خلال 10 سنوات من عمر انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، في
مصر، كان للفن دور كبير في التمكين لرئيس النظام عبد الفتاح
السيسي، حيث جرى استخدام القوة الناعمة المصرية من الفنانين سواء المطربين والممثلين والمخرجين، بجانب شركات الإنتاج والفضائيات والصحف، لدعمه منذ اللحظة الأولى.
عدد قليل من الفنانين الذين اعترضوا على سياسات السيسي، وغادروا القاهرة تباعا خوفا من البطش الأمني الذي اتخذته السلطات المصرية منهجا لها مع المعارضين، حيث توجه خالد أبوالنجا إلى أمريكا، وعمرو واكد إلى فرنسا، ومحمد شومان وهشام عبد الله وهشام عبد الحميد لتركيا، وجيهان فاضل إلى كندا.
"اعتصام الثقافة"
بداية، شارك الفنانون في التمهيد لانقلاب قائد الجيش حينها عبد الفتاح السيسي، على الرئيس الراحل محمد مرسي، حين دشنوا ما عُرف بـ"اعتصام وزارة الثقافة"، اعتراضا على الوزير علاء عبد العزيز، ومطالبتهم برحيله وهتافهم ضد الرئيس مرسي، وهو ما نال زخما إعلاميا وشعبيا.
الاعتصام الذي بدأ 5 حزيران/ يونيو 2013 مدة 15 يوما، اعتبره الكاتب يوسف القعيد، الشرارة الأولى لتظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013، التي كان حضور العشرات من الفنانين الكبار فيها لافتا، وزاد من الحضور الشعبي لتلك التظاهرات بميدان "التحرير" وسط القاهرة.
وأسند قائد مشهد "30 يونيو"، إخراج التظاهرات وبثها عبر الفضائيات للمخرج الذي قاد اعتصام وزارة الثقافة، خالد يوسف، مستخدما تقنيات أظهرت الأعداد أكثر من حقيقتها، وهو ما اعترف به يوسف لاحقا بعد انتقاده لنظام السيسي، الذي سرب له العديد من المقاطع الجنسية الفاضحة.
"30 يونيو"
وبعد توقيعهم على استمارة "تمرد" ضد حكم الرئيس مرسي، شارك الفنانون في "30 يونيو"، وعلى رأسهم، إلهام شاهين، ويسرا، وليلى علوي، ومنى زكي، ودلال عبد العزيز، ورجاء الجداوي، وحسين فهمي، ومحمد رمضان، وأحمد حلمي، وكريم عبد العزيز، وأحمد السقا، وهاني رمزي، وأحمد سعد، وهاني سلامة، وخالد صالح، نبيل الحلفاوي، وسامح الصريطي، وغيرهم.
"تسلم الأيادي"
مع اللحظة الأولى للانقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، تم إنتاج "تسلم الأيادي"، أول أغنية داعمة للسيسي، ومهدت له شعبيا، من ألحان مصطفى كامل، (نقيب الفنانين حاليا)، وشارك بها عشرات المغنيين، مثل إيهاب توفيق، وخالد عجاج، وحكيم، وهشام عباس، وغادة رجب، وبوسي، وسوما، وغيرهم.
وعلى مدار استحقاقات انتخابية لانتخابات الرئاسة الأولى والثانية عامي 2014 و2018، والاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية عام 2019، وانتخابات البرلمان عامي 2016، و2021، رقصت النساء المؤيدات للسيسي أمام اللجان على وقع تلك الأغنية.
"استدعاء رسمي"
أغلب الفنانين أعلنوا دعمهم العلني لانقلاب "3 يوليو"، وأيدوا سياسات السيسي، الذي حرص على استقبالهم والاستعانة بهم ومطالبتهم بتقديم ما يخدم توجهاته عبر الشاشة، فيما طالبهم في 21 أيار/ مايو 2014، بدعمه بكل قوتهم الناعمة.
بل إن السيسي، كان دائم الاستدعاء للممثلين المصريين، ففي 20 كانون الثاني/ يناير 2015، وخلال الاحتفال بعيد الشرطة، دعا السيسي،
الإعلام والفن للتصدي للإرهاب وصناعة الوعي، مداعبا الممثلين أحمد السقا ويسرا، بقوله: "والله هتتحاسبوا".
وشارك عشرات الفنانين وبشكل خاص إلهام شاهين، ويسرا، وليلى علوي، وعبير صبري، ولبلبة، في العديد من جولات السيسي الخارجية، وأمام قاعة مؤتمرات الأمم المتحدة في نيويورك، دعما له في وقت كان يحاول فيه استعادة صورته أمام العالم وإقناعهم بشرعية نظامه.
وفي خريف العام 2017، ومع قرب انتهاء فترة حكم السيسي الأولى (2014- 2018)، رغم ما سادها من قرارات اقتصادية وسياسية كارثية وفق مراقبين مثل "تعويم الجنيه" والتنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية؛ تبنى عشرات الممثلين حملة "علشان تبنيها"، لمطالبة السيسي بالترشح لفترة رئاسية ثانية.
