قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح
البرهان، إن بلاده "تواجه أكبر مؤامرة في تاريخها الحديث"، وإن "قوات الدعم السريع متعطشة للسلطة"، في الوقت الذي تتصاعد فيه التحذيرات من خطر
الجثث التي لم تدفن في العاصمة الخرطوم.
وفي خطاب متلفز، بمناسبة عيد القوات المسلحة
السودانية الـ 69 الموافق 14 أغسطس/ آب من كل عام، قال البرهان: "نستقبل هذه الذكرى وبلادنا تواجه أكبر مؤامرة في تاريخها الحديث تستهدف كيان وهوية وتراث ومصير شعبنا".
واتهم البرهان قوات الدعم السريع بـ"قيادة أكبر ظاهرة قامت على التضليل والكذب والخداع وتزييف الحقائق وشراء ذمم الناس"، موضحا أنها "يستبد بها الطمع والتعطش للسلطة للحد الذي فرض علينا هذه الحرب التي نخوضها مضطرين".
بينما تدعي "الدعم السريع" في أكثر من بيان، أنها "تحارب من أجل الديمقراطية والمدنية"، على حد قولها.
وأشار رئيس مجلس السيادة إلى أن
الجيش السوداني سيحتفل "قريبا جدا بالنصر المؤزر" على قوات الدعم السريع.
وأكد البرهان أن القوات المسلحة السودانية تعمل "للوصول إلى صيغة سياسية محكمة وعادلة ومقبولة تصل بالبلاد إلى محطة الانتخابات".
يأتي ذلك في الوقت الذي لم تهدأ فيه أصوات الرصاص والمدافع في العاصمة الخرطوم منذ خمسة أشهر، في حين تعجز السلكات المحلية والمنظمات الدولية عن إحصاء عدد ضحايا الصراع بشكل دقيق.
ويذكر تقرير لشبكة "بي بي سي" البريطانية، أن العديد من الأسر اضطرت لدفن موتاها في البيوت، لعدم إمكانية الوصول إلى المقابر، خاصة في المناطق التي تشهد اشتباكات مستمرة كأحياء أم درمان والخرطوم بحري ومناطق في إقليم دارفور، ناهيك عن روايات تتحدث عن جثث تنتشر في الشوارع لم تدفن.
منازل تحولت لمقابر
ولا تخفي شاهدة العيان إحسان عبد العزيز، ألمها وأسفها وهي تروي المشهد الذي رأته، تقول: "مررت بعشرات الجثث ملقاة عند موقف الشمبات القريب من السوق المركزي"، وتضيف: "بعض هذه الجثث كان مغطى وأنا متأكدة من أن الكثير منها يعود للمدنيين، الإنسان لا يحتمل رؤية ذلك. يكاد قلبي ينفطر".
ونقلت "بي بي سي" عن الصحفي عثمان فضل الله، تأكيده أن "مئات الجثث تنتشر في شارع الشهيد مطر، وهو أحد أكبر الشوارع وأشهرها في الخرطوم بحري، وأن هذا المشهد أصبح موجودا في معظم مناطق الخرطوم، حيث باتت الجثث المنتشرة، عُرضة للعبث، إذ تنهشها الكلاب، ولا يستطيع أحد الاقتراب منها لدفنها"، أما المارة فيتجولون فوق تلك الجثث التي أصبحت "تُعبِّد الطريق" دون لمسها.
ويُشير فضل الله، إلى أن الوصول إلى المقابر أصبح صعبا للغاية في ظل الوضع الأمني الراهن خاصة في أم درمان، حيث حاول سكان منطقة أمبدة في أم درمان، دفن أربعة جثامين في المقبرة القريبة، إلا أن "موكب التشييع تعرض للرماية بالرصاص من قبل أحد طرفي القتال".
ويروي فضل الله، قصة الموسيقار السوداني خالد السنهوري، الذي توفي بعد صراع مع المرض داخل منزله بعد أيام من بدء الحرب الحالية في الخرطوم، واضطر أهله لدفنه أمام منزله لصعوبة الوصول إلى المقبرة التي تبعد أمتاراً قليلة من منزله، موضحاً أن العديد من "منازل المواطنين باتت مقابر للموتى".
