أعادت سلسلة
الاغتيالات التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي في أجواء قطاع غزة قبل ساعات، إلى الأذهان سياسة التصفيات التي دأبت مخابرات
الاحتلال على القيام بها خلال العقود الأخيرة، ومع ذلك فإن الكوادر
الفلسطينيين المسلحين لا يختفون، فما يتم هو عملية استبدال ليس أكثر، وقد يأتي القادة الجدد ممن هم أكثر صلابة وقسوة على الاحتلال.
ورغم أن من يتم اغتيالهم من الكوادر الفلسطينيين يغادرون العالم، فإن عمليات المقاومة لم تغادر الاحتلال، بل بقيت من بعدهم، ومنذ ذلك الوقت دأب رؤساء الحكومات الإسرائيلية على إصدار قرارات الاغتيال بحق مئات المسلحين، لكن هذه الاغتيالات في النهاية لم تؤد للقضاء على
الهجمات المسلحة، ما يطرح تساؤلات حول جدوى هذه الاغتيالات في مواجهة المنظمات الفلسطينية المسلحة، وهو ما طرحه يوسي يهوشاع المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت.
وما من شك في أن هذه الاغتيالات تأتي أحيانا بدافع تقليص الهجمات المسلحة، وأخرى رغبة في الانتقام، لكن قرار الاغتيال بالعادة لا يؤدي فعليا إلى منع تنفيذ المزيد من الهجمات المسلحة، ولعله يهدف أساسا لتصفية الحساب الإسرائيلي مع هذا المسلح أو ذاك، وهذه الاحتمالات حصيلة اعترافات أعلنها عشرات المسؤولين الإسرائيليين في ملف الاغتيالات، بدءًا بمتخذي القرارات، مرورا بالمخططين لها، وصولا إلى المنفذين أنفسهم، من يضغطون على زر التنفيذ، الأمر الذي ناقشه أور هيلر مراسل الشئون الميدانية في القناة 13.
لعلها من المفارقات أن دولة الاحتلال واحدة من الدول النادرة في العالم، التي يستطيع فيها رئيس الحكومة إصدار قرار بقتل إنسان دون الحاجة لإجراء استشارات مع أي جهة أخرى، أو المشاركة في المصادقة على قراره، حتى في مرحلة ما بعد التنفيذ، وفقا لما ذكره أمير الخبير العسكري في موقع "ويلا".
في الوقت ذاته، تعترف المحافل الإسرائيلية بصعوبة معرفة النتائج المترتبة على اغتيال هذا الفلسطيني أو ذاك على المدى البعيد، لأن معظم من يتم اغتيالهم يوصفون بأنهم عبوة مؤقتة قابلة للانفجار في أي لحظة، وممن يشكل بقاؤهم أحياء خطرا على الاحتلال، ولا مجال إلا للتخلص من التهديد الذي يمثلونه، حتى لو كان الثمن باهظا.
في الوقت ذاته، فإن الاغتيالات التي ينفذها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وتطال عناصر ميدانيين متوسطي الرتب في التنظيمات الفلسطينية، تكون قد مسّت بقدراتهم القيادية العملياتية، لكن مجيء آخرين خلفهم يقدم بشرى سيئة للاحتلال، لأنهم يكونون أكثر إصرارا، مع العلم أن الفكرة الكامنة خلف منظّري أسلوب الاغتيالات مفادها أن القضاء على هذا القيادي أو ذاك ستؤدي حتما لوقف العمليات والهجمات المضادة. وفقا لما ذكره نير دفوري مراسل الشئون الحربية للقناة 12،
صحيح أن اغتيال فلسطيني ما تبدو مهمة واضحة من الناحية الفيزيائية الملموسة لدى مخابرات الاحتلال، لكن اغتيال الجاهزية والدافعية والأيديولوجية أمر آخر، وهذه فكرة راسخة لدى الملايين ممن يتبعون هذه الأيديولوجيات، لأنهم يعتنقونها انطلاقا من قناعات وتعليم وتاريخ، ولا يشكل اغتيالهم طيّاً لها، أي أن الاغتيالات لا تحل كل المشاكل الأمنية للاحتلال، ولا تقضي كلياً على التنظيم الفلسطيني المستهدف.