تابع العالم
باهتمام شديد نتائج
الانتخابات التركية (البرلمانية والرئاسية) التي جرت على
جولتين، الأولى في 15 أيار/ مايو والثانية في 28 أيار/ مايو 2023، حيث حبس العالم
أنفاسه انتظارا لإعلان نتائج الجولة الثانية التي جاءت لصالح الرئيس رجب طيب
أردوغان، وهو الذي كان قد خسر الجولة الأولى بفارق نصف نقطة فقط (49.5 في المئة)،
لكنه تقبّل النتيجة بصدر رحب واستمر في السباق الانتخابي حتى فاز فيه بأكثر من 52
في المئة، أما حزبه الحاكم، العدالة والتنمية، وحلفاؤه فقد سيطروا على البرلمان
بأغلبية مريحة من الجولة الأولى.
الدروس
المستفادة
لقد كانت
الانتخابات التركية مليئة بالدروس للعرب والمسلمين، كما بعثت بالعديد من الرسائل
للغرب الذي حاول جاهدا إسقاط الرئيس أردوغان وإعادة
تركيا إلى بيت الطاعة؛ لتعود
دولة هامشية وظيفتها الوحيدة خدمة المشروع الغربي.
كانت الانتخابات التركية مليئة بالدروس للعرب والمسلمين، كما بعثت بالعديد من الرسائل للغرب الذي حاول جاهدا إسقاط الرئيس أردوغان وإعادة تركيا إلى بيت الطاعة؛ لتعود دولة هامشية وظيفتها الوحيدة خدمة المشروع الغربي.
لعل من أهم الدروس المستفادة من التجربة الديمقراطية التركية هي احترام الجميع لنتائج الصناديق، مما جعل تركيا في مصاف الديمقراطيات التي ارتضت أن تحسم معاركها السياسية في صناديق الاقتراع
لعل من أهم
الدروس المستفادة من التجربة
الديمقراطية التركية هي احترام الجميع لنتائج
الصناديق، مما جعل تركيا في مصاف الديمقراطيات التي ارتضت أن تحسم معاركها
السياسية في صناديق الاقتراع، وهو ما عبّر عنه الرئيس أردوغان في رده على أحد
الصحفيين الذي اتهمه بالدكتاتورية: "إن الديكتاتور لا ينتظر نتائج الجولة
الثانية".
لقد تمكن الرئيس
التركي ذو الجذور الإسلامية وحزب العدالة والتنمية الحاكم؛ من تحويل تركيا من
جمهورية علمانية فاشلة يحكمها العسكر وفق مبادئ أتاتورك إلى دولة مدنية متصالحة مع
ذاتها ومع تاريخها الإسلامي، كما عزّز مكانتها إقليميا وعالميا حيث أصبحت رأسا في
العالم الإسلامي ولاعبا رئيسيا في النظام العالمي الجديد الذي ما زال يتشكل، بعد
أن كانت ذيلا للغرب خادما له؛ مشمئزة من إرثها الحضاري.
ومن الدروس
المستفادة أن العلمانيين والإسلاميين الأتراك لم يكونوا سواء، فمنهم من تحالف مع
الغرب (حزب الشعب الجمهوري وحلفاؤه؛ من حزب السعادة وحزبي أحمد داود أوغلو وعلي
بابا جان) ضد مصالح بلادهم وسيادتها الوطنية من أجل الوصول للسلطة بأي ثمن، ومنهم
من تحالف مع أردوغان وحزبه واضعين مصلحة تركيا فوق كل اعتبار (الحزب القومي بقيادة
دولة بهجلي والمرشح الرئاسي سنان أوغان). وهو ما يمكن أن يجعل من المصلحة الوطنية
قاسما مشتركا بين الفرقاء السياسيين، بعيدا عن الخلافات الأيديولوجية والتبعية
الغربية.
الخوف
من الإسلاميين
لقد بات واضحا أن
الخوف من تولي الإسلاميين للحكم لم يكن باعثه الخشية من استئثارھم في السلطة على
حساب باقي الفرقاء السياسيين كما كان يشيع خصومهم، بل إن الباعث الحقيقي ھو الخوف
من نجاح النموذج الإسلامي في الحكم، وانتشار ذلك النموذج إقليميا وعالميا ليكون
منافسا لسیادة وھیمنة النموذج الغربي، خصوصا بعد أن زال النموذج الاشتراكي الذي
كان يزاحم الغرب في الهيمنة على العالم.
بات واضحا أن الخوف من تولي الإسلاميين للحكم لم يكن باعثه الخشية من استئثارھم في السلطة على حساب باقي الفرقاء السياسيين كما كان يشيع خصومهم، بل إن الباعث الحقيقي ھو الخوف من نجاح النموذج الإسلامي في الحكم، وانتشار ذلك النموذج إقليميا وعالميا ليكون منافسا لسیادة وھیمنة النموذج الغربي
وإذا سلمنا جدلا
بأن نجاح النموذج الإسلامي سیحد من ھیمنة الغرب على المنطقة العربية والعالم
الإسلامي، فما الذي يضير العلماني العربي أو التركي أن تكون بلاده (بدلا من أمریكا
وأوروبا) ھي النموذج العالمي الناجح الذي تتطلع إلیه باقي شعوب العالم التي تململت
من الھیمنة الغربیة، وباتت تبحث عمن یخلصھا من قھر واستغلال الدول الغربیة
لخیراتھا وفرض حكام مستبدین موالین لھا یقدمون مصالح الغرب على مصالح شعوبھم؟!
لماذا
نجح النموذج التركي؟
لقد أثبت النموذج
التركي نجاحه ليس لأنه أتاح للإسلامیین فرصة الحكم وإثبات الذات فحسب، بل لأنه قام
على نشر العدل والتنمية واحترام الإنسان وخیاراته التي منحها إیاه الخالق سبحانه
وتعالى، في الوقت الذي فشلت معظم نماذج الحكم السلطوية في البلاد العربية
والإسلامیة في إنجاز أي شيء غير التخلف والخراب والفقر والتبعية.
لقد أظهر النموذج
التركي قدرة الإسلاميين على إدارة الدولة واحترامهم للحريات العامة ونتائج
الصناديق، مما ينفي الاتهامات المرسلة التي ما برح خصومهم يثيرونها عليهم كتبرير
لتحالفهم مع العسكر الذين انقضّوا على التجارب الديمقراطية الناشئة؛ التي عاشتها
الشعوب العربية لفترات وجيزة إثر موجات الربيع العربي.
إن نجاح النموذج
التركي الذي أثبت كفاءة الإسلامیین في الحكم وفھمھم للمعادلة الدولیة والتعامل
معھا بحرفیة عالیة، لن یكون مفیدا للأتراك فقط، بل سیطال نفعه العرب والمسلمين في
مشارق الأرض ومغاربها على حد سواء، كما يجعل منه نموذجا قابلا للتكرار في دول
عربية وإسلامية أخرى.