استعرضت مجلة "
ايكونوميست" البريطانية أوضاع الأكراد في الشرق الأوسط لا سيما في
العراق حيث شهد إقليم
كردستان العراق ازدهارا ملحوظا على العكس من باقي مناطق العراق.
وذكرت المجلة أن إقليم كردستان العراق شهد أسرع نمو اقتصادي في البلاد، حيث قام ببناء مجمعات سكنية حديثة وفنادق وطرق سريعة.
وأضافت المجلة أن مستقبل الإقليم بدا مشرفا مع التصويت لصالح الاستقلال في استفتاء عام 2017، لكن تلاشى ذلك الحلم بعد ست سنوات من الاستفتاء.
وتابعت، "مع انتعاش عاصمة العراق، بغداد، بفضل تحسن الأمن وعائدات النفط، فإن حكامها يقلصون فرص استقلال كردستان، حيث عاد اقتصاد الأكراد وحدودهم ومناطقهم وسياساتهم إلى حد كبير تحت السيطرة المركزية بعد 30 عاما من الحكم الذاتي".
ونقلت المجلة عن دبلوماسي غربي يراقب التطورات من بغداد قوله، "هناك خطر يتمثل في فشل مشروع كردستان، ويقع اللوم على الأكراد إلى حد كبير".
اشتد الخلاف بين عائلتيهما الإقطاعيتين، البرزانيون الذين يحكمون الغرب والطالبانيون في الشرق إذ نقل قادة الحزبين السلطة إلى الأبناء الأكثر تهورا منذ عام 2017.
ويتقاتل الحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب البرزاني) والاتحاد الوطني الكردستاني التابع لطالباني على الموارد المتضائلة في المنطقة وغالبا ما يصوت وزراؤهم ضد بعضهم في مجلس الوزراء ببغداد.
ويطلب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الأضعف بين الاثنين، من بغداد دعمه علنا، فيما يقول زعيم الحزب بافل الطالباني "العراق أفضل من كردستان".
وأوضحت المجلة، "على الرغم من إلحاح الغرب، يرفض الطرفان توحيد قواتهما المنفصلة، المعروفة لكلا الجانبين باسم البيشمركة".
وبحسب المجلة، "فقد استؤنفت عمليات اغتيال كوادر الحزبين بعضهم البعض بينما انتهت الجلسة الأخيرة للبرلمان الكردي بشجار تلفزيوني".
ومع تنامي استياء الأكراد من الاقتتال الداخلي، يتزايد قمع قادتهم، حيث تم تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها العام الماضي حتى شباط/ فبراير 2024 على أقرب تقدير، كما قيدت حرية الإعلام، التي كانت ذات يوم سمة مميزة للمنطقة الكردية، وفق الايكونوميست.
وتستغل الحكومة العراقية في بغداد هذا التنافس لاستعادة السلطة التي فقدتها بعد أن انتفض الأكراد ضد الرئيس السابق صدام حسين، في عام 1991.
الضغط بالمال
في وقت سابق من هذا العام، استخدمت المحكمة العليا تحكيما دوليا في باريس لحظر مبيعات النفط الكردي، وجرد الأكراد من الإيرادات التي جنوها من بيع 450 ألف برميل يوميا.
وتعتمد الرواتب في كردستان العراق الآن على البدل الشهري الذي تدفعه بغداد لحكومة الإقليم حيث يتوجه الزعماء الأكراد إلى بغداد التي كانوا يتجنبونها للمطالبة بالمساعدات.
تقول المجلة إن نيجيرفان بارزاني قام بعشر زيارات رسمية إلى بغداد خلال السنوات الأربع التي قضاها كرئيس للحكومة بينما زار سلفه وعمه، مسعود بارزاني، بغداد مرة واحدة خلال 15 عاما.
وبموجب الميزانية الوطنية الجديدة التي أقرت في حزيران/ يونيو الماضي، يمكن لأي من محافظات حكومة إقليم كردستان الآن أن تسعى للحصول على تمويل مباشر من بغداد.
وترى المجلة أن ذلك يمكن أن يغري الطالباني بالانفصال عن حكومة إقليم كردستان التي يهيمن عليها بارزاني ويزيد من تقويض وحدة المنطقة.
وقامت الحكومة العراقية بوضع حراس على معابر ومطارات حكومة إقليم كردستان، ما يمنحها حق النقض على من يمكنه الدخول والخروج.
ولا يزال أفراد عائلة الطالباني يجنون الأموال من تدفق السيارات والسجائر المهربة من إيران إلا أن الوضع الآن تغير بحسب مسؤول عراقي نقلت عنه المجلة.
