أطلقت السلطات الأمنية
المصرية السبت، سراح عدد من النشطاء، بعد سنوات من اعتقالهم، في قرار اتخذه رئيس النظام
عبدالفتاح السيسي، بالعفو عن 30 من المحكوم عليهم بأحكام نهائية.
ونشر نشطاء مقاطع فيديو بث مباشر لدومة، من
أمام مجمع "سجون بدر"، وهو مطلق السراح وحوله عشرات
الناشطين بينهم: المرشح
الرئاسي الأسبق حمدين صباحي، والمخرج خالد يوسف، ورئيس الحزب "المصري
الديمقراطي" فريد زهران، والمحامي خالد علي.
دومة ناشط مصري وأحد رموز ثورة يناير 2011،
وأحد الذين قادوا حملة الانتقادات والتظاهر خلال عام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي،
لكنه رغم تأييد انقلاب السيسي عام 2013، فقد قضى نحو 10 سنوات في محبسه، بعد حكم بلغ
15 عاما بالقضية المعروفة إعلاميا بـ"أحداث مجلس الوزراء"، التي جرت عام
2011.
المثير أن دومة، قد يكون الناشط الوحيد الذي
حصل على قراري عفو رئاسي من رئيسين مصريين، حيث أصدر الرئيس الراحل محمد مرسي، في
نيسان/ أبريل 2013، قرارا بالعفو عن دومة في قضية إهانة الرئيس المصري.
"أجواء القرار"
ويأتي الإفراج عن دومة، في وقت تطالب فيه بعض
قوى
المعارضة المدنية وتلك المشاركة في جلسات "الحوار الوطني" مع
النظام، بالإفراج عن دومة، وغيره من النشطاء ومعتقلي الرأي.
وفي آذار/ مارس الماضي، قال رئيس حزب
"التحالف الشعبي"، مدحت الزاهد، إن جهة أمنية تتواصل مع قوى المعارضة
بشأن قوائم العفو، لم يظهروا موانع مبدئية من العفو عن دومة.
الإعلام المصري التابع للشركة "المتحدة
للخدمات الإعلامية"، والذي يديره جهات سيادية، روج أن الإفراج عن دومة، يأتي
استجابة لمطالبات قوى سياسية وحزبية، وكإحدى توصيات الحوار الوطني التي جرى رفعها
لرئيس الجمهورية.
وهو ما دفع البعض لاعتبار الإفراج عن دومة خطوة
متأخرة من السيسي لإرضاء المعارضة المدنية في ظروف صعبة يواجهها نظامه اقتصاديا
وسياسيا، ووسط تصاعد الغضب الشعبي منه ومن نظامه، في حالة تثير قلق النظام قبيل
الانتخابات الرئاسية المقررة بعد عدة أشهر.
وعبر الحقوقي المصري هيثم أبوخليل، عن ذلك
بقوله في بث مباشر عبر "فيسبوك"، إن السيسي يلبي طلبات التيار المدني
بالإفراج عن دومة.
وقرأ البعض قرار الإفراج الفوري عن دومة ومن
قبله المحامي محمد الباقر، بأنه خطوة لإعادة تشكيل محيط السيسي، وكسب نقاط لدى
قطاع مهم وله تأثير سياسي وشعبي، وهو ما يكشف عنه الترحيب الواسع بالقرار عبر
مواقع التواصل الاجتماعي، ويؤكده زيادة الانتقادات الأخيرة من شخصيات ورموز لنظام
السيسي وسياساته.
بل إن متابعين ذهبوا للربط بين الإفراج عن دومة
بقضية ضبط طائرة بمطار العاصمة الزامبية لوساكا قبل أيام، خرجت من مطار القاهرة
وعلى متنها 6 مصريين وبها نحو 5.6 مليار دولار و127 كيلوغراما من الذهب، وسط حديث عن
تورط ضباط ومقربين من أجهزة سيادية مصرية.
