نشرت
صحيفة "
لكسبرس" الفرنسية تقريرًا تحدثت فيه عن محاولات
التطبيع مع
الرئيس السوري بشار
الأسد التي تمثّل "طعنة في الظهر" بالنسبة للمعارضة
السورية.
وقالت
الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد 12 سنة من الحرب
الأهلية يسعى الدكتاتور السوري للعودة إلى الساحة الدولية بمساعدة جيرانه. وفي 19
أيار/ مايو في جدة، عاد الرئيس السوري المنبوذ بشّار الأسد مرة أخرى رئيسًا للدولة
في نظر إخوانه العرب الذين طردوه من الجامعة العربية في سنة 2011.
بعد
إعلان فوزه في انتخابات شكليّة في بلد مدمر، تعتبر إعادة قبوله في الحظيرة العربية
استمرارًا منطقيًا لسلسلة طويلة من عمليات التقارب التي تسارعت بعد زلزال 6
شباط/ فبراير في
تركيا وسوريا. وعلى خطى الإماراتيين، اختار السعوديون أيضا تغيير
استراتيجيتهم تجاه دمشق بعد استئناف المحادثات مع الإيرانيين من خلال الاتفاقية
الموقعة في بكين في آذار/ مارس.
يبدو
أن جامعة الدول العربية "تخلت عن السوريين"..
ذكرت
الصحيفة أن هذه الديناميكية تمثل صفعة لمعارضي النظام الذين ما زالوا في
سوريا أو
في المنفى. وقال عمر الشغري، من فرقة عمل الطوارئ السورية، وهي منظمة تابعة
للمعارضة السورية مقرها في واشنطن: "ليس الأمر مفاجئا، لأننا رأينا الدول
العربية تميل في هذا الاتجاه، لكن ذلك يمثل طعنة في ظهر السوريين. إنها طريقة
لإخبار الأسد أنه يستطيع الاستمرار في قتل شعبه وأنه سيعاد دمجه في المجتمع الدولي
في نهاية المطاف".
قد
يكون الأسد خرج من عزلته الدبلوماسية بعد 12 سنة من بدء الانتفاضة السورية التي
خلفت 500 ألف قتيل و110 آلاف مفقود وأكثر من 7 ملايين لاجئ، إلا أن برمجيته تظل
كما هي. تقول الناشطة السورية وفاء مصطفى، التي اختفى والدها المعارض السياسي منذ
سنة 2013: "شعرت بالغضب والحزن والإحباط. إن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد
'خيانة' لعدد لا يحصى من الضحايا وعائلاتهم. يبدو الأمر كما لو أن ذكريات أولئك
الذين عانوا من الفظائع في دمشق قد تم محوها وتجاهلها".
وأوردت
الصحيفة أن قمع المعارضين يستمر في جميع أنحاء البلاد، ولا يزال شمال غرب سوريا
الذي تسيطر عليه المعارضة يتعرض للقصف من قبل القوات الموالية للنظام والجيش
الروسي. ويتذكر جورج صبرا، المعارض السوري المخضرم ورئيس المجلس الوطني السوري، أن
"الأسباب التي دفعت الدول العربية إلى قطع علاقاتها مع النظام لم تتغير.
وبالنسبة لهذا التحالف المعارض الذي يتخذ من تركيا مقرا له، فإن قرار الجامعة
العربية يرقى إلى التخلي عن السوريين وتركهم "دون دعم عربي رسمي".
لكن
دول الخليج وعلى رأسها السعودية لا تعتبر ذلك أمرا مهما فهم يعتبرون أن استراتيجية
العزلة لم تؤد سوى إلى تعزيز الوجود الإيراني في سوريا وجعلت هذا البلد دولة
مخدرات تهدد المنطقة برمتها. ويضيف عمر الشغري، المعتقل السابق الذي تعرض للتعذيب
بين سنتي 2012 و2015: "هذا ليس مفاجئا جدا من جانبهم نظرا لأن الإمارات
العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية أو مصر ليست ديمقراطيات بل أنظمة
استبدادية متماسكة بين بعضها البعض".
وأشارت
الصحيفة إلى أن تعاون الدول العربية مع الأسد لم يتم من دون ضمانات، إذ طُرحت
مسألة عودة اللاجئين وكذلك قضية الاتجار بالكبتاغون، وهو مخدر صناعي تعتبر سوريا
المنتج الرئيسي له. ورغم الوعود، فإن بشار الأسد لا ينظر بشكل إيجابي إلى العودة
الجماعية لملايين السوريين ذوي الأغلبية السنية، وربما لن يفعل شيئا لوقف تجارة
المخدرات التي يديرها بشكل رئيسي شقيقه ماهر والمليشيات الموالية لطهران. وعلى
ضوء ذلك، يقول جورج صبرا: "إن ذلك مجرد وهم، فالنظام لن يستسلم بشأن قضية
الكبتاغون. وهذا يقلل من تقدير النفوذ والقوة الإيرانية في سوريا".
نحو
تعاون مع أردوغان؟
في
ظل هذه التطورات المثيرة للقلق، اجتمعت الهيئة العليا للمفاوضات - التي تضم
المكونات السبعة للمعارضة السورية - في جنيف للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاث سنوات
في حزيران/ يونيو الماضي. وبعد مناقشات مكثفة، دعت الهيئة إلى استئناف المفاوضات
تحت رعاية الأمم المتحدة واعتبرت أن إعادة دمج النظام في الحظيرة العربية يحمل في
طياته خطر رفض دمشق لأي حل سياسي. وأضاف جورج صبرا: "لن نتمكن من ضمان عودة
اللاجئين وحل الوضع في سوريا إلا من خلال السعي المتضافر لعملية سياسية ذات
مصداقية تستند إلى القرار عدد 2254 الصادر في سنة 2015 بشأن تغيير الحكم السياسي
الداخلي".
لكن
الأسوأ ربما لم يأت بعد نظرا لأن الرئيس التركي المعاد انتخابه حديثا، رجب طيب
أردوغان - الأب الروحي للمعارضة السورية - سيكون مستعدا للحوار مع بشار الأسد
وخاصة لحل مسألة اللاجئين السوريين، التي عادت إلى الواجهة خلال الانتخابات
الرئاسية في أيار/ مايو 2023.
من
جهته، يوضح نوار صبان، خبير الصراعات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ومقره
تركيا، قائلا: "بالنسبة لتركيا، لا تقتصر عملية التطبيع على إعادة فتح السفارة فحسب.
إنها مسألة أمن قومي ومراقبة الحدود لأن أنقرة حاضرة ومؤثرة في
إدلب والشمال
الغربي".
وأكدت
الصحيفة أن كل الأنظار الآن تتجه نحو الغرب، "الصرح" الأخير أمام تطبيع
العلاقات مع النظام السوري. يلخص عمر الشغري قائلا: "بعض الدول تتخذ خطوات في
الاتجاه الصحيح: لقد أصدر الكونغرس الأمريكي قوانين مهمة وسيواصل القيام
بذلك". يجب ألا ننسى أيضا القضايا المرفوعة ضد النظام السوري في ألمانيا
وفرنسا وأمام محكمة العدل الدولية". واليوم، يبدو أن قانون قيصر، الذي يفرض
عقوبات على أي شخص أو كيان يستثمر في سوريا، هو الضمانة الرئيسية ضد عودة بشار
الأسد إلى الساحة الدولية.