"طاعون" يهدد الجميع
وحذرت منظمات محلية ودولية، كانت آخرها منظمة "أنقذوا الطفولة البريطانية"، من مخاطر ترك الجثث الموجودة في الشوارع والتي قالت إنها "تشكل تهديدا على السكان بسبب تحللها وتعفنها، إذ أنها يمكن أن تكون سبباً رئيسياً في انتشار الأوبئة والأمراض" خاصة أن الوضع الراهن في السودان يحول دون تنفيذ حملات لمكافحة نواقل الأمراض.
وما يزيد الوضع خطورة، تحذيرات أطلقتها هيئة الطب العدلي في السودان، من انتشار الأمراض والأوبئة بين المواطنين خاصة
الطاعون، مع وجود ما لا يقل عن 3000 جثة في مشارح العاصمة الخرطوم مهددة بالتحلل والتعفن، في ظل غياب معلومات دقيقة عن وضع تلك المشارح لوقوعها في مناطق تتخللها اشتباكات.
ويقول الدكتور هشام زين، مدير هئية الطب العدلي في السودان، لبرنامج "للسودان سلام" الذي تبثه "بي بي سي"، إن أكثر من 3000 جثمان موجودة داخل مشارح العاصمة الخرطوم تعود لأحداث فض الاعتصام عام 2019 والفترة التي تلتها، مشيراً إلى أن لجنة تم تشكيلها للتحقيق في ضحايا تلك الحادثة "منعت دفن وتشريح الجثث لأغراض سياسية"، وهو ما أدى إلى تراكم تلك الجثامين على حد تعبيره.
وأشار زين، إلى أن تلك الجثامين موجودة في مشارح بشاير والأكاديمي وأم درمان، ومع بداية الحرب أصبح الوصول إلى تلك المشارح صعباً بسبب وقوعها في مناطق اشتباكات نشطة، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي لمدة أشهر عن تلك المناطق.
وأكد زين أن الجثث الموجودة في الشوارع أو في المشارح يمكن أن تسبب كارثة وبائية في البلاد في حال لم يتم التعامل معها، ومؤكدا على ضرورة تشريحها ودفنها فوراً لتفادي المخاطر التي قد تسببها.
جثامين في مثواها الأخير
وعلى الرغم من أن مشهد الجثث المترامية على الطرقات أصبح مألوفاً في مناطق الاشتباكات في العاصمة الخرطوم والمناطق الأخرى، كما يروي شهود العيان، فقد وجدت جثث أخرى طريقها لمثواها الأخير في المقابر إما بمساعدة الأهالي أو مبادرات تطوعية تم إطلاقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول الدكتور نوح مدني، إن مجموعة من الشباب الذين كانوا ينتسبون للهلال الأحمر، بمساعدة شباب الأحياء في المناطق، أطلقوا مبادرات للوصول إلى الجثث ومحاولة دفنها في المقابر.
ويضيف الدكتور مدني: "نظمنا تدريبات حول كيفية التعامل مع الجثث وإجراءات السلامة التي يجب الالتزام بها أثناء التعامل معها، إلا أن "الوضع على الأرض كان صعباً جداً والمشهد كان مخيفاً للغاية"، موضحاً أن المتطوعين تلقوا بلاغات حول جثث "كانت أشلاؤها متناثرة في صورة قاسية على القلب".
وأكد الدكتور مدني، أن فريق المتطوعين يتعرض "للخطر في كل لحظة يحاول فيها الوصول إلى إحدى الجثث، إضافة إلى الخطر الصحي الذي يمكن أن تشكله تلك الجثث على المتعاملين معها، إذ يوجد خطر الإصابة بطلقات نارية من أحد طرفي القتال بسبب وجود تلك الجثث في مناطق خطرة".
ومع تفاقم خطر الجثث التي لم تُدفن، تناشد الجهات المختصة المحلية والدولية طرفي القتال بضرورة فتح طرق وممرات آمنة تسمح بإيصال تلك الجثث إلى المقابر ودفنها "حفظاً لكرامة الميت" كما يقول البعض.