وبالتزامن مع تظاهرات المصريين الغاضبة من سياسات السيسي، في أيلول/ سبتمبر 2019، المطالبة برحيله، أطلق عشرات الممثلين هاشتاغ "#احنا_معاك_ياريس"، ومنهم أحمد بدير، وهاني شاكر، وحكيم، ومحمد لطفي، وأحمد فلوكس، وهنادي مهنى، وغيرهم.
وإزاء وقفة الفنانين مع السيسي، في تلك الأزمة، أصدر قرارا بتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية للفنانين، في أيلول/ سبتمبر 2019.
وفي 12 أيار/ مايو 2021، أشاد بما قدمته الدراما خلال شهر رمضان من ذلك العام، من أحداث مرت على المصريين، داعيا لتقديم أعمال مماثلة أكثر، في إشارة لأحداث ما بعد الانقلاب العسكري، فيما كرم السيسي عشرات الفنانين الراحلين والأحياء.
"إلهام وحسين"
الممثلة إلهام شاهين، كانت أشد من دعموا السيسي، منذ "30 يونيو" وحتى اليوم، ومن بين ما قالته بحملة دعم نظمتها دولة الإمارات في أيار/ مايو 2014، لدعم ترشح السيسي لرئاسة مصر، إنه "أنقذنا من تتار هذا العصر"، في إشارة لجماعة الإخوان المسلمين.
وفي الذكرى التاسعة لـ"30 يونيو"، قالت شاهين، لموقع "القاهرة 24"، إن "السيسي منقذ مصر؛ وشخصية وطنية حتى النخاع، وما يفعله مذهل، ونرى تغييرا حقيقيا وملموسا، والله يحبنا لأنه منحنا رئيسا مثله".
الممثل حسين فهمي، اعترف بتقديمه دعما خارجيا لانقلاب السيسي، مؤكدا أنه ذهب إلى الكونغرس الأمريكي 5 مرات خلال عام حكم الرئيس مرسي، وأنه جزم لأعضاء بالكونغرس أن مصر ستتغير بعد "30 يونيو".
"الاختيار"
وعلى مدار 10 سنوات جرى إنتاج عشرات الأفلام والمسلسلات الداعمة للنظام، منها "الاختيار" بأجزائه الثلاثة بميزانية مفتوحة من الشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية"، التابعة لجهاز المخابرات العامة المصرية، والمسيطرة على سوق الإعلام والفن في مصر، ومن إخراج بيتر ميمي، بمشاركة كبار الممثلين مثل أحمد السقا، وكريم عبد العزيز، وياسر جلال، وأمير كرارة، وغيرهم.
المسلسل، اعتمد في جزءيه الأول عام 2020، والثاني 2021، على تقديم تسريبات من تسجيلات صوتية لاجتماعات الرئيس الراحل محمد مرسي، وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، لتبرير ما ارتكبه السيسي من جرائم بحق آلاف المصريين في مجازر رابعة والنهضة 14 آب/ أغسطس 2013، وغيرها.
وفي الموسم الدرامي الرمضاني لعام 2021، قدمت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية 3 مسلسلات موجهة هي "الاختيار 2"، و"هجمة مرتدة"، و"القاهرة كابول"، تتحدث عن ثورة يناير وفض اعتصام رابعة العدوية وغيرها، حملت وفق مراقبين في أحداثها تزييفا كبيرا لوقائع عايشها المصريون.
"الاختيار3"، جرى إنتاجه عام 2022، وكان الأكثر إثارة للجدل بتقديم الممثل ياسر جلال شخصية السيسي، لأول مرة على الشاشة الصغيرة، فيما حاول صناع العمل تقديم السيسي، بصورة البطل المنقذ للبلاد.
"المتحدة والمخابرات"
وسيطر جهاز المخابرات العامة على صناعة الدراما والسينما، وسط تراجع لافت لشركات الإنتاج الخاصة، فيما تفرض "المتحدة للخدمات الإعلامية"، رقابة صارمة على الكتابة والإخراج والتصوير والعرض.
ومع تسلم السيسي السلطة رسميا عام 2014، سعى للسيطرة على الإعلام والصحافة والإنتاج الدرامي والتلفزيوني والسينمائي والإعلانات، حيث أسست المخابرات العامة مجموعة "إعلام المصريين" برئاسة رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة لشراء الصحف والفضائيات.
استكملت شركة "إيجل كابيتال للاستثمارات المالية" عام 2016، برئاسة وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، ما قامت به "إعلام المصريين"، واشترت العديد من الفضائيات والصحف.
تلك التركة انتقلت إلى "المتحدة للخدمات الإعلامية"، منذ نيسان/ أبريل 2019، حيث تمتلك الآن أغلب الفضائيات والإذاعات والصحف والمواقع ووضعت برئاستها موالين لها، وخصصت رقيبا على ما يجري إنتاجه من عمل صحفي وإعلامي وفني.
وتمتلك المخابرات مجموعات قنوات؛ "أون" و"الحياة" و"دي إم سي" و"سي بي سي" و"سي بي سي سفرة" و"الناس" و"مصر قرآن كريم"، و"المحور"، وتدير قنوات "أون تايم سبورتس" و"تايم سبورتس" و"القناة الأولى"، مع تأسيس منصة "ووتش إت".