وكلف تعليق تركيا لمشتريات النفط من العراق الأكراد رسوم العبور التي اعتادوا جنيها من مثل هذه المعاملات حيث اعتبرت محكمة دولية أن تركيا كانت تستورد النفط من حكومة إقليم كردستان دون موافقة العراق ومنحت العراق حوالي 1.5 مليار دولار كتعويض.
وتضيف المجلة، "في الجنوب، يعمل الجيش العراقي والميليشيات الشيعية المرتبطة به على تعزيز سيطرتهم على الأراضي المتنازع عليها التي استعادوها من الأكراد بعد استفتاء عام 2017".
وأضافت المجلة، أن الجيش والميليشيات الشيعية عملوا على إعادة تنظيم التركيبة السكانية في تلك المناطق عبر تشجيع العرب على الاستقرار في الأراضي التي يطالب بها الأكراد، مشيرة، إلى أن الأكراد لم يعودوا غالبية بتلك المناطق.
تفوق بغداد القانوني
وفي أيار/ مايو الماضي أعلنت المحكمة الاتحادية العليا أن قرار كردستان بتأجيل الانتخابات غير دستوري وأمرت باستبدال مفوضية الانتخابات الكردية بالهيئة العراقية.
وبدأت كردستان تفقد مكانتها كملاذ للناشطين العراقيين الهاربين، إذ اعتقل رجال أمن أكراد العام الماضي باحثا عراقيا يعمل لصالح مؤسسة فكرية أمريكية وسلموه إلى بغداد، وفق المجلة.
يحتاج الموظفون الجدد في القطاع الرسمي في حكومة إقليم كردستان الآن إلى الحصول على عدم ممانعة أمنية من العاصمة.
الجانب الثقافي
وتذكر المجلة، "على مدى ثلاثة عقود، روج الأكراد لغتهم الخاصة ودحروا برنامج التعريب القديم حيث نسي الجيل الجديد كيف يتكلم العربية لكن العربية في طريقها للعودة".
وأضافت الايكونوميست أن نجل زعيم كردي خاطب الجمهور في حفل تخرجه من إحدى الجامعات المحلية باللغة العربية.
ومع توطيد العلاقات مع بغداد، يحتاج القطاع الخاص في كردستان الآن إلى موظفين جدد للتحدث بالعربية أيضا، كما عادت اللغة العربية إلى واجهات المحلات التجارية في العاصمة الكردية،
أربيل.
وترى المجلة، أن نفوذ الأكراد في أربيل يضعف بينما يتزايد تأثير العرب العراقيين في كردستان.
وأشارت المجلة، "إلى أن الفصائل الشيعية الموالية لإيران والتي تهيمن على الحكومة المركزية تعمل على تهميش القادة الأكراد، إلى جانب المكونات الأخرى في العراق، مثل العرب السنة والمسيحيين".
وتنقل الايكونوميست عن مسؤولين في بغداد قولهم، "إن لدى الرئيس العراقي، وهو منصب يشغله كردي دستوريا، نفوذ دمية".
الدور الغربي
أنشأت القوى الغربية ملاذا آمنا للأكراد بعد حرب الخليج عام 1991 مع منطقة حظر طيران وافقت عليها الأمم المتحدة لكن الاهتمام الغربي بهم يتضاءل، وفق الايكونوميست.
فقد الأكراد منطقة حظر الطيران عندما احتلت أمريكا العراق في عام 2003، وعلى الرغم من أن الأمريكيين لا يزالون يحتفظون بقاعدة حرير الجوية في كردستان 65 كم شمال أربيل، إلا أن الأكراد يشتكون من أنهم لا يقدمون أي دعم عندما تطلق الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران الصواريخ والمسيرات باتجاه كردستان.
وأضاف المجلة، أن القنصلية الأمريكية الجديدة في أربيل تأخرت كثيرا عن موعد افتتاحها، وهذا الجمود الغربي يلقي بظلال من الشك على قوة التحالف، وذلك مصدر قلق بالنسبة للأكراد.
وترى الايكونومست أن الأكراد ما زالوا يمتلكون بعض الأوراق للعب، حيث قاموا بمبادرات مع الصينيين، الذين يعتزمون بناء السدود ومصنع الأسمنت وتطوير عقارات بقيمة 5 مليارات دولار خارج أربيل.
وبحسب المجلة، "يمكن للأكراد أيضا استخدام تهديد أعداد كبيرة من اللاجئين لإثارة مخاوف الغرب. حيث قد يؤدي استيلاء حكومة بغداد الكامل على كردستان إلى نزوح جماعي إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا".
وأردفت المجلة بالقول إن معظم الأكراد يائسون ونقلت عن محلل سياسي في أربيل قوله، "سنكون مجرد مقاطعة أخرى في العراق".
وختمت بالقول إن منارة الاستقلال التي أضاءت لحوالي 30 مليون كردي منتشرين في أنحاء تركيا وإيران وسوريا الحلم، بدأت تتلاشى.