تراجعت نسبة
الزواج في
مصر إلى أدنى
مستوى لها على الإطلاق، وسجلت تراجعا بنحو 50%، وسط توقعات باستمرار التراجع،
وزيادة العنوسة بين الشباب والفتيات، ما أذكى مخاوف من إضعاف النسيج المجتمعي.
وكشف نقيب المأذونين في مصر، الشيخ
إسلام عامر، أن عقود الزواج لم تتجاوز الـ320 ألف عقد على مستوى الجمهورية منذ مطلع
العام الجاري وحتى الآن، مقارنة بأكثر من 500 ألف عقد زواج العام الماضي.
رسميا، تراجعت نسب الزواج من 927 ألفاً
و844 عقد زواج عام 2019 إلى 880 ألفاً و41 عقداً عام 2021، بحسب الجهاز المركزي
للتعبئة العامة والإحصاء، وتجاوز عدد سكان مصر الـ105 ملايين نسمة منتصف الشهر
الجاري.
وبلغ عدد حالات
الطلاق آخر عام إحصائي
(2021) 254 ألفاً و777 حالة طلاق، بمعدل 2.5 لكل ألف من السكان، مقابل 222 ألفاً
و36 حالة عام 2020، بنسبة زيادة مقدارها 14.7%، وفق الأرقام الأخيرة التي أصدرها
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء منتصف أيار/ مايو الماضي.
60 % من الشباب عازفون عن الزواج
وأعلنت شركة استطلاعات رأي خاصة أن
نسبة الزواج انخفضت بنحو 20% خلال السنوات الثلاث الأخيرة، نتيجة تردي الأوضاع
الاقتصادية، إلى جانب إعجاب بعض الفتيات بفكرة الاستقلالية، ووجود صورة
ذهنية مشوهة للزواج.
وفي مفاجأة أخرى، فإنه لم يعد الزواج ضمن
أولويات الشباب المصري، وفق شركة إجابات لاستطلاعات الرأي، التي أشارت إلى رفض نحو
60% من الشباب في مصر الزواج، مشيرة إلى أن هناك نحو 12 مليون فتاة فوق سن الـ35
غير متزوجات، ونحو 2.5 مليون شاب فوق الـ35 سنة غير متزوجين أيضًا.
وبلغ عدد الأسر المصرية 25.8 مليون
أسرة، وبحسب بيانات المسح الصحي للأسرة المصرية عام 2021، فإن عدد عقود الزواج على
مستوى الجمهورية بلغ 880 ألفاً و41 عقد زواج عام 2021 بمعدل 8.6 لكل ألف من
السكان.
على جانب آخر، تضاعفت أسعار الذهب
والأثاث والأدوات الكهربائية وغيرها من أجهزة بيت الزوجية في أقل من سنة ونصف،
وتجاوزت الـ300%.. على سبيل المثال ارتفع سعر غرام الذهب من 800 جنيه إلى 2300 جنيه،
إلى جانب ارتفاع أسعار الإيجارات السكنية.
ويقول أحد الشباب المقبلين على الزواج
ويدعى محمد فوزي (32 عاما) ويعمل مدرس لغة إنجليزية بالحصة: "مشروع الزواج
جعلني مكبلا بالديون، ومحاصرا بالأقساط، ولا أعرف عدد الشيكات والأوراق التي
وقعتها حتى الآن حتى أصل إلى تحديد يوم الزفاف".
وأضاف لـ"عربي21": "ليس
لدي شقة، وحصلت على واحدة بالإيجار وتلتهم مع الفواتير المقدرة للخدمات مثل الغاز
والكهرباء والمياه والموبايل والإنترنت أكثر من نصف دخلي، ومطلوب أن أسدد أقساط
الديون كل شهر، لا أدري كيف سوف أتدبر أمور الطعام والشراب والعلاج".
