قال الكاتب
المصري والنقيب السابق
للصحفيين، ممدوح الولي إن مصر لم تحقق الاكتفاء الذاتي من إنتاج
الغاز، رغم أنها
أعلنت ذلك في العام 2018، لكن الحقيقة هي أن السلطات أعلنت ذلك عندما بلغ رقم
الإنتاج أعلى من رقم الاستهلاك.
وأوضح الولي في
مقاله المنشور على
"عربي21"، أن إنتاج الغاز في مصر غالبا ما يتم من خلال شركات أجنبية،
وهي بدورها تحصل على حصة من الإنتاج نظير الاستكشاف والتشغيل، قد تبلغ أحيانا
50-60% من الإنتاج، وتسمى حصة الشريك الأجنبي، وعليه فإن مصر تشتري غالبية حصة الشريك
الأجنبي أو كلها أحيانا.
وتابع بأن الحكومة "أعلنت تحقيقها
الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي منذ أيلول/ سبتمبر 2018، ووقف الاستيراد حينذاك
بعد ارتفاع إنتاج حقل ظُهر إلى ملياري قدم مكعب يوميا، وظلت الحكومة تعلن أرقاما
عن صادرات الغاز في السنوات التالي، حتى بلغت حصيلة تلك الصادرات 10 مليارات دولار
في العام الماضي حسب جهاز الإحصاء الحكومي، مقابل 3.9 مليار دولار في العام
الأسبق، مستفيدة من ارتفاع أسعار الغاز في العالم بالعام الماضي بسبب الحرب
الروسية الأوكرانية".
ولفت
إلى أن الأمر وصل بحسب بيانات أوبك إلى أن مصر أنتجت خلال
العام الماضي 66.961 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، استهلكت منها محليا 62.658
مليار متر مكعب، ليتبقى 4.303 مليار متر مكعب متاحة للتصدير، ما أدى إلى استعانة
مصر بالغاز الإسرائيلي القادم إليها عبر أنبوب في البحر، لتقوم بتسييله في مصنعي
الإسالة بها قبل
تصدير معظمه إلى أوروبا والباقي لدول آسيا، خاصة مع الاتفاق
الثلاثي بين إسرائيل ومصر والاتحاد الأوروبي في حزيران/ يونيو من العام الماضي،
والذي ترتبت عليه زيادة كميات الغاز الموردة من إسرائيل إلى مصر منذ ذلك الحين.
إلا أن الصادرات المصرية من الغاز،
بحسب المقال، تراجعت قيمتها نتيجة انخفاض أسعار الغاز في العالم العام الحالي، بعد
تخطي أوروبا مشكلة استيراد الغاز الروسي وبنائها مخزونا كافيا، بالاستعانة بالغاز
الأمريكي المُسال ومن مصر ودول أخرى، حيث انخفض السعر من 40.3 دولار للمليون وحدة
حرارية بريطانية كمتوسط في العام الماضي، إلى حوالي عشرة دولارات خلال الشهرين
الأخيرين، ما ترتب عليه تراجع عائدات صادرات الغاز المصري بنسبة 49.5 في المائة
خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الحالي.
وذكرت بيانات أوبك أن إنتاج مصر من
الغاز الطبيعي قد تراجع خلال العام الماضي، بنسبة خمسة في المائة بالمقارنة بإنتاج
العام الأسبق، بسبب تراجع إنتاج حقل ظُهر الذي يوفر حوالي أربعين في المائة من
الإنتاج، والذي تردد أنه تسربت إليه كميات من المياه.
وحول
إنتاج الغاز للعام الحالي، قال الكاتب إنه انخفض
في حقل ظُهر، الأمر الذي أثر على نقص الكميات المتاحة للتصدير، حتى أعلن وزير
البترول المصري مؤخرا توقف تصدير الغاز المصري خلال الصيف الحالي، بسبب استهلاك
إنتاج الكهرباء محليا لكامل الإنتاج المحلي، وتوقع عودة التصدير للغاز خلال فصل
الخريف المقبل والذي يرتفع فيه الاستهلاك في الأسواق الأوروبية.