وهو ما أشار إليه الكاتب أحمد حسن بكر، بقوله
عبر "فيسبوك"، إن سبب الإفراج عن
أحمد دومة، هو "توجيه الرأي العام
بعيدا عن فضيحة طائرة زامبيا".
وتساءل الكاتب الصحفي جمال سلطان: "كم
طائرة نحتاج للإفراج عن بقية المعتقلين؟".
غياب التفاؤل
لكن، ومع إشادة البعض بقرار الإفراج عن دومة، فقد حاول البعض التقليل من تفاؤل المصريين بالقرار مؤكدين أنه لا ينم عن تغيير في
سياسات النظام المصري، وأنه حالة مرحلية لن يتبعها إفراجات واسعة أو ذات قيمة،
مشيرين إلى أن من يجري اعتقالهم فاق أعداد المفرج عنهم من قبل لجنة العفو الرئاسي.
وفي 19 حزيران/ يونيو الماضي، قالت الجبهة المصرية
لحقوق الإنسان، إنها رصدت منذ نيسان/ إبريل 2022، إلى 12 حزيران/ يونيو 2023،
مع إطلاق الحوار الوطني، اعتقال 3666 مصريا، مقابل إخلاء سبيل 1006 معتقلين.
وفي مصر منذ منتصف العام 2013، أكثر من 60 ألف
معتقل في سجون السيسي، أغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين، ومن التيار الإسلامي
والمؤيدين للجماعة، بجانب معتقلين من التيار المدني والمعارضين للسيسي، محبوسون في
قضايا وصفها حقوقيون بـ"الهزلية"، وصدرت بحقهم أحكام قال إنها
"مسيسة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال القيادي
في الحركة المدنية الديمقراطية سمير عليش: "نحن سعداء بخروج أي معتقل سياسي
في مصر، ولكن الأمر يذكرك بوضع آلاف الموجودين في السجون منذ سنوات".
وأكد أن "حديث البعض عن أن خطوة الإفراج
عن دومة هي محاولة من السيسي، لإرضاء المعارضة المدنية والمشاركين في الحوار
الوطني، هو إرضاء ناقص وغير مرض، ويؤكد أنه بهذه الطريقة لن تتغير أية سياسات أو
أوضاع في البلاد".
وأضاف: "كما أنه لا يقول إن الحالة
السياسية إلى تغير، بل إنه بهذه الطريقة يعطي نقطة مياه فقط لآلاف العطشى، لذا فهو
إجراء غير مرض، مقابل وجود أسماء لا حصر لها نذكر منها محمد القصاص، وعبدالمنعم
أبو الفتوح".
"خطة لا نعرفها"
وحول ما يثار من أن السيسي يحاول إعادة تشكيل
محيطه قبيل الانتخابات الرئاسية بالإفراج عن ناشطين مثل أحمد دومة ومن قبله محمد
الباقر وباتريك جورج وبعض الصحفيين، وغيرهم، وتقليل نسب غضب الناشطين قال عليش، إن
"لدى الرئيس السيسي خطة لا نعرفها".
وأضاف: "لكن تلك المحاولات ليست هي
الحقيقة، لأن عامة الشعب تحتاج معرفة مصيرها ومستقبل أبنائها، وماذا سيفعل في ملف
الديون؟، وهناك من يطالبونه بضرورة تغيير السياسات، وهناك أوضاع على الأرض تحتاج
إلى الإصلاح وبينها الفقر والغلاء".
وأوضح أنه من بين تلك الأمور "هناك آلاف
المعتقلين يحتاجهم ذووهم، كيف سيخرجون؟، أشياء كثيرة تحتاج لإيضاح خططه"،
لافتا إلى أنه بشكل عام "لا تغيير في سياساته تجاه المعتقلين"، مبينا
أنه سوف يتم مناقشة الأمر اليوم في لجان الحوار الوطني التي يشارك فيها.
