منذ نشأته اختار حزب العدالة والتنمية مكانه في الساحة السياسية التركية
وتموقع في مساحة أحزاب يمين الوسط، وهو ما صنع له القبول في الشارع منذ اللحظة
الأولى التي أعلن فيها عن نفسه، ولأن المساحات السياسية هي بالأساس وهمية ومرنة في
نفس الوقت، والمراوحة فيها ممكنة رغم أنها ملحوظة وإن كانت في العادة تكون بطيئة
ودقيقة، لكن في النهاية تؤشرها وتكشف عنها القرارات أو حتى الخطابات.
بعد أن انفضّ مولد الانتخابات بمره وحلوه نهاية سعيدة، من وجهة نظر
المهاجرين واللاجئين، بفوز العدالة والتنمية، لما ذاقوه خلال الأشهر التي سبقتها
من مر التخويف والترويع من قبل أحزاب المعارضة فيما يمس أمنهم وإقامتهم في البلاد،
وذلك الوعيد المنطلق من كل حدب وصوب في مؤتمرات ولقاءات المعارضة، حتى بات محور
الانتخابات الأخيرة هو طرد السوريين من
تركيا، فلم يُذكر للمعارضة بكتلها الثلاث
برنامج حقيقي يتذكره حتى أنصارها، غير ذلك الخطاب المتطرف بطرد السوريين وإعادتهم
إلى بلادهم، لكن وحتى بعد أن انفض مولد الانتخابات ظلت توابع زلزال طرد السوريين تؤثر
في المجتمع بعد أن شكل الرئيس إدارته والتي شملت وزير داخلية جديدا ومديرا جديدا لإدارة
الهجرة.
تتزايد وتيرة الرعب لدى المهاجرين عموماً والسوريين بشكل خاص، لما يمثلونه
من النسبة الأكبر والطاغية على المشهد، بعد تصريحات وزير الداخلية ومدير الهجرة،
اللذين تؤشر سيرتهما الذاتية إلى أنهما صارمان إلى حد كبير، لا سيما وأن برنامج
الرئيس الانتخابي شمل عودة مليون سوري إلى بلادهم خلال الفترة المقبلة، ومع تواتر
المقاطع المصورة لعناصر الشرطة وهي تقبض على المهاجرين والسوريين، والتي يتخللها
في بعض المشاهد التي تعد على أصابع اليد الواحدة بعض الانتهاكات من تلك العناصر..
تزايدت المخاوف أكثر، في ظل عالم تتنشر فيه الأخبار المصورة بسرعة الضوء الذي
تحمله الألياف الموصلة له إلى الهواتف المحمولة في أي مكان وأي زمان، فتحولت
المخاوف إلى رعب لدى المهاجرين واللاجئين.
وكانت ردة الفعل العامة في البلاد لدى تلك الشرحة الكبيرة من اللاجئين
والمهاجرين وأسرهم أن
أردوغان وحزبه أصبح أكثر تطرفاً من المعارضة التي حرّضت على
اللاجئين خلال فترة الدعاية الانتخابية وأثناء الانتخابات، وحتى أن البعض رأى أن
الرئيس وحزبه أصبح أكثر تطرفاً من أوميت أوزداغ، رئيس حزب الظفر اليميني، مع تنامي
القصص الحقيقية والوهمية عن ترحيلات وإهانات، وتعاون كل أجهزة الدولة الرسمية وغير
الرسمية في طرد المهاجرين والسوريين، حتى أن أحد القصص شطحت إلى أن موظف بنك خاص،
وليس حكوميا حتى، حاول أن ينفذ تعليمات طرد المهاجرين بنفسه؛ من خلال التحفظ على
أحد المهاجرين لأن إقامته على غير مدينة، في استخفاف واضح بعقول الناس، لكن ومع
حالة الرعب، كل شيء يمرر وكل شيء يمكن أن يصدق مع حالة توقف العقل وسيطرة مشاعر
الخوف، يصاحب ذلك قصص عن عنصرية مفرطة للشعب التركي لتزيد المشهد حبكة، وتضع
مبررات لما تقوم به عناصر الشرطة في المقاطع المصورة المتداولة للقبض على الأجانب.
