كلما جاء الحديث عن تجربة الإخوان في الحكم، أو ذكرى 30 يونيو، أو 3 يوليو، ويدور الحديث عن الانقلاب العسكري، وما تلاه من أحداث، دار حديث هو أشبه بالافتراضي، أو التخيلي، ينطلق من بعض الطيبين، أو من بعض الذين يريدون التفلت من مسؤوليتهم من التسبب في الانقلاب العسكري، أو تأييده، والانقلاب على أول تجربة ديمقراطية مدنية في تاريخ
مصر.
الطرح يكون بما يلي: ماذا لو أن الرئيس
الشهيد محمد
مرسي، وجماعة الإخوان قبلوا بانتخابات رئاسية مبكرة، واستمعوا لنصائح
من نصحوهم بذلك، وجنبوا الجماعة والوطن كل ما جرى فيه من مذابح؟ ألم يكن الأولى
أن يتجنبوا ذلك، والنأي بأنفسهم وبحلفائهم، ودوائرهم، مثل هذه التجربة، وهم غير
مستعدين للحكم، وغير مستعدين لضريبة الانقلاب عليه؟!
مشكلة هذا الطرح، أنه طرح كان يمكن القبول به
أو التفكير في منطقيته وصحته، من يوم الثالث من تموز/ يوليو وحتى يوم الثامن من تموز/يوليو
من تاريخ الانقلاب، إذ إن البادي شكليا للناس، أن الانقلاب تم، وجرى تقديم بعض
الوجوه المدنية التي تجمل صورته، ومعظمهم كانوا من الطامحين في إرث حصيلة الإخوان
والإسلاميين السياسية، سواء ممن حمل لافتة المدنية، أو الدينية.
إذ كان الناس في ميدان رابعة وميادين أخرى
في مصر معتصمين اعتصاما سلميا، ولم يبد بعد وجه الانقلاب الدموي الفاشي، ففي يوم
الثامن من تموز/يوليو جرت مذبحة الحرس الجمهوري ضد أناس سلميين، فقامت قوات الانقلاب
فقتلوا رجالا ونساء وأطفالا في صلاة الفجر، أي إن الانقلاب لم يراع حرمة العزل من
السلاح، ولم يراع فريضة الفجر، التي لم نرها إلا من الكيان الصهيوني حين قتل
المصلين في صلاة الفجر في مذبحة الحرم الإبراهيمي.
ولو تخلى الإخوان عن الحكم، وتنازلوا
عنه، فهل كانت آلة القتل والحبس والانتقام ستعطل، ولا تعمل؟
الحقيقة التي أثبتتها
الأيام، أن هذا التفكير هو تفكير ساذج، أو مضلل؛ ساذج؛ لأنه يتصور العدالة أو
البراءة ممن شعاره وسياسته القتل والتنكيل بكل من ثار أو عارض. ومضلل، لمن يعلم
يقينا ما يفعله العسكر في مصر، وقد كان القليل مما يفعله أيام مبارك، كانت هذه
القوى التي تزعم المدنية ترفض وتستنكر، وتسير المظاهرات، والآن لا تكتفي بصمتها،
بل تشارك وتجمل في شكل هذا النظام.
وإذا الإخوان قد أعلنوا منذ شهور قليلة، عدم
التنافس على السلطة، ومع ذلك لم يصدقهم هؤلاء، بل منهم من شكك في النوايا، وطلب
إثباتا، وكأن الفعل نفسه مقر سياسيا، هل يتصور أحد أن يطلب سياسيون من قوى فاعلة
في المجتمع، عدم الترشح أو المنافسة، بل كان بعضهم يشترط أنه إذا سقط الانقلاب، ألا
تشارك الإخوان لمدة لا تقل عن عشر سنوات في السياسة.
لسنا هنا بصدد الدفاع عن الإخوان، بل بصدد
الدفاع عن المبدأ والمنطق، فأخطاء الإخوان السياسية والحزبية والدعوية نحن أكثر من
كتب فيها، وتحدث عنها، ونحن داخل الإخوان أو خارجهم، لكن الحديث الذي تلوكه ألسنة
البعض عن أن الإخوان لم يكن قرارهم بعدم التسليم بترك الحكم قرار خاطئ، وأنه أدى
لكوارث في مصر.