وبشأن ما أثير عن أن الإفراج عن دومة وتنفيذ
القرار فعليا له علاقة بالتغطية عن قضية طائرة الذهب التي جرى ضبطها في زيمبابوي،
قال بالطبع فإن ملف الطائرة شغل الرأي العام، ولا نعرف عنه شيئا ولا عن ما جرى في
مقر الأمن الوطني بالعريش، ويقال إن المصريين الستة الذين كانوا على متن الطائرة
بهم ضباط أمن".
وختم حديثه باللوم على النظام لـ"عدم وجود
أية شفافية"، ولأنه "لم يخرج أحد يقول الحقيقة، ولأن الأفق العام غير
واضح وضبابي".
"توقيت القرار"
ويواجه نظام السيسي، بعد 10 سنوات من السيطرة
على مقاليد الحكم بالبلاد، أزمات خطيرة تؤثر على حياة أكثر من 105 ملايين مصري،
بسبب ما وصفه معارضون السياسات القائمة على الجباية والاستدانة، وتدشين مشروعات
غير ذات جدوى.
وخرجت مؤخرا العديد من التسريبات وتفجرت العديد
من القضايا التي أحرجت نظام السيسي محليا ودوليا.
وفي 30 تموز/ يوليو
الماضي، تفجرت واقعة مقتل 8 من ضباط وأفراد جهاز الأمن الوطني بمدينة العريش شمال
سيناء، دون أن يصدر عن النظام بيان يكشف الحقيقة، حتى كتابة هذه السطور.
وفي 12 آب/ أغسطس الجاري، نشر اليوتيوبر الشهير
عبدالله الشريف تسريبا من داخل قاعدة محمد نجيب العسكرية (غرب البلاد) يكشف فشل
إحدى أهم مشروعات السيسي للصوب الزراعية والتي تكلف نحو 16 مليار جنيه.
والأربعاء الماضي، 16 آب/ أغسطس الجاري، ضبطت
السلطات الزامبية طائرة خرجت من مطار القاهرة وعلى متنها 6 مصريين في مطار العاصمة
الزامبية لوساكا وبها نحو 5.6 مليار دولار و127 كيلوغراما من الذهب، وسط حديث عن تورط
ضباط ومقربين من أجهزة سيادية مصرية.
والخميس الماضي، 17 آب/ أغسطس الجاري، نشر
عبدالله الشريف تسريبا ثانيا لفشل مشروع زراعي آخر للصوب الزراعية في منطقة
اللاهون بالفيوم جنوبي القاهرة.
"إفراج بالقطارة"
من جانبه، أكد الكاتب الصحفي المعارض، مجدي
الحداد، أن الإفراج عن دومة له علاقة بقضية طيارة الذهب في زامبيا، وقال
لـ"عربي21"، إن "الأمر بمثابة مقايضة افتراضية بين نظام يحكم بلا
شرعية وشعب مذعن رغما عنه".
وأكد أن ذلك "يحيلنا لما هو أسوأ من العهد
المملوكي، وأسوأ من أي احتلال تكالب على مصر بأي عصر من العصور، فهي مقايضة تفترض
أن الشعب يجب أن يتغافل عن طائرة علي بابا مقابل الإفراج عن دومة، ويتغافل عن أي
شيء مستقبلا مقابل الإفراج عمن يريد النظام الإفراج عنه".
واستدرك: "ولكن على الرغم من ترحيبي،
بالإفراج عن أي معتقل سياسي وصاحب رأي، وكل من اعتقل ظلما، لكن كيف لي أن أفرح
بالإفراج عن معتقل واحد بينما يربو عدد المعتقلين السياسيين على 60 ألفا، فماذا
إذن عن الباقي؟، ولماذا لم يفرج عنهم دفعة واحدة، ومنهم المرضى وكبار السن".
وضرب المثل بأسماء كأبي الفتوح، والعقيد أحمد
قنصوة، موضحا أن "جرمه كان منافسة السيسي بانتخابات الرئاسة المزعومة
2018"، بحسب الحداد، الذي أكد أن "قنصوة بالذات لم يجد من الداخل أو
الخارج من يطالب بالإفراج عنه، رغم أنه كأبي الفتوح ووزير التموين باسم عودة لم
يرتكب جرما".
