حفلت الأيام الماضية بتفاصيل تضاف لقديم المتعارف عليه من الخلاف
المصري
المعتاد بين أنصار الجنرال ومقاوميه السلميين، ولكنها تفاصيل أقرب للجري بالمكان
للأسف، أما الخلاف فهو الذي "تفجر" قرب ظهيرة 3 تموز/ يوليو 2013م. وبوادر
الخلاف بل ماهيته كانت متعمقة في تربة مصرية خصبة عفيّة -للأسف- دون أن يستطيع
نظام
الإخوان الذي حكم "ظاهريا" لسنة أن يُلم بها إلماما يكفل معالجتها،
أو يكف أعداء الوطن عن مؤامراتهم.
أما عن الحكم الظاهري فتبدى واضحا في انفصال
مؤسسة الرئاسة عن قوى المجتمع المسيطرة من داخلية، وجيش، وإعلام، وقضاء، ودولاب
الدولة المسمى بالعميقة، وظهر عدم إحاطة الجماعة بالموقف في تعملق دور الجنرال
الحاكم اليوم واستطاعته لملمة أطراف الموقف دون أن يثير شكا كافيا لتغييره أو قدرة
على إدراك الجماعة أن الإطاحة بها وشيكة.
فلما تفجر الموقف كانت الجبهة الداخلية الداعمة للجنرال متماسكة للأسف على
النقيض تماما من المقاومة السلمية المعروفة باسم "المعارضة"، ولأن الخرق
زاد على الراقع، ولظهور غريبا لمصطلحات من مثل "المعركة الصفرية" حتى أن
المقاومين السلميين أنفسهم كانوا يكثرون من استخدامه ربما انفعالا بالمذابح
الواقعة عليهم في البداية ويقينا بأن الله لا بد ناصرهم مع إغفال أن الله لا ينصر
إلا المجيدين المجتهدين بالدنيا، وفي الحالين، فضلا عن الحال العام، كان الأمر
يلزمه وقفة طويلة متدبرة.
وإذا نظرنا باختصار في مسيرة الجماعة مع الرغبة في الحكم حتى اليوم وما
حفلت به الأيام الماضية، وقفنا من وجهة نظرنا على نقاط بالغة المحورية:
- كان الإمام المؤسس حسن البنا يواجه بآليات ونصوص تستهدف المحتل الأجنبي
أولا، فلما استفاض لتغيير المجتمع المصري والعربي والعالمي أسرف بالأحلام ربما
لإنه رآه أمرا بالغ البُعد، فلا الشعوب كلها تتغير، ولا الناس اجتمعوا على الصلاح
من قبل ولو حول الأنبياء والمرسلين، وهو ما أدركه البنا قبيل وفاته فتبرأ من سابق
نهجه ودعا لتربية الشباب بالمساجد، لكن أحدا لم ينصت لما قال.
- أودت التجربة بالجماعة من قبل عام 1954م، وتكررت المحنة في 1966م مما كان
يستبعد معه أن تخوض تجربة الرئاسة مرة أخرى بنفس التربة والآلية، ولكن الأمور
تحتاج لدراسة مستفيضة حول تأثير الرغبة في الحكم لا على الظلمة وحدهم بل على حركة
إصلاحية كبرى كالجماعة.
- كان من أسوأ القرارات التي اتخذتها الجماعة قرار الأول من نيسان/ أبريل
2012م بالترشح لرئاسة متنكرة لقرارها السابق منذ أشهر بعدم التعرض للأمر لأسباب
وجيهة، وقد جر القرار الجماعة بل مصر كلها والأمة لما لا تطيق للأسف المرير.
- عقب الإطاحة بالجماعة بالقوة بعيد منتصف 2013م كان من المفترض أن يجلس
عقلاؤها لبحث أسباب ما حدث، وهل تلقي بالملام على الأعداء الخارجيين وحدهم؟ أم أن
لها من المسئولية نصيبا عظيما بالتقصير والتهاون واتخاذ القرارات التي تحمل عبق
الشورى الظاهري ولا تلتزم بمضمونها كاملا؟ وقد كانت الفرصة متاحة للتدبر والتراجع عندها
وحتى 2016م بصور مختلفة نسبية، وما تزال متاحة لكن بمجهودات أكثر إرهاقا في البحث
عن سبلها قبل تطبيقها!
- بقي خطاب المظلومية الباكي والكربلائيات للأسف يتغذى عليه كثيرون في
المنافي بطرق متعددة؛ منها رجاء تغيير موازين الأوضاع وعودة الجماعة للسلطة، ومما
لا يصدق أن كبراء من القيادات الموكل إليها الأمر الآن يعتقدون أن هناك إحصاءات رأي
"دولية" تقول بوشيك عودتهم للسلطة لا لمصر فحسب.
- الوعود المنسابة السيّالة لليوم ومنذ تموز/ يوليو 2013م بمضي الجنرال
وأتباعه للأسف لم يقم عليها دليل، والحكم عليها بالمستقبل ربما يبدو غير منطقي،
لكن أملا بلا عمل يلزمه نظر كبير في عمليته وواقعيته فضلا عن جدواه.
- توهم أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر ستقود لتولي غير الجنرال
السلطة.. يظل وهما ما دامت آلية التعامل القاسي مستمرة في حكم البلاد والعباد، وإن
اختلفت الأسماء والتكهنات.
- مطلوب مرة أخرى إعادة النظر في أبجديات الواقع الحالي المريرة، فالحاكم
وبطانته ظَلَمة لن يتركوا الحكم بحال، ولكن مقاومتهم بالأماني والأحلام وضعف
المقاومين السلميين الظاهر لن يؤدي لنتيجة بأي حال.. مطلوب أن يعيد رافضو الظلم
حساباتهم وبناء أنفسهم وإدراك بعض مما تبقى من مصر، والتفكير العملي المحترم
المجتهد المجهد في حل يعيدهم لبناء أنفسهم ومكونات الوعي الشعبي؛ وصولا لوعي أكثر
خلاصا ورغبة في تغيير المصير المضني الحالي لدولة محورية تكاد تسقط للأسف.
- ترى هل نحلم بيوم قريب يعيد مقاومو الجنرال فيه حساباتهم ويُبقون على
أنفسهم وبلدهم بعيدا عن الانفعالية ورغبة التشفي والانتقام الذي يؤلمهم قبل غيرهم،
ويتخلصون أيضا من كثير من المنتفعين في صفوفهم؟! فإن الحكام الآن لن يفيدهم نصح لأنهم
ظَلَمة ويضمون الحقد والهدم، أما المصلحون المفترضون وإن تفرقوا فلربما أفاق منهم
أصحاب الضمائر فمدوا جسورا لخلاص مصر ولو بعد حين!