هو تصور في هذا التوقيت ـ ومن بعد أحداث
الانقلاب الدموية، والطريقة التي سار بها هذا النظام العسكري ـ يريد به من يتحدث
أن يخفي خيبة أمله، فإذا كانت مؤاخذته على الإخوان أنهم لم يتخذوا قرارا صائبا
بالتخلي عن الحكم، فإن تفكير هؤلاء وقرارهم كان أكثر كارثية، وأكثر مصيبة، وإذا
كان المطلوب من الإخوان الاعتذار عن أخطاء سياسية، فإن المطلوب ممن يطالبهم ممن
تحصن بهم الانقلاب أن يكفروا عن جرائم وخطايا لا عذر لهم فيها مطلقا.
إن ممارسات الانقلاب منذ قيامه وحتى اليوم، لم تترك أحدا ممن رفضه، أو خالفه في قليل أو كثير، إسلاميا كان أو مدنيا، بل قام بالتنكيل بكل من تحالفوا معه، ولينظر هؤلاء إلى صورة مشهد الثالث من تموز/ يوليو، أين من كانوا في الصورة؟
فإن الانقلاب من أول أيامه كان يقول بكل
صراحة بأفعاله؛ إنه ما أتى لحل سياسي، بل أتى ليعود بالناس لحاجز الخوف السابق،
ولبناء جمهورية الرعب والخوف، ومن يطالبون الإخوان بالمراجعة ـ وهي واجب مطلوب ـ
هم أولى بها منهم؛ لأنه لا يعرف في تاريخ الدنيا أن عقوبة من فشل سياسيا في تجربة
كالإخوان، ليس جزاؤه من أول يوم السجن والتنكيل، بداية من الرئيس مرسي، وانتهاء
بمرشح سابق للرئاسة كالشيخ حازم أبو إسماعيل، ورئيس برلمان كالدكتور الكتاتني، إذ
يبرر بعض أهل النظام ممن ينسبون للتيار المدني، بأن الكتاتني لو حضر اجتماع الثالث
من تموز/يوليو ما تم سجنه، والسؤال المهم هنا: هل جزاء من يرفض حضور اجتماع سياسي، أن
يزج به في السجن، وينكل به كل هذا التنكيل؟!
ثم إن ممارسات الانقلاب منذ قيامه وحتى اليوم، لم تترك أحدا ممن رفضه، أو خالفه في قليل أو كثير، إسلاميا كان أو مدنيا، بل قام بالتنكيل بكل من تحالفوا معه، ولينظر هؤلاء إلى صورة مشهد الثالث من تموز/ يوليو، أين من كانوا في الصورة؟ وأين كل من كانوا ظهيرا شعبيا أو سياسيا له، كلهم بلا
استثناء تم التخلص منهم، سياسيين وعسكريين، بل ما يتم ممارسته مع الأزهر مشيخة
وشيخا، دليل بين واضح أن هذا النظام ليس نظام تفاهم، ولا تعايش سلمي أو سياسي مع
الشعب.
فإن إجابة سؤال: ماذا لو تخلى مرسي والإخوان
عن الحكم؟ هي نفس الإجابة عن سؤال: ماذا لو تمسك مرسي والإخوان بالحكم؟ الإجابة
واحدة، لن تختلف؛ لأن ممارسات وسلوك الحكم العسكري واحدة، منذ قيام هذا الحكم
العسكري، منذ عبد الناصر، والفرق أن ناصر بدأ بأصحاب الشعبية السياسية وهم الوفد،
ثم ثنى بأصحاب الشعبية الدينية وهم الإخوان، وما فعله
السيسي أنه بدأ بالإخوان، ثم
ثنى ببقية القوى، فالكتالوج واحد، ولذا يكون من العبث أن نحاسب أشخاصا أو كيانا
على قانون أو منطق، في مساحة لا يحكمها العقل ولا القانون، ولا الدين.
Essamt74@hotmail.com