على الرغم من أن تلك الهواتف تنقل المقاطع المصورة السلبية، إلا أنها
وللعجب، لا تنقل الإيجابي أو تنقل ولا يراها من رأى السلبي. فوزير الداخلية أكد أن
عمليات القبض تتم على المخالفين، كما أن والي إسطنبول، وهي الولاية الأكبر التي فيها
سوريون، اجتمع مع المنظمات السورية للتأكيد على الفكرة وتطمين الناس، لكن للأسف لا
يزال الرعب متملكا من الناس، وذلك برأيي لثلاثة أمور، الأول هو الرغبة غير
المفهومة للناس لتصديق كل خبر يخيفهم، والثاني هو لعب المعارضة على الملف من جديد
للاستفادة منه كما استفادت في انتخابات البلدية الماضية واستطاعت أن تقتنص ولايتي
أنقرة وإسطنبول المهمتين، والثالث هو القصور الحكومي في الإعلام وتهيئة الشارع
لمثل هذه القرارات المهمة والمحسوسة.
كان للجنة كوريل الفضل في تغيير مزاج المجتمع الأمريكي الرافض لخوض حرب شُق
من أجلها عباب المحيط لصالح شعوب أخرى تناهض من أجل حريتها ضد النازي، لكن الرجل
ولجنته وخلال ستة أشهر فقط استطاعوا أن يجعلوا من الرافضين للحرب متحمسين لها، بل
ومستعدين لبذل الروح من أجل إسقاط النازية المتوحشة، سرطان العالم الجديد.
ولن أخوض في تفاصيل أكثر عن كوريل ولجنته وأدعُك عزيز القارئ للبحث، في
عادة جميلة في دنيا الوعي وحربه المستعرة، لكن الشاهد أن الإعلام هو أخطر وأهم
سلاح في الإدارة. والكلام هنا عن الإدارة بشكل عام من بداية إدارة البيت وصولاً
إلى إدارة الدولة، فلو أخذنا مثال لجنة كوريل في إدارة الشعوب وتوجيهها في مسارها
البسيط والواضح يمكن فهم ما يحدث في مجتمعاتنا من أحداث يكون ضحيتها في النهاية
المتلقي المستسلم، أما لو تعمقنا أكثر، فإن أجهزة المخابرات حاضرة في هذا الملف
المهم في حياة البشر، ومع تلاقي المصالح قد يتخادم سكان محليون مع مخابرات أجنبية
من أجل الوصول للهدف.
هناك تجاوزات لا شك وهناك أخطاء كثيرة، وهناك للأسف غياب للمعلومة، في زمن
ثورة المعلومات، وهو ما يتسبب في عمليات ضبط يمكن وصفها بالعشوائية، وعدم وجود آلة
إعلامية حكومية أو من أنصارها تناهض حملات تضخيم المشاهد والتجاوزات بما يزيد من
الأزمة على الجميع، على الحكومة قبل اللاجئين والمهاجرين، وتحمّل الرئيس مسئولية
توضيح وفي بعض الأحيان تبرير كل كبيرة وصغيرة من السياسات أو الإجراءات، ما يجعل
الأمر شاقا على الجميع قبل الرئيس، ففي ظل مشاغل الرجل ومهامه وسفره تبقى الأمور
معلقة وتتفاقم حتى يسمح وقته للتوضيح ويستفيد من له غرض، وبات الأمر بحاجة لآلة أو
جهاز كبير له رؤيته وخطته وأدواته من أجل التخفيف عن الرئيس وتوزيع المهام حتى لا
تضيع المكارم التي قدمها العدالة والتنمية للمهاجرين واللاجئين بدعاية مضادة
مدروسة، وعلى العدالة والتنمية دوماً أن يتذكر أنه نُصر بالضعفاء.