وقال: "إننا هنا نتكلم عن مصريين أبرياء،
وبغض النظر عن خلفياتهم السياسية والأيدلوجية، وأشار من قبل في مقال -يحاكم
بسببه الآن- الناشط يحيى حسين عبدالهادي".
وأكد أنه لا يقبل "الإفراج عن المعتقلين
بالقطارة؛ بينما يحل محلهم أضعاف أضعافهم من معتقلي الرأي، وحيث لم يهتم السيسي
وخلال العشرية السوداء ببناء أي شيء نافع ومفيد سوى القصور الرئاسية، والسجون التي بلغت 68 سجنا بنى منها 26 سجنا".
"تكريس الانقسام الوطني"
وتساءل: "هل المعتقلون في سجونه الآن يمكن
وصفهم بعد تلك الممارسات غير المقبولة بأنهم أسرى حرب، أم رهائن؟، وهل السيسي، مثلا
ينتظر عقد صفقة ما مع قطر مقابل الإفراج عن صحافيين مصريين يعملون في الجزيرة؟".
وأضاف: "أن يعلم كل ذلك، وغيره، وما هو
أكثر سوءا، أعضاء ما يسمى بالحوار الوطني، ويتجاهلون النداءات الشعبية العديدة
التي طالبتهم بالانسحاب من الحوار، فهذا يشير إلى علامات استفهام بحق كل من استمر
بالحوار، وسيحاسبهم التاريخ".
وتابع: "وسوف يحسب لكل من قرر الانسحاب من
الحوار كالحقوقي نجاد البرعي، مثلا، عقب حبس الباحث باتريك جورج، والذي تم الإفراج
عنه لاحقا نتيجة ضغوط دولية إيطالية"، متعجبا بقوله: "وكأنها هي الأكثر
فعالية في الإفراج عن المعتقلين السياسيين، أو أسرى الحرب، والرهائن".
ويرى أنه "لو صح أن حمدين صباحي، أو
الحركة المدنية المشاركة في الحوار هي من اختارت فقط الإفراج عن دومة، دون باقي
المعتقلين، وحتى بعد أن أفرج عنه استقبله حمدين وجميلة إسماعيل، فهذا لا يعني إلا
شيئا واحدا، وهو تكريس الانقسام الوطني، الذي سعى إليه السيسي منذ توليه السلطة
الانقلابية".
ويعتقد الكاتب المصري أن هذا "يعني تآمر
الحركة المدنية على هذا الشعب وانحيازها مع المستبد الفاسد، ضد رغبة الشعب في حياة
حرة كريمة، وكذلك تجاهلها لما تتعرض له مصر الآن من أخطار وجودية بسبب من يتحاورون
معه الآن".
وخلص إلى القول إن "الإفراج عن دومة، لا يمكن
أن يكون له علاقة بمصالحة مع الشعب، لأن أي مصالحة مع الشعب الآن، وفي هذا الوقت
المتأخر من عمر هذا النظام، لا يمكن أن تسمى كذلك إلا بترك السيسي للحكم أو عزله
منه، وغير ذلك فهو إمعان واستمرار في الضحك على الذقون".
ولفت إلى أن "طائرة زامبيا كانت إذن بمثابة قمة جبل الجليد، وحيث يزعم العديد من المراقبين، والمختصين، كالخبير
الاقتصادي الدكتور محمود وهبة مثلا، وبموجب وثائق أن ما تم تهريبه من مصر من عملة
صعبة، وفي عهد السيسي، بلغ حوالي نصف تريليون دولار".
وختم قائلا: "نعم لهجة النظام تغيرت بعض
الشيء، لكن لا بديل الآن عن رحيله إذا أُريد لمصر البقاء ولشعبها الوجود".