تعتبر الكتلة الكردية في تركيا، إحدى الفئات التي سيكون لها دور فاعل في
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تجرى الأحد، لا سيما أن التقديرات تشير إلى أنها تشكل نحو 12 إلى 14 بالمئة من إجمالي الناخبين البالغ عددهم 64 مليونا و113 ألفا و941 ناخبا.
وقرر حزب
الشعوب الديمقراطي الكردي الذي حصل على نسبة 11.7 بالمئة في انتخابات 2018، دخول انتخابات 2023 ضمن قوائم حزب "اليسار الأخضر" خشية الحظر السياسي، وأعلن دعمه لمرشح "تحالف الأمة" كمال
كليتشدار أوغلو في الرئاسة.
وتتركز الكتلة الكردية في شرق وجنوب شرق الأناضول، وتعد ولاية "ديار بكر" معقلا لها، إلى جانب انتشارها في بعض المناطق في التجمعات الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة.
ووفقا
لدراسة أجراها الباحثان أوغراس أولاش تول، ومحمد علي شاليشكان، بإشراف البروفيسور التركي مسعود يغان، فإن 33.4 بالمئة من
الأكراد الذين يعيشون في تركيا ينتمون إلى قبائل عشائرية.
وتشير الدراسة إلى أنه حسب السلوك الانتخابي العام للناخبين الأكراد، وفقا لانتخابات 2018، فإن كل 100 كردي شارك في الانتخابات، 30 بالمئة منهم يمنح صوته لحزب العدالة والتنمية، و10 إلى 11 بالمئة لحزب الشعب الجمهوري، وقرابة الـ60 بالمئة لحزب الشعوب الديمقراطي الحزب الأكبر تمثيلا للأكراد بالبلاد.
وفي ظل التنافس بين الأحزاب الكبرى ومرشحي الرئاسة بتركيا على صوت الناخب التركي، نظم الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو تجمعات انتخابية في مناطق ذات أغلبية كردية في جنوب شرق الأناضول.
"الشعوب الديمقراطي" يثير الجدل لدى أحزاب بالمعارضة
وأثار مسؤولون في حزب الشعوب الديمقراطي الجدل، بعد إثارة قضية الإفراج عن الزعيم الكردي صلاح الدين دميرتاش، وزعيم منظمة العمال الكردستاني المعتقل منذ عام 1999 عبد الله أوجلان.
وخلال اجتماعه بقيادة حزب الشعوب الديمقراطي مؤخرا، تعهد كليتشدار أوغلو بحل المسألة الكردية عبر البرلمان، وإلغاء تطبيق نظام "الوصاية" التي فرضت على البلديات المتهمة بدعم منظمة العمال الكردستاني، كما ذكرت وسائل إعلام تركية بأن الحزب الكردي قدم مطالب إلى مرشح المعارضة مقابل دعمه.
وأثار اجتماع كليتشدار أوغلو، مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي حفيظة اليمين القومي في حزب الجيد الذي تتهم زعيمته ميرال أكشنار، الحزب الكردي بدعم منظمة العمال الكردستاني.
وقرر النائب القومي البارز يافوز أغير علي أوغلو، الاستقالة من حزب الجيد، موجها انتقادات علنية لترشح كليتشدار أوغلو، ولقائه بـ"الشعوب الديمقراطي".
أردوغان يسعى لاستقطاب الأكراد عبر "هدى بار"
كما أعلن حزب "هدى بار" الكردي دعمه للرئيس أردوغان في انتخابات الرئاسة، وانضم ضمن قوائم "العدالة والتنمية" البرلمانية، في الوقت الذي أكد فيه "اليسار الأخضر" دعمه لكليتشدار أوغلو.
والدعوة الحرة أو "هدى بار" هو حزب سياسي تأسس في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2012، قاعدته الشعبية تتركز في مناطق جنوب شرق وشرق الأناضول. وتتراوح شعبيته ما بين 0.5 و1 بالمئة، ومؤيدوه هم من الأكراد المحافظين والإسلاميين الذين يرفضون منظمة العمال الكردستاني.
ويسعى أردوغان عبر حزب "هدى بار" في استقطاب الناخب الكردي الرافض لمنظمة العمال الكردستاني. ودعا عضو الهيئة العليا للحزب الكردي، جيك أوياميز شيهموس، الأكراد لدعم حزبهم و"تحالف الجمهور"، "من أجل الوصول إلى حل دائم وعادل للقضية الكردية، واستمرار الأمن والأمان الذي يحياه الأكراد تحت حكم العدالة التنمية منذ سنوات".