وجاء تصريح وزير البترول في إطار عودة
مشكلة انقطاع الكهرباء في مصر مؤخرا، والتي أرجعها وزير الكهرباء إلى عدم ورود
الكميات الكافية من الغاز الطبيعي لمحطات التوليد، بالإضافة إلى الكميات المطلوبة
من المازوت، والذي توسعت مصر في استخدامه بمحطات التوليد منذ آب/ أغسطس الماضي،
لتوفير كميات من الغاز الطبيعي المستخدم لتوليد الكهرباء وتوجيهها إلى التصدير
لأوروبا، للاستفادة من ارتفاع أسعار الغاز عالميا، لتحقيق إيرادات دولارية تساعد
في سد الفجوة الكبيرة بالعملات الأجنبية الموجودة بمصر منذ فترة، وحتى تقلل
الحكومة المصرية من الأثر السلبي لما يتردد بين المصريين عن قطع الكهرباء في أنحاء
البلاد رغم الموجة الحارة، بسبب توجيه الحكومة الغاز للتصدير، وحتى لا يتأثر
المواطن الأوروبي بموجة الحر الحالية، على حساب معاناة المواطن المصري من انقطاع
الكهرباء، الذي قالت وزارة الكهرباء إنه يتم بالتساوي بين المحافظات شاملة المدن
والريف، عدا المرافق الخدمية كالمستشفيات وأقسام الشرطة ومحطات إنتاج مياه الشرب.
ولفت
إلى أن "تلك هي الصورة السائدة إعلاميا حول
مشكلة انقطاع الكهرباء، والتي برّأت وزارة الكهرباء منها محطات الإنتاج، كما برأت
كذلك موجة الحر الشديد قائلة إن المحطات تعمل بتكنولوجيا تتحمل العمل وسط أي درجات
للحرارة، وأنها تملك فائضا في الإنتاج ما
بين إمكانيات التوليد للكهرباء البالغة 59 جيجا وات/ ساعة، وأعلى استهلاك يومي بلغ
مؤخرا وهو 35 جيجا وات/ ساعة مع ذروة موجة الحر، وأن سبب انقطاعات الكهرباء هو نقص
الوقود سواء كان الغاز، أو المازوت الذي يتم استيراده، لكن أزمة نقص العملة تحول
دون استيراد الكميات المطلوبة منه والتي تتم من روسيا بما لديها من ظروف حربية".
وحول حقيقة
اكتفاء مصر من إنتاج وتصدير الغاز، قال الولي إن مصر "لم تحقق الاكتفاء الذاتي عام 2018 ولا في السنوات التالية وحتى الآن،
فما حدث أن السلطات المصرية عندما بلغ رقم الإنتاج أعلى من رقم الاستهلاك المحلي
عام 2018 قالت إنها حققت الاكتفاء الذاتي، لكن إنتاج الغاز في مصر يتم غالبا من
خلال شركات أجنبية، وتلك الشركات تحصل على حصة من الإنتاج نظير ما تكلّفته من
استكشاف وتشغيل تختلف نسبتها من اتفاقية إلى أخرى، لكن المتخصصين يتعاملون على
نسبة متوسطة 50 في المائة من الإنتاج تحصل عليها الشركات الأجنبية، رغم بلوغها 61
في المائة بحقل ظُهر، والتي تسمى حصة الشريك الأجنبي؛ الذي من حقه تصديرها لحسابه.
لكن في ضوء عدم كفاية حصة الجانب المصري للاستهلاك المحلي، فإن مصر تشتري غالبية
حصة الشريك الأجنبي وأحيانا كلها، بسعر يتم الاتفاق عليه بين الطرفين المصري
والأجنبي".
