على هامش المؤتمر الدولي الذي عُقد مؤخراً في الرياض
من أجل بحث الحرب على تنظيم داعش، حيث سبق أن أعلن تحالف دولي مكون من أكثر من
ستين دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في أيلول/ سبتمبر 2014 حربه على
التنظيم حين أعلن خلافته المزعومة، يجدر اليوم بالباحثين والخبراء والمحللين أن
يعودوا القهقرى لمعرفة محصول هذه الحرب التي استهدفت المنتوج وهو داعش، وتركت
المصنع يُفرّخ وينتج على مدار الساعة، وهو مصنع النظام السوري ومليشياته الطائفية
العابرة للحدود التي كانت سبباً لظهور داعش، وتسببت في معاناة السوريين الطويلة
والمستمرة إلى اليوم، والتي لم تعد مأساة تخص السوريين في ظل حرب النظام على
العالم كله من خلال تجارة الحشيش والكبتاغون.
أكثر من ستين دولة هرعت لمحاربة
تنظيم الدولة، ولكن لا
يزال التنظيم نشطاً وفعالاً فقط وفقط في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الأمريكية
وحليفتها مليشيات قسد، وكذلك في مناطق سيطرة الاحتلال الروسي وذيله النظام السوري،
مما يضع شكوكاً كبيرة إن كان في قدرة هذه الدول على التعاطي مع التنظيم، أو من حيث
جديتهم في القضاء عليه والتخلص منه.
وبتكبير الزوايا تتضح الرؤية أكثر فأكثر، فمناطق
كأفغانستان استطاعت حركة طالبان كسر قرن التنظيم خلال عام ونيف من وصولها إلى
السلطة، بينما عجزت القوات الأمريكية لسنوات عن ذلك. أما في أفريقيا الوسطى حيث
تتواجد القوات الروسية؛ فنرى التنظيم ينتشر ويتفشى هناك، مما يضع الشكوك أكثر كما
ذكرنا إن كان من حيث القدرة على مقاومته أو في الجدية بمحاربته.
لقد كلّفت الحرب الدولية على التنظيم الشعب السوري الكثير
إن كان في الأرواح أو في الممتلكات، وحتى الآن لا توجد دراسات فعلية وحقيقية عما
جنته هذه الحرب على السوريين البسطاء من قتل وتدمير لممتلكاتهم أو من تهجير
وتشريد، فضلاً عن تدمير لاقتصاد مناطقهم، التي سرقها منهم الأمريكي وعملاؤه من
قسد، أو الروسي وحلفاؤه من المليشيات الإيرانية والأفغانية واللبنانية والعراقية
والباكستانية. ولعل الصحف الأمريكية تحدثت عن بعض انعكاسات هذه الحرب على
المدنيين، حين كشفت واشنطن بوست ونيويورك تايمز ما درجت القوات الأمريكية على
تسميته منذ حربها في أفغانستان وحتى العراق وسوريا بالأضرار الهامشية، والمقصود بها القتلى المدنيين من جراء الغارات على التنظيم، وهي في الحقيقة كلّفت السوريين آلاف
القتلى والجرحى، وربما أكثر، فضلاً عن تدمير بيوت فوق ساكنيها كما حصل في مأساة
الباغوز.
في موازاة ذلك وجدنا الشمال السوري المحرر قد نجح
بعمليات جراحية استئصالية من التخلص من عصابات داعش بدون أي أضرار هامشية، حيث تم
اعتقال المئات من مقاتليهم وقادتهم، واستطاعت المناطق المحررة أن تشلّ حركة
التنظيم تماماً، خصوصاً وأن الأخير كان يستعد لبذل كل ما يستطيعه من أجل الوصول
إلى الحدود التركية للوصول إلى أوروبا عبر تهديد تركيا. وقبل هذا العبث بأمن
المحرر مما يضع أكثر من خمسة ملايين سوري في المنطقة بمهب الريح بعد أن سُدت في
وجوههم كل أبواب العيش الآمن، ولكن بفضل الله تبارك وتعالى، ثم بجهود الثوار في
الشمال المحرر، تم القضاء على هذه الآفة، بحيث ينعم أهالي المحرر اليوم بالاستقرار
والأمن من بوائقه، بخلاف ما تعانيه المناطق الخاضعة للسيطرة الأمريكية أو الروسية.
الأسوأ من هذا كله أن تجد بعض من يسمون أنفسهم محللين
وخبراء، يتحدثون عن وجود مخيمات داعش في الشمال السوري المحرر، بينما العامي يعرف
أن هذه المخيمات موجودة في مناطق شرق
سوريا تحت سيطرة مليشيات قسد وبحماية
أمريكية، ولكن الأسوأ من هذا أن يجد أمثال هؤلاء منصات إعلامية تروج أكاذيبهم، لا
لشيء سوى لتشويه المحرر، وتشويه الثورة السورية ولو كان ذلك بالأكاذيب،
والافتراءات التي يرى العالم كله عكسها بعينيه.
لعل أكبر نكبة نُكبت بها الثورة السورية، مما زاد من
معاناة أهلها وإطالة أمد الحرب عليهم، هي ظهور داعش الذي استطاع انتزاع أهم أرض
كانت بحوزة الثورة السورية، وهي التي تملك ثالوث الإمكانيات الاقتصادية (النفط
والغاز وسلة سوريا من القمح)، ليستفرد داعش بها، ثم انتقلت للنظام المجرم، ومليشيات
قسد، بعد أن نزع السلاح من الأهالي والثوار، ليجدوا أنفسهم مع هزيمة داعش عُزّلاً
من السلاح بينما أعداؤهم من مليشيات قسد مدججون بالسلاح حتى أسنانهم، فقطفوا بذلك
ثمرة داعش بكل سهولة ويسر.
اللافت أن العالم كله غير مستعد للاعتراف بهذا الإنجاز
الكبير الذي حققه المحرر لنفسه أولاً، فانعكست إيجابيات على العالم كله، بينما نرى
دولاً تتاجر بأبسط من هذا بكثير في سوق النخاسة الدولية، أما الثورة السورية فليست
بحاجة إلى ذلك، وإنما ما تريده من هذا النفاق العالمي هو أن يكفّ لسانه عن
الأكاذيب التي يروجها عن المحرر وثواره، والذي هو يعرف أنها افتراءات لا صحة ولا
سند لها، وبنشره لهذه الأكاذيب يضر بمصداقيته أكثر مما ينال من الشمال السوري نفسه.