رغم انتهاء أزمة تمرد قوات شركة
فاغنر الروسية، التي يقودها يفغيني
بريغوجين، إلا أنها ألقت بظلالها الثقيلة على الرئيس الروسي، فلاديمر
بوتين، ونالت من هيبة نظامه.
ويرى محللون أن الرئيس الروسي خرج من التمرد الذي قامت به "فاغنر" الشهر الماضي أضعف، رغم نزع فتيل التهديد الفوري.
وكان التمرد الذي لم يستمر طويلا، بمثابة التحدي الأخطر لحكم بوتين منذ وصوله إلى السلطة.
وأدى الاتفاق الذي توسطت فيه بيلاروس لوقف زحف "فاغنر" نحو موسكو إلى تجنّب اشتباك كبير، لكن هذا الاتفاق يبدو الآن موضع تساؤل.
وقال الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو، الخميس، إن بريغوجين في
روسيا، وبالتالي فهو لم يكن في المنفى -- في بيلاروس -- وفق ما يقتضي الاتفاق.
وفي ما يأتي، أبرز نقاط ضعف تواجه بوتين الآن:
"بريغوجين ما زال طليقا"
أصبح مكان بريغوجين وقواته غير واضح بعدما تحدث لوكاشنكو، الخميس، مع إعلان الكرملين أنه "لا يتابع" تحركات زعيم المجموعة.
لكن التهديد الذي تشكّله "فاغنر" ليس عسكريا فقط، فالمجموعة تسيطر أيضا على مؤسسات إعلامية وجيوش إلكترونية، ما يعني أنه يجب إسكات بريغوجين ونزع سلاحه.
وحظرت السلطات الروسية مجموعات إعلامية مرتبطة بشركة "باتريوت" القابضة وهي "في طور التفكيك" بحسب ماكسيم أودينيه من معهد البحوث الاستراتيجية في باريس.
وأوضح لـ"فرانس برس" أن بريغوجين سيُحرم من قوته الإعلامية الهائلة، لكن الجنرال الأسترالي المتقاعد ميك راين قال إنه من الصعب تخيله صامتا لفترة طويلة.
"تصدّعات في سلطة بوتين"
صفح بوتين الذي سجن منتقديه وعاقب الأصوات المعارضة بقسوة، خصوصا منذ بدء الحرب في أوكرانيا، عن الرجل الذي انتقد كبار قادة دفاعه.
وقال أودينيه: "فكرة أن النظام لم يعد منيعا قد تنمو في أذهان جزء من النخب. إذا كان بريغوجين يستطيع فعل ذلك، فلم لا يفعل ذلك أي شخص آخر؟".
وكشفت محاولة التمرد أيضا تصدعات داخل القوات الأمنية، فيما سار مقاتلو فاغنر نحو موسكو من دون مقاومة تذكر.
وقال كيريل شامييف من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "تجاوز بريغوجين الجيش والشرطة وقواعد الاستخبارات الروسية بدون أي محاولات من تلك الوحدات لمنعه".
وأضاف أن "هذا يبرز هشاشة النظام السياسي الروسي". في المقابل، فإنه "لا يمكن لبوتين أن يبقى مكتوف اليدين، لكنّه يصوَّر منذ أشهر على أنه متشكك ومعزول".
وقالت تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة شركة التحليل السياسي "آر بوليتيك"، إنها لم تتوقع أن يقوم بوتين بعملية تطهير مثل تلك التي نفذها الزعيم السوفياتي السابق جوزيف ستالين.
وأوضحت أن "وجهة نظره تقسم الأفراد إلى أبطال وخونة (يواجهون عواقب وخيمة) وأرواح مفقودة قد يعفى عنها إذا تابت في الوقت المناسب. عمليات التوقيف ممكنة ضمن هذا الإطار".
من جهته، قال بيتر تيش، السفير الأسترالي السابق في موسكو، إن مستقبل بوتين لن يُحسم في أيام أو أسابيع.
وتابع: "هو يرأس نظاما يسوده انعدام الثقة والخداع وقواعد المصلحة الذاتية".
وأضاف مازحا: "إذا كان بريغوجين يشرب الشاي، فقد يرغب في تغيير مشروبه المفضل" في إشارة إلى عمليات التسميم التي استهدفت معارضين للكرملين.
وفي هذا الإطار، زعم كيريلو بودانوف رئيس الاستخبارات في وزارة الدفاع الأوكرانية أن جهاز الأمن الداخلي تلقى أوامر باغتيال بريغوجين.
"عالق في أوكرانيا"
توقع بوتين انتصارا عسكريا سريعا في أوكرانيا عندما شن هجوما في شباط/ فبراير 2022، لكن الصراع وصل إلى حالة من الجمود، وتواجه القوات الروسية هجوما مضادا أوكرانيا جديدا.
وكان بريغوجين الصوت الأكثر حدة بين منتقدي إخفاقات الغزو داخل روسيا والاستراتيجيات التي استخدمها وزير الدفاع سيرغي شويغو وقائد الجيش فاليري غيراسيموف.
وكتب الباحثان ليانا فيكس ومايكل كيماغ على موقع "فورين أفيرز" أن العديد من الجنود لا يعرفون لماذا يقاتلون ويموتون في أوكرانيا و"جاء بريغوجين للتحدث نيابة عن هؤلاء الرجال"، وأضافا أن ما حدث سلط الضوء على حالة الجيش المضطربة.
من جهته، قال لورانس فريدمان من "كينغز كوليدج- لندن" إن بوتين "يركز اهتمامه" على حرب لا يمكن الانتصار فيها وأهدر فيها موارد هائلة، وقد ماطل عندما كان عليه اتخاذ قرارات صعبة.
"جبهات متعددة"
بعد نحو 16 شهرا من القتال، فتحت جبهة جديدة، داخلية وسياسية، وهناك احتمال أن تستعد النخب الروسية المنقسمة حول طريقة قيادة الحرب، لمرحلة ما بعد بوتين، حتى وإن لم يدعم أي منهم بريغوجين علنا.
وقال كيماغ وفيكس، إن في الكرملين بورصة داخلية تسجل صعود وهبوط أسهم شخصية سياسية في السلطة.
وأضافا أن بوتين يجب أن يضمن عودة إلى الوضع الطبيعي ومن المرجح أن يرد على الإهانة.
خارج روسيا، يجري استغلال نقاط ضعف بوتين. وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز إن حرب أوكرانيا كان لها تأثير "مدمر" على بوتين والحكومة.
وأضاف أن عدم الرضى عن الحرب سيستمر في إثارة قلق القادة الروس.