وحول نصيب الفرد من إنتاج الغاز المصري
العام الماضي، قال الولي: "إذا كان الإنتاج في العام الماضي قد بلغ حوالي 67
مليار قدم مكعب، فإن نصيب مصر منه 33.5 مليار متر مكعب، بينما بلغت كميات
الاستهلاك المحلي 62.7 مليار متر مكعب، وبما يعني أنها بحاجة إلى شراء 29.2 مليار
متر مكعب من الشريك الأجنبي لاستكمال كامل الاستهلاك المحلي، ونظرا لرغبتها في
تصدير بعض الكميات فإنها تشترى كامل نصيب الشريك الأجنبي، بالإضافة إلى استيرادها
كميات إضافية من إسرائيل لتسييلها ثم تصديرها".
ويؤكد ذلك ما ذكره رئيس الوزراء المصري
مؤخرا من إقراره بتأخر مصر في دفع مستحقات الشركات الأجنبية، المنتجة للغاز أو
النفط في مصر، والتي تود تحويلها إلى بلادها، وهو ما يراه الخبراء سببا أساسيا في
انخفاض إنتاج الشركات الأجنبية سواء العاملة في بالغاز أو النفط في مصر العام
الماضي؛ عن إنتاجها لهما في العام الأسبق، واستمرار الانخفاض الإنتاجي بالعام
الحالي عن العام الماضي، بحسب المقال.
ويتابع: "كما يدعم ذلك ما ذكرته
بيانات البنك المركزي المصري حول الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام الماضي في
قطاع الطاقة، أي شاملا النفط والغاز، حيث بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية الداخلة
لمصر خلال العام 5.1 مليار دولار، بينما بلغت قيمة استثمارات الطاقة الخارجة من
مصر في نفس العام 7.4 مليار دولار، ليسفر الميزان الاستثماري في قطاع الطاقة عن
عجز بلغ 2.3 مليار دولار نتيجة كبر التدفقات للخارج عن التدفقات الداخلة للبلاد".
وهكذا نصل إلى أنه إذا كان الاستهلاك
المحلي من الغاز قد بلغ 62.7 مليار متر مكعب في العام الماضي، بينما حصة مصر من
الإنتاج قد بلغت حوالي 33.5 مليار متر مكعب، فإن نسبة الاكتفاء الذاتي لمصر من
الغاز الطبيعي قد بلغت أقل من 44 في المائة، وما زال أمامها شوط طويل يمتد لسنوات
حتى تحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، حين تصل حصتها من الإنتاج إلى نفس رقم
الاستهلاك المحلي.
وهكذا فإن هدف التصدير هو جلب عملة
أجنبية لسداد مستحقات الشركات الأجنبية عن نصيبها من الإنتاج، حتى تستمر في
الإنتاج سواء للغاز أو للنفط، خاصة مع انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي بإنتاج كليهما.
وتزداد المشكلة بأن البيع للغاز لا يتم في الأسواق المعلنة سواء الأوروبية أو
الآسيوية، حيث يتم خصم تكلفة تسييل الغاز محليا ثم تكلفة نقل الغاز إلى الدول
المستوردة له ثم تكلفة إعادته مرة أخرى إلى الحالة الغازيّة، بخلاف أرباح حلقات
التداول في دولة الاستيراد.
وختم الكاتب مقاله بالقول إنه "لعل
وزير البترول الأسبق سامح فهمي كان أكثر شفافية من وزير البترول الحالي، فعندما
بدأ تصدير الغاز الطبيعي المصري المُسال إلى دول أوروبية وآسيوية وبالأنابيب إلى
الأردن عام 2005، ظهرت اعتراضات من خبراء على تصدير الغاز كمادة خام، يمكن
استغلالها في صناعة الكيماويات والأسمدة محليا ثم إعادة تصديرها بقيمة مضافة أعلى".
وعن رد الوزير، جاء في المقال انه رد من
خلال جريدة الأهرام في 29 آب/ أغسطس 2007، بأن تصدير الغاز ليس هدفا في حد ذاته،
ولكنه وسيلة أتاحت سداد التزاماتنا تجاه الشريك الأجنبي، مقابل استرداد تكاليف
ومصاريف الإنتاج والتشغيل.
لقراءة المقال من هنا