وفي مواجهة الاتهامات الموجهة من المعارضة للحزب على أنه امتداد لـ"حزب الله" التركي، وأنه يريد الانفصال، قال زعيم "هدى بار" زكريا يابجي أوغلو: "بعض الناس يقولون إن حزبنا يريد فيدرالية وحكما ذاتيا، نقول لكم تذكروا ما قلنا في 2012 للمسلحين في الجبال منذ 20-30 عاما حيث قلنا لهم: اتركوا سلاحكم واطلبوا ما تريدونه عن طريق السياسة، ونقول إن هذه الأشياء يجب التوقف عن الجدال بها، فيمكن للناس أن يقولوا ما يريدون بحرية من خلال السياسة، دون اللجوء إلى العنف أو الإرهاب".
التركيبة غير المتجانسة للمعارضة وتأثيرها على استقطاب الأكراد
الأكاديمي التركي نبي بيش، في جامعة سكاريا، قال إن التركيبة التي صنعها أردوغان وحزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات؛ خاصة في رؤيته لحل مشكلة المواطنين الأكراد، وتحالفه مع "هدى بار" كفيل بأن يضرب خطط تحالف الأمة المعارض ومرشحه كليتشدار أوغلو، من خلال استقطاب صوت الناخب الكردي في هذه الانتخابات.
ولفت بيش في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن هناك تركيبة غير متجانسة للمعارضة، ونظرتها للأكراد، مشيرا إلى غياب زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنار ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، وهم محسوبون على التيار القومي، عن حضور الفعالية في ولاية فان ذات الأغبية الكردية شرق تركيا.
ويرى بيش أن هذه التركيبة ستسهم في تشتيت أصوات الناخبين خاصة القوميين الرافضين لتعاون تحالف الأمة المعارض مع حزب الشعوب الديمقراطي المتهم بدعم منظمة العمال الكردستاني، وبالتالي قد تتجه غالبية الصوت القومي باتجاه تحالف الجمهور؛ بالإضافة إلى الكثير من أصوات المواطنين الأكراد، الذين قد يمثل لهم حزب "هدى بار" بديلا ملائما لحل ما يسمى بالمشكلة الكردية.
هل يتمكن أردوغان من استقطاب الأكراد المحافظين؟
من جانبه يرى الدكتور وهاب جوشكن الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة "دجلة ديار بكر" والباحث في القضية الكردية؛ أن حزب العدالة والتنمية لن يحصل على النسب التي حصل عليها من قبل؛ خاصة بين المحافظين الأكراد.
وأضاف جوشكن في حديثه مع "عربي21" أن "العدالة والتنمية" لن يحصل على تلك الأصوات بسبب تحالفه مع حزبي "الحركة القومية" و"الاتحاد الكبير" القوميين؛ اللذين لا يحظيان بقبول لدى المجتمعات الكردية.
ورأى الباحث في القضية الكردية، أن حصة الحزب الحاكم من أصوات الأكراد المحافظين لن تمنحه النصر في هذه الانتخابات؛ مشيرا إلى أن كتلة كبيرة من المصوتين لحزب الشعوب الديمقراطي هي من المحسوبين على التيار الكردي المحافظ.
وشدد جوشكن على أنه من الواضح أن الناخبين الأكراد المحافظين الذين صوتوا لحزب العدالة والتنمية سابقا يضعون مسافة معينة بينهم وبين الحزب حاليا، موضحا أن ذلك بسبب عدم التوصل إلى حل للقضية الكردية على مدى السنوات الماضية، ما دفع العديد من ناخبي الحزب في المناطق الكردية إلى الابتعاد عنهم.
ويعتقد جوشكن أن الأكراد المحافظين قد يتجهون نحو التصويت للأحزاب المنشقة عن "العدالة والتنمية" مثل "المستقبل" و"ديفا".
وفي تعليقه على تحالف "العدالة والتنمية" مع "هدى بار" الكردي، قال جوشكن بأن هذا لن يشكل فرقا كبيرا خاصة وأنه لا يمكن قلب توجهات الناخبين المنفصلين عن الحزب الحاكم في مدة تقترب من شهرين فقط وذلك من ناحيتين؛ أولا؛ عدم إمكانية حدوث تغيير حاد للغاية في السياسة التركية في فترات قصيرة، وثانيا؛ من الصعب إقناع الناخبين بذلك في هذه المدة، وعليه كسب الأصوات المفقودة سيكون صعب المنال.