وتستحوذ على محطات راديو "نغم إف إم" و"ميجا إف إم" و"أون سبورت إف إم"، و"راديو 9090" و"شعبي إف إم"، مع تدشين شركة "بريزنتيشن سبورتس" بمجال الدعاية والإعلان، مع "ميديا هب" و"سينرجي" و"بي أو دي".
كما تمتلك صحف "اليوم السابع"، و"video 7" و"الوطن" و"الدستور" و"الأسبوع" و"مبتدأ" و"بيزنس توداي مصر" و"إيجيبت توداي" و"دوت مصر" و"صوت الأمة" و"المصري اليوم"، وغيرها.
"أضر بهم.. ولكن"
سيطرة المخابرات على هذا الكم من الصحف والمواقع والفضائيات والإذاعات جعلت الصحفيين في قبضة يد النظام، وصار عملهم بممتلكات المتحدة مرتبطا بتقديم الولاء للنظام، وفي المقابل اعتقل الأمن الكثير من الصحفيين، ووجهت لهم السلطات تهما تتعلق بعملهم أو إبداء آرائهم.
ورغم دعم الفنانين لنظام السيسي، وتغاضيهم عما ارتكبه من مجازر بحق المصريين وسجن الآلاف منهم، وما دأب عليه من سياسات اقتصادية أغرقت البلاد في الديون وتوجهه لبيع الأصول العامة، إلا أن سياسات السيسي أضرت بالكثير منهم.
ومع أن الممثل الشهير محمد صبحي، (75 عاما) وفي نيسان/ أبريل 2018، قال: "لو السيسي أخذ أولادي وعذبهم هستعوض ربنا ومايتمسش تراب بلادي"، إلا أنه وفي 17 أيلول/ سبتمبر 2021، انتقد احتكار نظامه للإنتاج
الفني وتعطيل أعمال جادة وتقديم أعمال "تافهة" و"مسفة".
وخرج صبحي، مجددا في أيار/ مايو الماضي داعيا السيسي لترك الحكم لمن هو أفضل منه، إلا أن المخرج والفنان المسرحي عاد سريعا وتبرأ من حديثه.
وفي حديث خاص بـ"
عربي21"، مع أحد الفنانين المصريين، -تحفظ على ذكر اسمه- أكد أن هناك حالة من الغضب بين الفنانين، وخاصة الذين جرى تهميشهم مقابل الاستعانة بشخصيات محددة وشلل معروفة.
وأوضح أن الغاضبين يكتمون غضبهم ويهتمون فقط بالحصول على دور، مبينا أنه منذ نحو عام وهناك انفراجة بعد استعانة هيئة الترفيه السعودية بالكثير من الفنانين، ما قلص من احتكار الأعمال وقلة الأجور في الأعمال المصرية.
"علاقة وظيفية"
وفي رؤيته لأدوار الفنانين والصحفيين الداعمة لنظام 3 يوليو على مدار 10 سنوات قال الكاتب الصحفي والإعلامي قطب العربي، إن "غالبية الفنانين اتخذت موقفها الرافض لحكم الرئيس مرسي، والداعم للانقلاب نتيجة مخاوف وهمية حول احتمالات التضييق على الفن والفنانين حال استمر حكم الإخوان".
وفي حديثه لـ"
عربي21"، أوضح أنه "رغم أن الرئيس مرسي، بدأ عهده بلقاء الفنانين وطمأنهم على أوضاعهم ومستقبلهم، لكنهم وقعوا أسرى دعاية مضادة وتخطيط محكم".
وأضاف: "نجح هذا التخطيط في حشد الفنانين في اعتصام وزارة الثقافة ضد وزير الثقافة علاء عبد العزيز، ومنعوه من دخول مكتبه في الأيام الأخيرة قبيل مظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013، التي شاركوا فيها، وغنى بعضهم دعما لها وللانقلاب العسكري".
وأكد أنه "حين كان السيسي، وزيرا للدفاع فإنه اختصهم بدعوة لحضور ما سمي بتفتيش الحرب في منطقة دهشور العسكرية (غرب القاهرة)، وأظهروا خلال اللقاء خوفا وقلقا وتعلقوا بالسيسي، ليخلصهم من هذه المخاوف".
العربي، أشار إلى أن "نظام السيسي حرص على استمرار هذه النخب الفنية إلى جواره واستقطابها في أعمال فنية من إنتاج الشركات الفنية التابعة للشركة المتحدة التابعة للمخابرات".
ولفت إلى أنه "في نفس الوقت، تم التضييق على شركات الإنتاج الفني الخاصة، ولم يعد أمام الفنانين سوى الشركات التابعة للمخابرات فتحولت العلاقة لعلاقة وظيفية".
وختم بالقول: "وبالتالي لم يعد الاهتمام بالشعب ومعاناته أمرا ذا قيمة عند هؤلاء الفنانين؛ فالمصلحة الشخصية مقدمة على المصلحة العامة".