفيرها علي حسن جعفر، وقد تم إرساله إلى السودان منذ عام 2018، وعمل سابقًا سفيراً للرياض في روسيا ويعتبر أحد أكثر الدبلوماسيين مهارة في المملكة.
لقد كان له دور فعال في التحدث إلى الجيش وقوات
الدعم السريع. قال بنجامين أوج، المتخصص الأفريقي في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، لموقع
"ميدل إيست آي": "يمكن للسعوديين الاعتماد على شخص ما على الأرض لديه علاقة جدية بكل طرف".
مع اندلاع القتال في السودان، يبدو أن السعودية تضع نفسها كوسيط، حيث يعمل السعوديون بدعم من الولايات المتحدة للجمع بين البرهان وحميدتي لإجراء محادثات في الرياض في الأسابيع المقبلة، بحسب "ميدل إيست آي".
وساعد التدفق المستمر للمغتربين الغربيين واللاجئين السودانيين الفارين إلى بر الأمان في السعودية في تعزيز صورة الرياض المحايدة، فيما شكر الرئيس الأمريكي جو بايدن الرياض على مساعدتها في إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين.
الدور الإماراتي
في المقابل، يُنظر إلى الإمارات على أنها مقربة من حميدتي، الذي دفعوه لتوفير قوات للقتال في اليمن. كما أنه يشتبه في أن قوات الدعم السريع التابعة له عززت صفوف قائد الجيش الليبي في الشرق وحليف أبوظبي خليفة حفتر، الذي ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال إنه أرسل ذخيرة إلى حميدتي خلال القتال الأخير.
في تغريداته، برر حميدتي القتال بالزعم أن قواته تقاتل "الإسلاميين المتطرفين"، وهو تعليق قال المحلل السعودي الغشيان إنه على الأرجح إشارة إلى الإمارات.
أمضى حميدتي أسبوعين في الإمارات في شباط/ فبراير الماضي، حيث إنه التقى بكبار القادة الإماراتيين بما فيهم نائب رئيس الدولة منصور بن زايد آل نهيان.
يقول جوناس هورنر، محلل شؤون السودان المستقل، إن الإمارات دعمت حميدتي، لكنها ربما تكون تعاني من بعض ندم المشتري مع احتدام القتال في السودان.
وأضاف: "الإمارات قد تتفاجأ من اندلاع القتال. في حين أنهم حافظوا على علاقة مع حميدتي الأمر الذي مكن الأخير من قوته المالية والعسكرية، لا أعتقد أن ذلك كان بنية تمكينه من خوض حرب مع القوات المسلحة السودانية".
استثمرت كل من السعودية والإمارات في السودان، بما في ذلك مشاريع زراعية واسعة النطاق، لكن رأى الموقع أن تأثير الرياض أخف.
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وقعت مجموعة موانئ أبوظبي صفقة لتطوير ميناء جديد بقيمة 6 مليارات دولار على بعد 200 ميل شمالي بورتسودان. ويبرز المشروع الشبكة المتشابكة للمصالح التجارية والجيوسياسية الإماراتية في السودان. وموانئ أبوظبي مملوكة لشركة ADQ، وهي شركة قابضة يديرها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان رئيس الأمن الوطني الإماراتي.
قال كاتزمان لموقع
"ميدل إيست آي": "نشرت دول الخليج رقائقها حول الطاولة لدعم برهان وحميدتي، ولكن في نهاية المطاف، ربما تكون الإمارات أكثر قلقًا بشأن من هو الفائز المباشر".
جنرالات السودان على الطاولة
من المرجح أن يتم اختبار رغبة الإمارات في المخاطرة. ومُدد وقف إطلاق النار الجزئي يوم الخميس لمدة 72 ساعة إضافية، لكن القتال استمر في جميع أنحاء الخرطوم ومعظم أنحاء البلاد، فيما يتوقع العديد من المحللين صراعًا طويل الأمد، حيث ستكون هناك حاجة إلى الأموال والموارد.
وقال هورنر لموقع "
ميدل إيست آي"، إن القوات شبه العسكرية التابعة لحميتي قامت بعمليات النهب، لكنها تحصل أيضًا على رواتب أفضل من خصومها في الجيش السوداني.
وقال: "انضم الكثير من الشبان إلى قوات الدعم السريع على حساب الجيش للاستفادة ببساطة من مستوى رواتبهم الأعلى".. "قوات الدعم السريع معرضة بشكل خاص للضغوط المالية".
بعد أسبوعين من القتال، لا توجد مؤشرات تذكر على توقف التدفق النقدي لحميدتي، وهو شكل من أشكال التقاعس الذي قال هورنر إنه يمكن اعتباره "سياسة".
وألقت قطر بنفسها في هذا المزيج. ويقول محللون إنهم يتطلعون إلى استعادة نفوذهم في السودان منذ الإطاحة بالبشير الذي رفض التوقيع على جهود سعودية وإماراتية لعزل الدوحة، فيما سافر البرهان إلى الدوحة لمناقشة التعاون العسكري مع وزير الدفاع القطري في آذار/ مارس الماضي.
لكن هورنر يقول إن القوى الرئيسية التي يمكن أن تمارس الضغط على الجنرالات السودانيين المتنافسين هي السعودية والإمارات ومصر، مشيرا إلى أنهم "في وضع يسمح لهم بإحضار هؤلاء الجنرالات إلى طاولة المفاوضات لوقف الصراع باستخدام نفوذهم المالي".