آثار سلبية واسعة
من جانبه، يرى الداعية الإسلامي وأستاذ
الفقه، حاتم عبد العظيم أبو الحسب، أن "تراجع عقود الزواج له أسباب عديدة
وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية، وتتراجع حظوظ الشباب مع قلة فرص العمل وتراجع
الأجور وارتفاع تكاليف الزواج بنسبة كبيرة جدا سواء من حيث تأسيس بيت الزوجية، أو
تكاليف الحياة بعد ذلك؛ بالتالي فإن الشباب يعجزون عن تحمل تلك التكاليف ابتداء
واستدامة، إلى جانب قلة الوعي الديني بأهمية الزواج وإنشاء الأسرة وضرورة التيسير
فيه".
وفي ما يتعلق بآثار تلك الأزمة، أوضح
أبو الحسب لـ"عربي21" أن ذلك: "سيؤدي إلى زيادة معدلات
العنوسة المرتفعة في مصر، ولدينا ملايين الفتيات والشباب دون زواج وهذا يترتب عليه
مشاكل أخلاقية".
وحذر أبو الحسب من أن "ذلك سيؤدي
إلى تراجع في معدلات الزيادة السكانية ما يؤثر على خصائص المجتمع المصري الشاب،
ويؤدي إلى خلل في الهرم السكاني بحيث يجب أن تظل قاعدة الهرم السكاني للشباب
والأطفال، وتتغير الأمور كثيرا إذا انقلب الهرم السكاني على نحو ما نراه في العديد من الدول الغربية، وقد تستطيع تلك الدول تعويض فقر الشباب من خلال الهجرة إليها لكن
الدول النامية لن تستطيع تعويض ذلك، فالمسألة خطيرة على مستوى المستقبل، والتماسك
الاجتماعي، والوضع الأمني والاستقرار المجتمعي".
ماذا وراء تراجع نسب الزواج؟
وهناك ثلاثة أسباب لتراجع نسب الزواج
في مصر في الفترة الأخيرة، بحسب الباحث مصطفى خضري، رئيس المركز المصري لدراسات
الإعلام والرأي العام "تكامل مصر": "السبب الأول هو الوضع
الاقتصادي المتردي والذي ترتب عليه ارتفاع نسب البطالة لما يقارب الـ28% بحسب تقديرات
المركز في تقريره السنوي مطلع عام 2023، وبسبب ارتفاع نسب البطالة حدث انخفاض في
نسب الرجال المقبلين على الزواج بسبب عدم القدرة على الإنفاق".
وأضاف لـ"عربي21": "أما
السبب الثاني فهو ارتفاع معدلات التضخم في أسعار الأثاث والسلع اللازمة للزواج والتي
وصل التضخم في أسعارها مطلع 2023 إلى نسبة 79% مقارنة بمطلع 2022 بحسب التقرير السابق
لمركز تكامل مصر. والسبب الثالث هو حالة الخوف من المستقبل التي انتشرت في وسط
المجتمع نظرا للسلوك السياسي والاقتصادي والأمني الذي ينتهجه نظام السيسي، وهو ما
جعل الشباب يعزفون عن الزواج، وأكثر ما يفكرون فيه هو البحث عن طريقة للسفر إلى خارج
مصر".
وأوضح خضري أن عزوف الشباب عن الزواج يؤثر
مباشرة على فرص الإناث في الإنجاب ويرفع من متوسط عمر الزواج، وبخلاف الذكور فإنها تقل
فرص الإناث في الزواج عند تعديها عمر الثلاثين. وحسب البيانات المتاحة؛ فإن الفترة
القادمة سترتفع نسب ظاهرة العنوسة خاصة عند الإناث ما يؤثر مباشرة في معدلات النمو
السكاني في مصر".
وتوقع الباحث المصري أن "ينعكس ذلك
على تباطؤ زيادة السكان، حيث بلغ معدل النمو السكاني 1.4% على أساس سنوي، مقابل 1.7% على
أساس سنوي عام 2021، حيث إنه حدث تناقص في النمو بنسبة 17.6%".