مع انتهاء ميزانية العام الماضي في
مصر في 30 حزيران/ يونيو الماضي
وبدء الميزانية الجديدة في الأول من تموز/ يوليو الجاري، تنتهي الإجراءات الاقتصادية
الاستثنائية لدعم الفئات الفقيرة مثل زيادة
دعم بطاقات التموين وتأجيل رفع أسعار الكهرباء.
ويترقب المصريون في المقابل إجراءات اقتصادية قاسية مع بدء العام المالي
الجديد لتزيد أجواء الصيف الحار اشتعالا؛ مثل تطبيق بعض الرسوم الجديدة، وزيادة أسعار
بعض الخدمات مثل الطاقة والمياه والكهرباء بدعوى ارتفاع تكلفتها نظرا لانخفاض قيمة
الجنيه المستمر.
مطلع شهر تموز/ يوليو الجاري، انتهى الدعم الحكومي الاستثنائي للفئات
الأكثر استحقاقًا بحد أقصى 300 جنيه لشراء السلع على البطاقات التموينية، ضمن حزمة
إجراءات حماية اجتماعية لمواجهة الغلاء والظروف الاقتصادية.
انتهاء الدعم التموين الاستثنائي
وكانت وزارة التموين أقرت تلك الإجراءات في أيلول/ سبتمبر الماضي، وانتهت
نهاية حزيران/ يونيو الماضي، ولم تعلن الحكومة حتى الآن عن أي إجراءات أخرى، أو تمديد
الإجراء السابق لمواجهة غلاء الأسعار وزيادة التضخم.
بلغ عدد الفئات الأكثر استحقاقًا نحو 35 مليون مواطن، موزعين على 8
ملايين بطاقة، من أصل 62.2 مليون مواطن، وحددت الدعم الاستثنائي بواقع 100 جنيه لكل
بطاقة تضم أسرة واحدة، ترتفع إلى 300 للبطاقة المسجل عليها ثلاث أسر (الدولار يعادل
نحو 31 جنيها).
وقفزت أسعار المواد والسلع الغذائية في مصر إلى مستويات قياسية. ومع
ارتفاع معدل التضخم الأساسي السنوي إلى 40.3 بالمئة في أيار/ مايو، ارتفع معدل تضخم
أسعار الغذاء إلى نحو 60% مدفوعا بزيادة أسعار السلع المدعمة.
في غضون ذلك تتضاءل القوة الشرائية لحصة الفرد على بطاقات التموين البالغة
50 جنيها (نحو 1.6 دولار) دون زيادة منذ عام 2017، مع استمرار وزارة التموين في رفع أسعار
السلع التموينية الاستراتيجية بأكثر من 300%.
ويترقب المصريون صدور قرار من الحكومة بشأن أسعار شرائح الكهرباء
الجديدة التي سيتم تطبيقها خلال العام المالي الجاري، بعد تأجيل الزيادة العام الماضي
بالتزامن مع تطبيق خطة لترشيد استهلاك الكهرباء بالجهات الحكومية والوزارات المختلفة.
ضرائب ورسوم جديدة
كما تدخل تعديلات تشريعية لقانوني "ضريبة الدمغة" و"رسوم
تنمية الموارد المالية للدولة"، اللذين أقرهما البرلمان المصري في حزيران/ يونيو
الماضي، حيز التنفيذ، وهي عبارة عن حزمة رسوم وضرائب جديدة تشمل عدداً من الخدمات والسلع
الغذائية رغم اعتراض بعض أعضاء البرلمان.
ارتفاع الدين الخارجي
ارتفعت مستحقات الدين الخارجي على مصر خلال عام إلى أكثر من 135% من
الاحتياطي النقدي الأجنبي، بحسب بيانات البنك المركزي المصري، وقفزت مخصصات سداد القروض
في الموازنة الجديدة إلى نحو تريليون و315 مليارا و914 مليون جنيه.
خفض جديد للجنيه
الإجراء الأكثر صعوبة، والذي قد يمثل ضربة قوية لقدرات المصريين الشرائية
وقيمة مدخراتهم، هو ترقب خفض جديد للعملة المحلية وسط توقعات تقارير دولية واسعة بالسماح
للجنيه المصري بالهبوط لتلبية متطلبات صندوق النقد الدولي، وقدوم تدفقات دولارية جديدة
للبلاد.
وتوقع مصرف "كريدي سويس" السويسري، أن يهبط الجنيه المصري
مجددا بنسبة قد تصل إلى 25% عن السعر الحالي في السوق السوداء، وأن يبلغ سعر صرف الجنيه
مقابل الدولار خلال ثلاثة أشهر ما بين 45 و50 جنيها للدولار بسبب عدم تحقيق تقدم ملموس
في برنامج الإصلاح الاقتصادي، خاصة في ما يتعلق ببرنامج الطروحات الحكومية.
الباحث الاقتصادي بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (المقرب
من السلطة)، محمد شادي، توقع عدم تعويم الجنيه رغم أن هذا هو القرار الصحيح من وجهة
نظره، لكن "الإدارة منحازة للجانب الاجتماعي".
لكن شادي أقر عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك" بإمكانية خفض
قيمة الجنيه وأن تتراوح قيمته ما بين 29 جنيها و34 جنيها مقابل نحو 30.9 جنيه حاليا، ما يعني خفضا متوقعا بنحو 13% على الأقل حتى نهاية النصف الأول من العام المالي
الجديد.
"لا قيمة للدعم مع خفض الجنيه"
في اعتقاده، يقول الباحث في الاقتصاد السياسي مصطفى يوسف، إن
"المسكنات الحكومية لمواجهة أزمة الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة انتهت، مع ضرورة
النظر بعين الاعتبار إلى أنها ملتزمة مع صندوق النقد الدولي بتقليص دعم التموين والكهرباء
والوقود، والتركيز على الفئات الأكثر فقرا، في ظل عدم اقترابها من شركات الجيش وأركان
الجمهورية الجديدة".
واعتبر في تصريحات لـ"عربي21" أن أي دعم أو استثناءات مع
انهيار قيمة الجنيه "لا قيمة له؛ لأن غلاء الأسعار والتضخم المستمر سوف يأكل أي
استثناءات كما سيأكل من أصل مال المواطنين، ومن هنا حتى العام المقبل لن تكون هناك
أي زيادة في الأجور ما يعني أن القادم أسوأ بكثير من تراكم التزامات مصر الخارجية بأكثر
من 12 مليار دولار خلال النصف الثاني من العام الحالي".
وتوقع يوسف أن "تحجم الحكومة المصرية منذ بداية السنة الجديدة
عن تقديم تنازلات جديدة للمواطنين، وهو في كل الأحوال دعم ظاهري؛ لأن ما تقدمه باليمين
تأخذه بالشمال من خلال زيادة الرسوم والضرائب ورفع أسعار الخدمات، الخ".
"سياسة الامتصاص والتركيع"
وبشأن تأثير ما سبق على الطبقة العاملة والطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل،
قال عضو لجنة العمال بالمجلس الثوري المصري، سيد حماد، إن "سياسة الأنظمة الاستبدادية
لا تكل من المسكنات وسوف تستمر ولكنها دون جدوى حقيقية، وجزء من الدعم الخارجي يذهب
في صورة مسكنات من وقت لآخر حتى يمتص النظام غضب الشارع المصري".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "هذه المسكنات إعلامية أكثر
منها اقتصادية أو اجتماعية، وعلى المصريين أن يدركوا وقد أدركوا بالفعل حجم التراجع
الكبير في العملة المحلية، وعمق الأزمة الاقتصادية، واستشراء الفساد الإداري، وارتفاع
معدلات التضخم لأرقام غير مسبوقة، وسيكون تأثير كل ما سبق على الفقراء أكثر من كارثي".
ورأى حماد أن "ما يمنحه النظام المصري من رفع الأجور قليلا أو
مساعدة المعدمين يأخذه عن طريق زيادة أسعار المواد البترولية والكهرباء، والسلع التموينية"،
مشيرا إلى أن "بطاقات التموين أصبحت تساوي 25% من قيمتها قبل الانقلاب العسكري".